خاتمتها لم تكن مسكا في ليبيا، فالأمل بإجراء الانتخابات وإعادة بناء مؤسسات الدولة المنهارة منذ 2011، تبخّر في الماء، وعاد الليبيّون من جديد، يترقّبون تحديد موعد آخر للاستحقاقات في ظلّ انقسامات وخلافات ازدادت حدّتها في الفترة الأخيرة، وساهمت في ترحيل الأزمة إلى العام الجديد بعدما كانت كلّ المؤشّرات تعكس قرب خروج ليبيا من عنق الزّجاجة، وتتويج مسارها السياسي باختيار سلطة جديدة تعمل على إعادة الوحدة الوطنية التي هزّها زلزال التشرذم والعداء، ووضع قطار التغيير الليبي على سكّته الصحيحة.
بدايات السنة المنصرمة لم تكن مثل نهاياتها بالنسبة إلى ليبيا، فالأشهر الأولى من سنة 2021 شهدت هذه الدولة الغارقة في أزمة متعدّدة الأبعاد، الحدث الأهم بعد اتفاق الفرقاء الليبيين على وقف إطلاق النار، ثم جاء التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة ومجلس رئاسي يديران مع مجلس النواب القائم والمجلس الأعلى للدولة، شؤون البلاد.
وفي الخامس من فيفري الماضي، انتخب المشاركون في الحوار الليبي خلال اجتماعات عقدت بجنيف السويسرية تحت رعاية الأمم المتحدة، عبد الحميد الدبيبة رئيساً للحكومة الانتقالية، إلى جانب مجلس رئاسي مكون من ثلاثة أعضاء، وفي 10 مارس حصلت الحكومة الجديدة على ثقة البرلمان وشرعت في أداء مهمتها.
وبالموازاة، حققت اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، التي تأسست في نهاية العام 2020، العديد من الإنجازات، من أهمها تثبيت وقف إطلاق النار، وإعداد وإقرار خطة عمل لإخراج جميع المرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية بشكل تدريجي ومتوازن ومتزامن.
كما أعلنت هذه اللجنة في الثلاثين من شهر جوان، إعادة فتح الطريق الساحلي الرابط بين شرق البلاد وغربها، وشكّلت هذه الخطوة تقدّما كبيرا في عملية رأب الصّدع الذي ضرب الوحدة الترابية الليبية، كما بدأ التحضير لأهمّ حدث ينتظره الليبيون وهو إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في نهاية السنة، وتمّ تشكيل مفوضية للانتخابات، وبدأ تسجيل المصوتين، وتقديم بطاقات الناخب دون حدوث أي مشكل يذكر، لكن الخلل برز مع الإخفاق في إقرار قاعدة دستورية تنظّم العملية الانتخابية، ثم اعتماد البرلمان الليبي لقانون انتخابي رفضه المجلس الأعلى للدولة لأنّه مفصّل على مقاس أحد المرشّحين، ليشتدّ الخلاف والجدل بعد إعلان قائمة المتنافسين لمنصب الرئاسة، والتي شملت أسماء مرفوضة شعبيا لدورها في الأزمة الدموية التي عرفتها البلاد لعقد كامل من الزمن، وانتهى الأمر إلى الفشل والتعثر في تنظيم الاستحقاقات بموعدها.
التفاؤل الذي استهل به الليبيون سنتهم الماضية تحوّل إلى خيبة أمل كبيرة، وإلى مخاوف من العودة إلى مربّع الفوضى والاقتتال، لكن رغم صعوبة الوضع، فمن الضروري عدم الوقوع في فخّ الإحباط وشرك اليأس، وتحدي كل العراقيل لاستكمال المسار الانتقالي، وتحديد موعد جديد للانتخابات التي تعتبر طريق الانفراج الوحيد، والأمل كبير في أن يجلب العام الجديد معه السّلام، ويعزّز التّوافق والمصالحة الوطنية لليبيا.