ثمّن أساتذة مختصون في القانون العام والعلوم السياسية بجامعة معسكر، قرار رئيس الجمهورية المتعلق بإنشاء هيئة التحري في مظاهر الثراء لدى الموظفين العموميين، انطلاقا من أنّ القرار يندرج في إطار تكريس الإصلاحات التي جاء بها دستور الفاتح نوفمبر، ويشكل حجر أساس بناء الجزائر الجديدة.
أكد أستاذ القانون العام بجامعة معسكر، الدكتور بوداعة حاج مختار، أنّ إنشاء هيئة للتحري في مظاهر الفساد، من شأنه الوقاية من جرائم الفساد ومكافحتها بشكل فعال، استكمالا لمسار التغيير، المبني على قاعدة أخلقة الحياة العامة من خلال محاربة الثراء غير المشروع أو ما يعرف بجريمة التربح غير المشروع، وهذا عبر المراقبة الصارمة لعملية التصريح بالممتلكات التي يقوم بها الموظفون العموميون.
تكريس للشرعية الدستورية
أوضح الدكتور بوداعة حاج مختار، أنّ هذه الهيئة جاءت تكريسا لمضامين دستور الفاتح نوفمبر التي اكتمل محورها المرتبط بأخلقة الحياة العامة، بعد شوط من الإصلاحات العميقة التي شملت قانون الانتخابات، بما فيها شروط الترشح المرتبطة بنأي المترشحين عن المال الفاسد والأوساط المشبوهة، فضلا عن إنشاء مفتشية مختصة في مراقبة شفافية الجماعات المحلية، ما اعتبره، محدثنا، استكمالا لمسار مؤسسات الرقابة وتنفيذ التزامات الرئيس.
ويعتقد الدكتور بوداعة حاج مختار، أستاذ القانون العام، أنّ الجزائر الجديدة، تشهد تطورا كبيرا في المسار القانوني من أجل مكافحة فعالة للفساد، وذلك ما تعكسه التوجيهات الواضحة فيما يخص تعزيز الآليات الوقائية لمكافحة الفساد، التي تمر حتما عبر عدة إجراءات أهمها إعادة النظر في مسألة الطلبات العمومية، من خلال تفعيل آلية الأرضية الرقمية التي من شأنها إضفاء الشفافية على الصفقات والطلبات العمومية.
استباقية في مكافحة الفساد
ومن جانبها، لفتت الدكتورة بلخوان ، أستاذة القانون بجامعة عين تيموشنت، ،إلى المحاور الأساسية التي حرصت الدولة على تفعيلها في شكل قرارات جادة وجريئة فيما يخص مكافحة الفساد لمواكبة أحكام الدستور الجديد، مشيرة إلى أنّ مكافحة الفساد وأخلقة الحياة العامة تستوجب مراجعة الأحكام القانونية لمكافحة الفساد بشكل فعال يتماشى مع كل هذه الجهود والإصلاحات، فضلا عن وجوب توسيع قائمة المعنيين بالتصريح بالممتلكات.
وأكدت الدكتورة بلخوان غزلان، أنّ السياسة الجنائية تتوجه نحو الوقاية الاستباقية من الفساد، لما للوقاية من دور فعال في مكافحة الظاهرة على كافة الأصعدة، من خلال خطة استشرافية تبدأ من إرساء هذه السلطات الرقابية الدستورية وتنتهي عند تعديل القوانين أو إلغائها وتغييرها، مشيرة أن الجزائر تواكب اليوم الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد وهو مؤشر على نضج الإرادة السياسية، في وقت أصبح موضوع مكافحة الفساد في صلب اهتمامات المجتمع والدولة.
واعتبرت الدكتورة بلخوان غزلان، أنّ إنشاء هيئة للتحري حول مصادر الثراء لدى الموظفين العموميين، وسيلة عملية لمكافحة الفساد وأداة مكملة للآليات القانونية التي ستتبع تدريجيا مساعي الوقاية من الفساد ومكافحته، لافتة،أنها تعتقد أن عمل الهيئة سيكون في التحقيق حول شرعية مصادر الثراء، وإعداد تقارير، على أن تكون لها علاقة بالجهات الأمنية والقضائية المختصة التي تخطر بهذه التقارير التي تبنى على مظاهر الثراء المفاجئ ومستوى المعيشة المرتفع الذي لا يتناسب مع دخل الموظف العمومي.
ودعت إلى توسيع قائمة المعنيين بالتصريح بالممتلكات اقتداء بتجارب دول عديدة تماشت مع الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد، الأمر الذي تعتبره الدكتورة بلخوان غزلان أمرا يساعد على استرجاع ثقة المواطن بمؤسسات الدولة.
مسار دولة القانون
ويرى الدكتور سيد علي بن عومر، أستاذ القانون العام بجامعة معسكر، أنّ إنشاء هيئة التحري في مظاهر الثراء لدى الموظفين والأعوان العموميين لاسيما المكلفين بتسيير المال العام، هو استكمال لمسار بناء دولة القانون ضمن متطلبات أخلقة الحياة العامة في الجزائر، كركن أساسي في الجزائر الجديدة، ومن ناحية أخرى، مكافحة الفساد بكل أنواعه على كافة المستويات كركن أخر، وتطبيقا لوعود والتزامات الرئيس التي عمل على تكريسها واحدا تلو الآخر.
وأشار الدكتور بن عومر، أنّ الهيئة المختصة بالرقابة على مصادر الثراء غير المشروع، جاءت لتكون جزءا من السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، التي عزز دستور 2020 دورها الرقابي في التحقيق وتحريك الدعاوى العمومية، وينتظر أن تكون هذه الهيئة جزءا من منظومة متكاملة ليس فقط من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته بل آليات عملية تتركب لتعطي مؤسسة لمحاربة الفساد بين الجانب التشريعي والجانب الوظيفي والواقعي.
وتختص هذه الهيئة فقط بالرقابة على الموظفين العموميين ويتمثل دورها في «من أين لك هذا ؟»، خاصة الموظف العمومي المكلف بتسيير المال العام، ذلك حسب الدكتور سيد علي- أنّ التربح من الوظيفة العمومية كان ولا يزال مصدرا غير شرعي ومؤثرا على استقرار معاملات المواطنين، وبالتالي سلبهم الثقة في الإدارة العمومية، وقد يتجاوز ذلك إلى نفور المستثمرين إذا كان الموظف يحاول أن يتربح من هذه الوظيفة بالحصول على مزايا غير مبررة.
ويعوّل على تسريع وتيرة الإصلاح المؤسساتي، في إعادة التوازن والحفاظ على أداء الإدارة والمؤسسات العمومية، في إطار حوكمة ممنهجة مبنية على أساس الدستور وتطلعات التوزيع العادل للثروة بين المواطنين واسترجاع ثقتهم في الإدارة وموظفيها- كمكلفين بتحقيق المصالح العامة.