طباعة هذه الصفحة

مجانية الاستخدام في وسائط التّواصل الاجتماعي

الأمــــــــن المعلوماتــــــــي في وسائــــــط التّواصــــــــــل الاجتماعـــــــي وتطبيقاتهـــــــا

د - نجيب بخوش / جامعة محمد خيضر بسكرة

 عندما يصبح المستخدم سلعة

الحلقة 2 والاخيرة

 

تمتلك شركات التكنولوجيا العملاقة قواعد ضخمة من البيانات عن مستخدميها، كما تمتلك القدرة على تتبّع حركة هذه البيانات وتخزينها ونقلها، وهو ما يتيح لها فرصة استغلال تلك البيانات وتوظيفها في تحقيق أرباح طائلة من خلال معرفة تفضيلات المستخدمين، واستخدامها في عمليات التسويق المختلفة، وبيعها للمؤسسات الإعلانية الضخمة. وبذلك تتصدّر تلك الشركات المشهد الاقتصاد العالمي من خلال ما حقّقته من أرباح طائلة وزيادة قيمتها السوقية إلى مستويات أصبحت تتعدى معه ميزانيات بعض الدول. إلا أن قدرات تحكم تلك المؤسّسات الضخمة في طبيعة المعلومات التي يتم جمعها أصبحت تثير الريبة لدى كثير من مستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي حول: هل تتضمّن مثلا السماح بتسجيل محادثات الأفراد الشخصية من خلال هواتفهم؟ هل تقوم باستخدام نصوص المحادثات الشخصية مع المستخدمين الآخرين؟ هل تتعقب كيفية استخدامنا لجهاز الكمبيوتر أو الهاتف للقيام بمهام أخرى؟.

 

كيف يتم توظيف بيانات المستخدمين والاستفادة منها؟

يستخدم موقع «فيسبوك» من خلال نظامه الذكي، المحتوى الذي يقدّمه كل مستخدم من أجل تحقيق مليار دولار كأرباح سنوية، إذ يعمل الموقع على تحليل وربط كل محتوى المشاركات على الموقع، من أجل بناء علاقات وصداقات يمكن استخدامها لأغراض إعلانية تجني المال.

ومن خلال نشاط كل مستخدم على الشبكة، يقوم الموقع بمعرفة الأشخاص الذين يجب استهدافهم في الحملة الإعلانية، فتعامل الموقع يختلف تجاه المستخدم الذي يقوم بالضغط على زرّ الإعجاب، وكتابة التعليقات، سواء على الصفحات أو الفيديو أو الصور، عن أولئك الذين يتصفّحون محتوى الشبكة دون أي مشاركة، وكل ذلك يسهم في تزويد الموقع بمعلومات عن المستخدم، تفيد بجدوى توجيه الإعلان إليه بوصفه عميلاً مستهدفاً في الإعلان، أو بتجاهله، لكونه لا يمثل الشخص المستهدف في حملة إعلانية معيّنة، ويحصل «فيسبوك» على تلك المعلومات من خلال نسخة الموقع المتوافرة على جميع المنصّات، سواء الواب أو الهواتف الذكية أو الحواسيب اللوحية (٠١).

ويحصل «فيسبوك» على تلك المعلومات من خلال ما يعرف بالمخطط الاجتماعي «Social Graph»، وهو شبكة ضخمة يقوم النظام الذكي لـ «فيسبوك»، من خلاله بالبحث عن النقاط المشتركة والتشابهات فيما بينها، وعليه يمكن استخلاص معلومات عامة يستفيد منها في توجيه الحملات الإعلانية.

وبناء على ما يبديه المستخدم من إعجابات، وما يقوم به من مشاركات، في مواضيع معيّنة، يقوم «فيسبوك»، بجمع هذه البيانات عنك وعن الملايين ممّن يشاركونك تلك الاهتمامات وربطها، ومن هنا يقوم الموقع بتوجيه إعلان مستهدف، ستشاهده أنت وكل من شاركته اهتماماتك، ليظهر هذا الإعلان فقط لمن لديه أدنى اهتمام بالموضوع المحدد، ولا يظهر لأولئك الذين لا يحققون الاستهداف المطلوب، وبالتالي استبعادهم من الحملة. والغرض من الاستهداف هنا هو أن الشركات لا تنفق أموال حملاتها الإعلانية على الأشخاص غير المهتمين، ممّا يزيد من جدوى الإعلان وفعاليّته (٠٢).

