أخذت قضية المضاربة واحتكار السلع الغذائية ذات الاستهلاك الواسع اهتماما رسميا ومؤسساتيا غير مسبوق، بالنظر إلى تفشي الظاهرة وتكرارها دوريا داخل منظومة قطاع التجارة وممارسة النشاط في الميدان، وأيضا التأثير السلبي والعميق على القدرة الشرائية للمواطن المتدنية أصلا، ناهيك عن التداعيات المستقبلية لمثل هذه الأفعال الشنيعة التي تحولت إلى مناورة لتهديد الاستقرار الاجتماعي وقد تشكل بابا مفتوحا لكل التأويلات والمخططات الدنيئة.
جاءت المادة الثانية من نص القانون رقم 21/15 المتكون من 25 مادة الصادر، مؤخرا، في الجريدة الرسمية المتعلق بمكافحة المضاربة غير المشروعة واضحة وصريحة لمعاقبة كل المخالفين والمتلاعبين بقوت الجزائريين لأهداف مكشوفة وخفية، حيث حدّد النص التشريعي بدقة معنى المضاربة حتى يفهمها الجميع وبالأخص الناشطين في القطاع والمتعاملين المزيفين، ويقصد بها “تخزين أو إخفاء السلع والبضائع بغرض إحداث ندرة في السوق واضطراب في عملية التموين والتوزيع، وكل رفع أو خفض مصطنع في الأسعار”.
هو وصف دقيق لا لبس فيه وترجمة حرفية لما يعيشه المواطن الجزائري هذه الأيام وقبلها من ارتفاع فاحش وغير مبرر لأسعار المواد الأساسية، بل وندرتها في المحلات ونقاط البيع بالرغم من استقرار وضعية الإنتاج وبكميات مضاعفة حسب تصريحات مختلف مسؤولي ومسيري الوحدات الإنتاجية خاصة ما تعلق بمادة زيت المائدة، التي تحولت إلى أزمة اجتماعية يومية تعدت الجانب الاقتصادي وخالفت قاعدة العرض والطلب.
وجاء القانون الرادع ليعطي حصانة أكثر وآلية رقابية قوية لمصالح مديرية التجارة وكل الجهات المختصة المكلفة بمتابعة ملف المضاربة والاحتكار في الميدان التجاري من أجل التدخل لتطبيق نص القانون ومعاقبة المخالفين ومكافحة كل أشكال الظاهرة، وهو الإجراء الموضح في المادة الثالثة من النص، من خلال توضيح آليات مكافحة المضاربة غير المشروعة عن طريق إعداد إستراتيجية وطنية لضمان التوازن داخل السوق، استقرار الأسعار والمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن”.
كما حدّد القانون طبيعة العقوبات الصارمة التي تنتظر المخالفين منها عقوبة السجن وتتراوح من 3 سنوات إلى السجن المؤبد حسب خطورة الجرم المرتكب، وغرامات مالية تصل إلى 2 مليون دينار، وهي إجراءات ستكون حسب المتابعين كفيلة بمعالجة هذا الداء الذي ينخر الاقتصاد الوطني وأنهك جيوب المواطن، بالأخص محليا بولاية بومرداس التي سجلت عدة حالات كشف عنها أعوان الرقابة ومصالح الأمن تتعلق بتخزين غير مبرر لبعض المواد الغذائية الأساسية منها زيت المائدة ومادة البطاطا، في وقت يشهد السوق حالة ندرة ساهمت في رفع الأسعار، مقابل عجز المواطن عن مواجهة هذه الأزمة المفتعلة التي أثرت على وضعيته الاجتماعية.
كما تعزّز النص التشريعي بقرار إنشاء لجنة برلمانية من قبل مجلس الأمة لتقصي الحقائق والتحري في أسباب وخلفيات الندرة التي تعرفها بعض المواد الغذائية الأساسية في السوق الوطنية ونقاط التوزيع التي أدّت إلى ارتفاع غير مبرر للأسعار، وأيضا خلفيات ظاهرة المضاربة والاحتكار التي قد تأخذ أبعادا أخرى سلبية ومهددة للاستقرار الاجتماعي، وفق تصريحات بعض خبراء الاقتصاد، وأيضا دوافعها ومن يقف وراءها، وما تجربة أزمة الزيت والسكر لسنة 2011 بعيدة عن الأذهان، وهي خطوة تدخل في إطار مهام المجلس الذي سبق وأن فتح ملفات تحقيق سابقة مست عددا من القضايا منها قضية العقار، قضية القمح الفاسد وغيرها من الملفات.