تطرق الخبير الاقتصادي إسحاق خرشي، في حديث لـ “الشعب”، إلى مشكل الندرة المتكررة في المواد الغذائية والمتبوعة بارتفاع في أسعار السلع والمنتوجات الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، على غرار الحليب والزيت والسكر، التي تشهد أزمات دورية وارتفاعا غير مبرر في الأسعار والسبب الأول في ذلك هم التجار، بحسب تصريحه.
يمكن تحديد بعض الأسباب الأخرى لندرة بعض المنتجات ذات الاستهلاك الواسع وفي نفس الوقت ارتفاع أسعارها، في أن المتعاملين الاقتصاديين لا يتعاملون بالفوترة وبالتالي لا نعرف ما بيع ولمن بيع. كما أن الشيء الذي أبقى على هذا المشكل قائما وجعل المواطن دائما يدور في حلقة مفرغة، هو غياب الرقمنة، حيث ليس هناك رقمنة لنشاطات كبار تجار الجملة وصغار تجار الجملة. وبالتالي فإن الدولة ليس لديها الآليات الرقمية، التي تمكنها من تتبع مسار السلع من المنبع إلى المصب، أي من الفلاح أو المنتج إلى المستهلك بشكل نهائي يوضح من باع ولمن باع بالفاتورة، كما ذكر المتحدث.
ويشكل أيضا نقص أو غياب الرقابة قبل المواسم، حيث أننا في كل موسم أو أعياد دينية أو موسم دراسي، نشهد ارتفاعا في الأسعار وندرة في بعض السلع ومن بين هذه الأسباب، غياب الرقابة القبلية قبل مواسم الأعياد والمناسبات، بحسبه.
السوق الموازي
وتعد الأسباب المذكورة ظاهرية، وقد تكون هناك أسباب خفية، من بينها السوق الموازي، الذي ينتج بكميات أكبر من السوق الرسمي، وعندما تقرر الجهات التي تتحكم في السوق الموازي أن تخفض الإنتاج أو توقفه يكون العرض قليلا، هذا هو المشكل الأساسي، بحسب رأي الخبير الاقتصادي إسحاق خرشي.
وأفاد في السياق، “حجم السوق الموازي كبير في الجزائر، حسب ما نرى ونسمع، هناك عدد كبير من المصانع والورشات التي تشتغل بشكل غير رسمي، مع عدم وجود فاتورة وبالتالي أي شخص يمكنه بيع ما يريد لمن يريد”.
كما أن الجهات التي تتحكم في السوق الموازي عندما تريد ممارسة ضغط على أي جهة، تخفض من المعروض السلعي أو توقف الإنتاج، مما يحدث نقصا في المعروض السلعي وتصبح السلع قليلة في السوق وبالتالي يرتفع سعرها. والتفسير الوحيد لهذه الحلقة المفرغة، التي يدفع ثمنها المواطن، هو أن البارونات المتحكمة في الكميات المعروضة وفي الأسعار هو السوق الموازي وليس السوق الرسمي.
وبالنسبة للحلول الممكنة لتجاوز هذا الوضع، يعتبر محدثنا أن الحلول يجب أن تكون تدريجية، بحيث نستخدم الفاتورة بالتدرج، لأننا إذا استخدمنا الفاتورة وفرضناها بشكل كلي، العديد من التجار سيرفضون ونبقى رهن أزمة الندرة، لذلك يجب أن نفرض الفاتورة بالتدرج، ثم نمر إلى رقمنة نشاطات كبار تجار الجملة وصغار تجار الجملة، ثم معالجة السبب الرئيسي لهذه الندرة وهو السوق الموازي.
وأضاف، “لابد على الدولة أن تنتقل تدريجيا، لأننا إذا قضينا على السوق الموازي بشكل سريع ومباشر، قد ينجم عن ذلك أزمة كبيرة في المعروض السلعي، لأن السوق الموازي ينتج بكميات كبيرة”.
«كما أننا إذا أردنا محاربة هذه الأزمات المتكررة، لابد على الوزارة المعنية إيجاد الآلية التي تنقل من خلالها هذا السوق الموازي وتدخله في الأطر الرسمية، لتجعله خاضعا للقوانين وملزما بدفع الضرائب، وفي نفس الوقت يمكن أن يشتغل بشكل رسمي عادي”.