لكن بالمقابل، صعّد المدافعون عن حماية البيانات الشخصية وخصوصية المستخدمين، سنة 2019 من هجومهم على شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحمول الشهيرة، وآخرها تطبيق «فيس آب»، الذي انتشر خلال الفترة الأخيرة. واعتبر هؤلاء أن الأمر وصل إلى ما يمكن اعتباره «اتجاراً في البشر» عبر الاستغلال السيء إعلانياً وتجارياً، أو لأغراض أخرى، لبياناتهم الشخصية التي يتم تجميعها من كاميرات وميكروفونات هواتفهم الذكية وأجهزة الكمبيوتر المكتبية والمحمولة واللوحية.

وطال هذا الاتهام تطبيقات وبرامج تعمل على الهواتف المحمولة والأجهزة الأخرى، وتخص «فيسبوك»، و«إنستغرام»، و«تويتر»، و«واتس أب»، و«تيك توك»، و«فيس آب»، و«غوغل»، وغيرها من التطبيقات التي تقوم سياسة الخصوصية فيها على قاسم مشترك هو تقديم خدمات مجانية، مقابل جمع والتقاط والتنصت واسع النطاق على البيانات الشخصية للمستخدمين.

وجاء تناول القضية على هذا النحو في تقرير نشره موقع «بيزنس انسايدر» businessinsider.com ، ونقل عن محللين ومسؤولين في مؤسسات المجتمع المدني المدافعة عن الخصوصية، قولهم إن قيام تطبيقات المحمول، سواء التابعة لشبكات التواصل الاجتماعي الكبرى المعروفة، أو الشركات الأخرى، بالتوسع في الاستخدام التجاري وغير التجاري للبيانات الشخصية للمستخدمين يرقى لأن يكون صورة من صور «الاتجار في البشر»، ذلك أن هتك الخصوصية والتوسع في الحصول على البيانات الشخصية يؤدي في النهاية إلى «تسليعهم»، أي تحويلهم إلى مجرد سلع، يتم المتاجرة فيها بأسلوب آو آخر. واعتبروا أن تطبيق «فيس أب» الخاص بإنتاج صور للأشخاص في شيخوختهم من صورهم الحالية، ليس سوى مثال بسيط على ذلك، وربما يكون الخرق الذي يقوم به هذا التطبيق أقل بكثير مما يقوم به تطبيق مثل «فيسبوك»، أو «تويتر» أو «واتس أب» أو غيرها من التطبيقات المجانية (٠٣).

- انتهاكات «فيسبوك»: أشار المحلل في «بيزنس إنسايدر»، بين جيلبرت، إلى أنّ تطبيق «فيسبوك» نفسه يسبق ويتجاوز تطبيق «فيس أب» من حيث الاعتداء على الخصوصية، إذ اعترف «فيسبوك» مراراً وتكراراً بانتهاكات هائلة لبيانات المستخدم، منها فضيحة «كمبريدج أنالتيكا» التي سمح فيها لبعض الجهات بالوصول إلى معلومات شخصية تخص عشرات الملايين من المستخدمين، ليُساء استخدامها أثناء الانتخابات الرئاسية الأميركية. وعملياً يجمع موقع «فيسبوك» الكثير من بياناتك، ويبني صورة أقوى عن هوية المستخدمين.

وفي ماي 2014، قدّم «فيسبوك» خاصية جديدة، كان هدفها أن يستطيع الهاتف الذكي لمستخدمي التطبيق تمييز وتحديد الموسيقى من حولهم، وذلك من خلال وصول التطبيق إلى ميكروفون الهاتف، وهذا لا يتم إلا إذا منح المستخدم نفسه تطبيق «فيسبوك» هذه الصلاحية على هاتفه، لكن بعد ذلك تكرر الحديث عن أن تطبيق «فيسبوك» يصل إلى ميكروفون الهاتف، سواء حصل على إذن أم لا.

