طباعة هذه الصفحة

عين على الهيئة الوطنية للمراقبة التّـقنية للبناء

كيف تضمــن “CTC”جـودة البنايـات في الجزائـر؟

محمد فرڤاني

 تفرض الرّقابة التّقنية للبناء نفسها كنتيجة حتمية لتطوّر البناء والعمران، وكأداة تسمح بحماية المباني وملاّكها، خاصة أنّ التّجارب التي مرّت بها عديد الدّول أبرزت سياسة التّنصّل من المسؤولية الملقاة على عاتق المتدخّلين في عملية إنجاز المباني السّكنية والتّجهيزات العمومية. بالجزائر تبرز أهمية هيئة المراقبة التّقنية للبناء، في عدّة اعتبارات، أهمّها محاولة الحفاظ على العمران، لما له من وزن في الاقتصاد الوطني، ناهيك عن الوزن الاجتماعي من خلال المحافظة على سلامة المواطن والجانب الفني للبنايات.
أنشئت الهيئة الوطنية للمراقبة التقنية للبناء بالجزائر بموجب الأمر رقم 71/85، المؤرخ في 29 ديسـمبر من سنة 1971، إذ تضم هذه الهيئة 64 وكالة تتواجد بـ 58 ولاية عبر الوطن، تعمل على مراقبة المشاريع العمومية والخاصة، ومن أجل أداء أفضل لهذه المهمّة تعتمد الوكالة على أزيد من 800 مهندس مختص في الهندسة المدنية يسهرون على عملية مراقبة إنجاز السّكنات ومختلف التّجهيزات العمومية.
ينقسم عمل الهيئة إلى شقّين، الشق الأول فيتعلّق بمراقبة الملف التّقني، بينما يتمثّل الشق الثاني في مراقبة الأشغال، ومن خلال هذه العملية يقوم المهندس بإعطاء آراء حول نوعية الأشغال وجودة المواد المستعملة، وفي نهاية الأشغال يقوم بإعداد تقرير حول المشروع يُرفع للجهات الوصية ولصاحب المشروع، بغض النّظر عن كونه هيئة عمومية أو خاصّة.
مجلّة “الشعب الاقتصادي” حلّت ضيفاً على المسؤول الأول عن جودة المباني السّكنية وسلامتها بالجزائر، وبأعلى درجات الإلمام بدور الهيئة والوعي بالمسؤولية الملقاة على عاتقها، أسهب المدير العام، أوقاسي بومدين، في شرح مختلف الأنشطة ومجالات تدخل الهيئة وآفاقها المستقبلية، فأوضح في البداية أنّ المهمّة الأساسية للهيئة كما جاء في مرسوم إنشائها هو مراقبة أشغال إنجاز السّكنات للحصول على أمن المباني والتّجهيزات العمومية، لذا فأوّل فكرة تسجّل عن هذه الهيئة هي كون عملها يقتصر أساساً على مراقبة المباني والتّجهيزات العمومية.
وقبل الخوض في تفاصيل عمل الهيئة، أكّد أوقاسي أنّه ينبغي الافتخار بكون الجزائر من البلدان القلائل التي تملك قانوناً خاصاً يتعلّق بالبناء المضاد للزلازل، والذي يحدّد المعايير التي يقوم عليها إنجاز مبنى مضاد للهزّات الأرضية.
وفي هذا السياق، أشار المسؤول الأول عن الهيئة الوطنية للمراقبة التقنية للبناء، إلى أنّ مهندسي الهيئة وبفضل الممارسة الميدانية لمهامهم، تمكّنوا من اكتساب خبرة واسعة فيما يخص المباني المضادة للزلازل.
وأضاف أوقاسي، أنّ للهيئة دور هام في مراجعة التّصاميم، إذ لا يمكن البدء في مشروع، خاصة إذا ما تعلّق بالصّفقات العمومية، دون الرّجوع إلى الهيئة من أجل المصادقة على التّصاميم الهندسية.
وكشف المدير العام أنّ دور الهيئة ينطلق من لحظة اختيار أرضية المشروع، فهي تتدخّل أولاً في مرحلة التّخطيط، من خلال القيام بمهمّتين، الأولى تتعلّق بالدّراسة الجيوتقنية، حيث تقوم مصالح الهيئة رفقة مكتب الدّراسات، بإعداد التّقارير الخاصة بالتّربة التي سيقام عليها المشروع، أمّا المهمّة الثّانية فتتعلّق بمراقبة مدى تطبيق التّوصيات الخاصّة بإنجاز المشروع.