وبهذا الصدد يقول الدكتور خرشي، “هذا هو التفسير الوحيد الذي أجده مقبولا في أسباب اختفاء السلع في بعض الأزمات. ثم أظن أن هناك سببا آخر قد يكون بسيطا، لكنه يحدث مشكلا في نفس الوقت، وهو سلوك بعض التجار الدائمين الذين يشتغلون في السوق الموازي، حيث يلجأون إلى استخدام أساليب ضغط معينة، من أجل مضاعفة أرباحهم حتى بالطرق غير المشروعة، على غرار تهريب السلع وضرب الاقتصاد الوطني، لذلك -كما قلت- الرقابة يجب أن تؤدي دورا كبيرا جدا”.
وبالإضافة إلى المنتجات ذات الاستهلاك الواسع، يقول محدثنا، هناك منتجات أخرى، مثل المنتجات الصناعية والتي عرفت مؤخرا ارتفاعا جنونيا، مثل أسعار السيارات وأسعار قطع الغيار وأسعار الأجهزة الكهرومنزلية والسبب في ذلك هو نقص المعروض السلعي. كما أن دفاتر الشروط الخاصة بهذه المنتجات، مثل دفتر الشروط الخاص بالصناعات الكهرومنزلية، لم يعلن عنه من طرف وزارة الصناعة، لذلك هناك نوع من التوقف والجمود من طرف المؤسسات الصناعية والكميات المنتجة محليا قليلة جدا في نفس الوقت.
الأمر كذلك في ملف السيارات، أسعارها مرتفعة وخيالية ولا يتم استيرادها ولا تصنيعها في نفس الوقت في السوق الوطنية. وبالتالي لما نتحدث عن المنتجات بشكل عام، الأمر يتطلب المزيد من الإنتاج وهذا يستوجب تحديد القطاعات، لأن بعض القطاعات فيها تشبع والإنتاج فيها كبير وبعض القطاعات إنتاجها قليل وأخرى إنتاجيتها منعدمة، مثل قطاع السيارات.
ومن أجل معالجة هذا المشكل، نحن بحاجة لإجراء دراسات من خلال هيئة اقتصادية استشارية لدى الحكومة هي من تقوم بهذه الدراسات، وهو المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، الذي من المفترض أن يقوم بهذه الدراسات ويضع النقاط على الحروف.
حلول جذرية
في شق متصل، لازال المواطن هو المتضرر الأكبر والحلقة الأضعف في سلسلة الندرة وارتفاع الأسعار، حيث تنهار القدرة الشرائية يوما بعد يوم، بين ندرة في بعض السلع الأساسية كالزيت والحليب المفقودين بنسبة كبيرة، حيث لا تكاد تخلو المحلات من طوابير الحليب والزيت في مشهد متكرر، ناهيك عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتي تعتبر أساسية كالبقوليات والعجائن التي زاد سعرها بشكل مضاعف، بحسب ما أجمعت عليه آراء المواطنين الذين تحدثت إليهم “الشعب”، حيث أعرب أغلبهم عن تذمرهم من الوضع، بل ذهب آخرون إلى وصفه بالخطير، إذا لم تكن هناك حلول جذرية في الأفق القريب.
وأشار بعض المواطنين، إلى أن هناك لوبيات تحاول استغلال الوضع الاقتصادي لتحقيق مآرب أخرى تضرب استقرار الوطن.
بينما أرجع تجار الجملة من ناحية أخرى، ندرة الزيت إلى محاولة بعض تجار الجملة خلق أزمة بإجبارهم على أخذ سلع كاسدة مع الزيت وهذا ما رفضوه، لأنه سيثقل كاهلهم وكاهل المواطن بسلع ليست ضرورية، مثل العصائر وأكياس السكر بحجم 10 كغ.
وبين هذا وذاك، يبقى المواطن رهن وضع لا يحسد عليه، بين ارتفاع أسعار المواد الضرورية وندرتها وأجور لم تشهد أي زيادات تحمي القدرة الشرائية، ينتظر حلولا من الوزارة الوصية والجهات المسؤولة على أن تكون جذرية وعاجلة.