وأوردت شبكة «سي إن بي سي»، في تقرير بثته شهر جانفي، تجربة عملية قامت خلالها أستاذة في جامعة فلوريدا، بالتحدث بصوت عالٍ حول إمكانية القيام برحلات «سفاري»، وبعد أقل من دقيقة، بدأت تطالع حسابها على «فيسبوك»، فوجدت أن أول مشاركة في خلاصات الأخبار والمنشورات على صفحتها تتحدث عن رحلات السفاري. وبعدها قام محلّلو موقع «بيزنس إنسايدر» بتجربة مماثلة، حيث تحدّث أحدهما للآخر عن أنه يخطّط لرحلة محتملة الخريف المقبل إلى مدينة بوينس آيرس، أو مدينة لشبونة الإسبانية، وبعد ساعات كانت إعلانات تظهر على صفحته تتحدث عن قضاء عطلة في مدينة لشبونة.

^ التّجارة الإلكترونية: في كل مرة تتسوّق فيها في موقع مثل «تارغت» أو «أمازون» أو «وول مارت»، تسجّل الشّركة ما اشتريته وكيف دفعت وأين اشتريت، وهي بيانات ذات قيمة هائلة في عمليات التسويق والبيع، وتحقيق العائدات وتبادل المنافع بين المنتجين ومواقع التجارة الإلكترونية وسلاسل البيع بالتجزئة، وهكذا يجري استغلال المستخدم عن طريق بياناته الشخصية.

^ تطبيق «فيس أب»: يطلب تطبيق «فيس أب» الجديد للشيخوخة، معلومات شخصية تعد أقل من مثيلتها في العديد من التطبيقات الأخرى، فهو يطلب الوصول إلى مكتبة الصور والكاميرا، إلا أنه لا يطلب بريدك الإلكتروني أو اسمك أو أي معلومات تعريفية أخرى، كما أنك لست مضطراً إلى التسجيل للحصول على حساب، لكن من شروطه منح ترخيص للشركة لاستخدام الصور التي تم تحميلها من قبل المستخدمين لأغراض تجارية. كما يمنح الشركة الإذن لتخزين الصور على خادمها حتى بعد قيام المستخدم بحذفها من التطبيق، وأنه يمكن للشركة نقل بيانات المستخدم إلى أي بلد تعمل فيه.

^ سياسات الخصوصية: وفقاً لما ورد في تقرير «بيزنس انسايدر»، فإنّ سياسة الخصوصية الواردة في شروط ترخيص استخدام تطبيقات المحمول السابقة وغيرها، تتضمن بعض الأفكار والشروط المشتركة، من بينها أنها تطلب من المستخدم أن يقر ويوافق على أن الشركة المنتجة للتطبيق تستطيع استخدامه في تحقيق إيرادات أو تزيد من قيمتها من خلال استخدامك للخدمات، مثل بيع الإعلانات والرعاية والعروض الترويجية وبيانات الاستخدام والهدايا، كما تتضمن شروط الترخيص أن يتنازل المستخدم عن جميع حقوق الخصوصية أو الدعاية أو أي حقوق أخرى ذات طبيعة مماثلة فيما يتعلق بمحتوى المستخدم الخاص به أو أي جزء منه، ومثل هذه النصوص والشروط تعني عملياً «تسليع» المستخدم عبر الاتجار في بياناته الخاصة.

^ تطبيق «تيك توك»: يحظى تطبيق «تيك توك» الصيني بشعبية كبيرة، خصوصاً مع الأطفال والمراهقين، إذ يتيح مشاركة الفيديو والصوت بين الأصدقاء، وهو تطبيق مجاني، لكنه يطلب الوصول إلى مكتبة الصور وقوائم الاتصالات والكاميرا، ويحقّق عائداته من بيع بيانات المستخدم الشخصية التي يمكنه الوصول إليها، أي يعتمد على خرق الخصوصية لتحقيق الدخل.