كما أوضح أوقاسي أنّ الهيئة تتدخّل في مرحلة تنفيذ الأشغال، حيث تراقب مختلف المشاريع للتأكد من ثبات بنائها، وصلاحية كل ما يمكن أن يؤثّر في البناء، وكذا المساهمة في الوقاية من النّقائص التّقنية التي قد تحدث أثناء الإنجاز، فتسمح هذه الرّقابة بالوقوف عن قرب من تنفيذ الأشغال قصد السّهر على احترام المخطّطات المعتمدة وكيفيات تنفيذها، كما تقوم أيضا بمراقبة الأرضية التي ستقام عليها المباني أو المنشآت الثابتة الأخرى، بعد الحفر وصب الخرسانة من خلال مراقبة سمك وعمق الحفر ونوعية المواد المستخدمة.
كما كشف أوقاسي أنّ الهيئة لا تعنى بإعداد القوانين المتعلّقة بالبناء أو إضفاء التّغييرات عليها قصد تحيينها، لكن القائمين على هذه المهمّة من سلطات عليا، يأخذون بعين الاعتبار ما ترفعه الهيئة للجنة التّقنية الدّائمة بوزارة السّكن، من تقارير وملاحظات تتعلق بالبناء والتّغيّرات الطّبيعية التي تتميّز بها كل منطقة في الجزائر.
وأضاف المدير العام للهيئة الوطنية للمراقبة التقنية للبناء، أنّ مصالحه تقترح إعادة النّظر في بعض القوانين، مع مراعاة الجانب الأساسي المتعلق بأمن وسلامة المواطن في هذه البنايات دون إغفال الجانب الاقتصادي في عملية الإنجاز.
مواجهة التّوسّع
 أوضح أوقاسي أنّ العدد الهائل للبنايات لدى الخواص والسّكنات العمومية يُصعّب على مصالحه عملية معاينة كل هذه المنشآت، فيما تقع مشاريع إنجاز المنازل الخاصة خارج نطاق مراقبة الهيئة، لذا تقترح هذه الأخيرة تمكين جمعيات المهندسين ومكاتب الدراسات من أجل القيام بمراقبة هذه البنايات.
وأضاف أنّ الهيئة الوطنية للمراقبة التّقنية للبناء على استعداد لمرافقة المهندسين ومكاتب الدّراسات لتزويدهم بالنّمط العملي في مرحلة الدّراسات، ومراقبة ورشات البناء وفق الطّريقة المعتمدة حالياً.
وذكر المسؤول الأول عن جودة المباني العمومية بالجزائر، بقانون رخص البناء الذي يفرض توفّر ملف تقني يتم إعداده من طرف مهندس معماري لإنجاز السّكن الخاص، وهنا قال أوقاسي “من الممكن إضافة شرط المراقبة والمرافقة من طرف ذات المهندس المعماري، الذي أعدّ ملف إنجاز السكن الخاص، على أن يُختتم بتقرير مفصّل حول طريقة الإنجاز ومدى تطبيق توصيات المهندسين قبل نيل شهادة المطابقة من طرف الجهات الوصية”.
وضرب محدّثنا مثالا بالمباني التي انهارت في ولاية ميلة عقب الزلزال الأخير، مشيرا إلى أنّها شيّدت بطريقة عشوائية لا يمكن ممارسة أي رقابة حولها، لذا وجب استخلاص العبر والدّروس من هذه الحادثة التي أكّدت ضرورة احترام قوانين البناء، والتّسليم بنتائج الدّراسات التي أجريت على الأرضية المراد إنجاز بناية عليها، فسلامة المواطن قبل كل شيء.
العيّنة المنتظمة
 أكّد المدير العام للهيئة الوطنية للرقابة التقنية للبناء (CTC)، أوقاسي بومدين، أنّ الطابع العمراني لا يشكّل محور اهتمام الهيئة في عملها، وإنما يرتكز اهتمامها حول جودة البناء ومراعاة معايير السّلامة.
وذكّر أوقاسي بالقرار الصّادر من طرف وزارة السّكن والعمران والمدينة سنة 2019، وهو القرار الذي أتاح للهيئة توسيع مجال تدخّلها، ليشمل الأشغال الثانوية داخل السكن مثل التّرصيص، الرّبط بشبكة الكهرباء، البلاط، والدهن..إلخ، بعد أن كان يقتصر على الهيكل والخرسانة وكل ما يتعلق بأساسات البناء الثّابت في الماضي.