حدود الأمان والخصوصية أثناء استخدام هذه الوسائط

في النصف الأول من السنة الجارية (2021)، تعرّضت حسابات أكثر من 533 مليون مستخدم على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» للاختراق، وسربت البيانات الشخصية للمستخدمين، حسبما أفاد موقع «بيزنس إنسايدر»، حيث نشرت على منتدى لقراصنة الإنترنيت، أرقام هواتف وعناوين البريد الإلكتروني وأسماء وغيرها من البيانات الشخصية التي تعود لأكثر من 553 مليون من مستخدمي فيسبوك في مائة دولة، أي ما يعادل حوالي 20 بالمائة من جميع مستخدمي فيسبوك في جميع أنحاء العالم. بعد هذه الحادثة، تجدّدت الأسئلة المرتبطة بمدى أمان الحسابات الشخصية لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي (٠٤). 

تم توفير خدمة على  HYPERLINK «https://haveibeenpwned.com/» \t «_blank»منصة خدمة الأمان  Have I Been Pwned، يمكن للمستخدم التحقق ما إن كان حسابه مخترقاً أم لا وبشكل مجاني. يكفي إدخال عنوان البريد الإلكتروني أو رقم الهاتف ومعرفة ما إذا كانت البيانات قد تعرضت للسرقة. إذا كان الأمر كذلك، يجب على المستخدم تغيير كلمة  المرور الخاصة به على فيسبوك على وجه السرعة. في حالة سرقة بيانات المستخدم، فإن خطر وقوعه فيما يسمى بـ «التصيّد الاحتيالي» يزيد. لذلك قد يحدث أن يتلقى رسائل بريد إلكتروني أو رسائل نصية مشكوك فيها تطلب النقر فوق الرابط، على سبيل المثال. في ألمانيا استهدف حوالي 6 ملايين حساب على فيسبوك، وسرقت البيانات الشخصية للمستخدمين للموقع مثل عنوان البريد الإلكتروني وتاريخ الميلاد والجنس وجهة العمل والموقع الجغرافي والاسم الكامل ورقم الهاتف والحالة الاجتماعية.

يغدو واضحاً أن الانتقال السّريع إلى استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات، والتحولات التقنية المتعاظمة، لم يسمحا بمواكبة فاعلة لمخاطرها، سواء كان من قبل الحكومات وصناع السياسات، أو من قبل الأفراد. لقد أنتج العالم خلال السنوات الأخيرة، معدلات غير مسبوقة من البيانات، تتجاوز بضخامتها ما أنتج على امتداد كامل تاريخ البشرية، ما فرض تنبه المعنيين في القطاعين العام والخاص، إلى أهمية إدارتها بشكل فاعل، مع مراعاة الجوانب التقنية، والاقتصادية، 

 

والإدارية، والقانونية، التي تترتب على ذلك. فمع الانتقال إلى الرقمية، تحولت البيانات إلى قيمة لا تقدر بثمن، ومورد لاقتصاد المعرفة.

كثيرة هي النّظريات التي برّرت مجانية الاستخدام لمواقع التواصل الاجتماعي، والاستمرار في تطويرها بما يلبي طموحات المستخدمين، ويلبي رغباتهم في التواصل مع العالم، وتطوير شخصية المستخدمين بشتى أنواع المعرفة، حتى أصبحت مواقع التواصل وظيفة لعدد من محترفي هذه المواقع، وكل هذا تقدمه الشركة بالمجان، ما جعل من مقولة «إن لم تشتر السلعة فاعلم أنك السلعة» رديفة كل ذكر لمواقع التواصل. إلا أن هذه المجانية تستلزم على المستخدم أن يكون حذرا في تعامله مع هذه الوسائط من حيث حجم البيانات التي يضعها على منصات التواصل الاجتماعي، وطبيعة التطبيقات التي يستخدمها، والتحقق من شروط وسياسات الاستخدام قبل النقر عليها بالموافقة.