وأضاف المدير العام للهيئة، أنّ توسيع صلاحياتها مكنّها من معاينة أكثر من 500 ألف سكن عن طريق العينة المنتظمة، موضّحاً أنّ مصالحه سجّلت عدّة أخطاء واختلالات في جودة السّكن خلال الفترة الأولى، لكن ومع مرور الوقت تمكّنت “CTC” من تقديم قيمة مضافة لجودة السّكن ونوعية الأشغال، وهو ما انعكس إيجابا على نوعيته وجودته.
وأكّد ذات المتدخّل أنّ مصالحه توصي مهندسيها بشكل دائم بمعاينة كل السّكنات والتّجهيزات، بشكل دقيق من الدّاخل والخارج قبل استلامها بشكل نهائي.
لا تسامح مع مؤسّسات الإنجاز
 أكّد المدير العام للهيئة الوطنية للرقابة التقنية للبناء، أنّ الهيئة لطالما سجّلت خلال معاينتها للمشاريع السّكنية العديد من الاختلالات في نوعية الخرسانة المسلّحة، وجودة بعض مواد البناء، بعد أخذ عيّنات منها للمخابر التابعة لها.
وأضاف أوقاسي أنّ الهيئة في هذه الحالة تقوم برفع تقرير لصاحب المشروع يحمل تحفّظات يتوجّب رفعها من قبل مؤسّسة الإنجاز، حتى ولو تعلّق الأمر بهدم الأعمدة أو الأساسات وإعادة بنائها. وأكّد ذات المسؤول، أنّ مهندسي الهيئة يتأكّدون من رفع التّحفّظات المدوّنة من قبلهم في كل ورشة بناء، قبل المصادقة على أي وثيقة تثبت سلامة البناية، كما أنّ الهيئة لا تتسامح مع مثل هذه الحالات مهما كان حجم شركات الإنجاز وسمعتها.
كما أوضح المدير العام أنّ الخرسانة تُصّنع بمواد جزائرية 100 بالمئة، وأنّ الهيئة تفرض على مؤسّسة الإنجاز تقديم شهادات عن نوعية مواد البناء كالآجُر أو تلك التي تدخل في تكوين الخرسانة المسلّحة، كالحصى والرمل..إلخ، قبل الشّروع في عملية المراقبة ميدانيا.
مخابر الهيئة مرجع
  كشف المدير العام للهيئة الوطنية للرقابة التقنية للبناء “CTC”، عن امتلاك مصالحه لمخابر خاصة بها تعمل على التّأكّد من جودة وسلامة مواد البناء المستعملة في إنجاز المشاريع السّكنية، وأشار محدّثنا إلى أنّ هذا لا ينفي تقديم مؤسّسات الإنجاز لشهادات ووثائق تثبت جودة المواد المستعملة، لكن الهيئة تحتفظ بحق التّحقّق من صلاحية الشّهادات ونوعية المواد، وأضاف أنّ مصالحه بصدد إنشاء مخابر جديدة لمعاينة المواد التي تستعمل في إنجاز البنايات في كل ولايات الوطن، مشيراً إلى أنّ وكالات الهيئة التي لا تملك مخابر معاينة مواد البناء مطالبة بتوفيرها قبل نهاية سنة 2022.
وأوضح ذات المدير العام، أنّ التّنسيق بين الهيئة وصاحب المشروع يبدأ قبل انطلاق إنجاز السّكن، من خلال تقديم ملف حول الأرضية المختارة للمصادقة عليه من طرف الهيئة، وختمه بما يعرف بـ “تأشيرة المراقبة”، كما أنّ الهيئة التي تكون تدخّلاتها فجائية، تقوم برفع التّقارير وإخطار مكاتب الدّراسات المُتابعة للمشاريع المعنية بالتّحفّظات المسجّلة من طرفها، ومكتب الدّراسات في هذه الحالة معني بمتابعة ورفع التّحفّظات التي بلغت مصالحه.
الطّاقات المتجدّدة
من جانب آخر، كشف المدير العام للهيئة الوطنية للمراقبة التّقنية للبناء، عن إنشاء فوج خاص على مستوى الهيئة للعمل مع وزارة الانتقال الطّاقوي والطّاقات المتجدّدة، وتحديد نمط عمل الهيئة من الجوانب التّقنية المتعلّقة بمراعاة استراتيجية السّكن الجديد، مع احترام توجّهات الحكومة في مجال النّجاعة الطّاقوية، خاصة ما تعلّق بالعزل الحراري وترشيد استهلاك الطّاقة.
وأضاف أوقاسي أنّ البنايات المستقطبة للجمهور تخضع لمراقبة أكثر دقّة وصرامة، كما أنّ الهيئة لا تتسامح مع أي مؤسسة إنجاز عندما يتعلّق الأمر بسلامة وأمن المواطن، إلاّ أنّ هذا النّوع من البنايات يُنظر إليه من ناحية تقنية محضة بغض النظر عن الطّابع الذي أنشئ من أجله سواء كان دينيا أو ثقافيا..، فالمساجد مثلا حسب محدّثنا تخضع لمراقبة دورية من طرف الهيئة أثناء إنجازها، بحضور ممثّل لجنة المسجد إلى جانب ممثل عن مديرية الشّؤون الدينية والأوقاف، من أجل إعطاء التّقارير التي ترفع من قبل الهيئة صبغة رسمية.
عين على البنايات العتيقة
 أنشأت الهيئة الوطنية للرّقابة التّقنية للبناء منذ خمس سنوات مديرية خاصة بالبنايات القديمة من أجل معاينتها وتشخيص وضعيتها، ومن بين أهم المهام المنوطة بها هو التّدخّل على مستوى المباني القديمة الآيلة للانهيار، وأشار أوقاسي إلى تجربة قامت الهيئة بخوضها على مستوى بعض المدن الكبيرة على غرار وهران، العاصمة وقسنطينة..إلخ، أين تقوم المديرية الخاصة بالمباني القديمة بمعاينة البنايات العتيقة والهشّة، ورفع تقارير للسّلطات الولائية، هذه الأخيرة تتكفّل بترميمها أو هدمها حسب تقديرها.
وأشار المدير العام للهيئة الوطنية للرّقابة التقنية للبناء، إلى أنّ مهام الهيئة تقتصر على تشخيص وضعية المباني، والمطالبة بإخلائها في حال ما شكّلت خطرا على قاطنيها، أمّا قرار هدم البناية أو ترميمها فيرجع للهيئات المحلية المختصّة بعد التّشاور مع كل الشّركاء، فبعض المباني العتيقة يرجع تاريخها إلى عصور قديمة وتصنّف ضمن خانة التّراث الوطني.
نظام رقمنة شامل
 قال المدير العام للهيئة الوطنية للرقابة التقنية للبناء، إنّه تمّ إسداء تعليمات لمديري وكالات الهيئة عبر ولايات الوطن من أجل الانخراط في المنصّة الرّقمية الخاصة بـ “CTC”، فمع بداية سنة 2022 ستكون مراقبة كل الملفات عبر منصّة رقمية خاصة بالهيئة الوطنية للرّقابة التّقنية للبناء، أي أنّ مكاتب الدّراسات وأصحاب المشاريع سيتخلّون عن الملف الورقي في مرحلة الدّراسة، بالإضافة إلى تمكين المهندس التابع للهيئة من مراقبة المشاريع المنجزة عبر هذه الأرضية الرّقمية.
ودعا أوقاسي المهندسين المدنيّين وأصحاب مكاتب الدّراسات إلى الانخراط في المسعى الرّقمي للهيئة، من أجل متابعة أكثر دقّة ومواكبة للتّطورات التّكنولوجية في عصر الاتّصال الرّقمي.
وأشار المسؤول الأول عن الوكالة، إلى أنّ مصالحه تجري التّرتيبات الأخيرة من أجل جاهزية كل الوكالات على المستوى الوطني لاستقبال الملفات عبر المنصّة الرّقمية، كما ذكر أنّ رقمنة القطاع مشروع يعود لسنة 2008، وقد تمكّنت الهيئة اليوم من رقمنة تعاملاتها الإدارية بنسبة 100 بالمائة، وكل الأدوات المستعملة في عمل الهيئة على المستوى المركزي وبعض الوكالات مدمجة في المنصّة الرّقمية الخاصة بها.
وأوضح محدّثنا أنّ الجديد المرتقب في مجال الرّقمنة على مستوى الهيئة خلال سنة 2022 هو تعميم التّعامل عبر المنصّة الرّقمية من قبل مكاتب الدّراسات وحتى أصحاب المشاريع.
صادر عن مجلّة “الشعب الاقتصادي”