طباعة هذه الصفحة

يوسـف بلايلـي:

جوهرة الكـرة الجزائريـــة

إعداد: نبيلة بوقرين

 جوهرة سطع نورها من عاصمة الغرب الجزائري «وهران» لتتألّق وتكون أحد أبرز أسماء السّاحرة المستديرة في الوقت الحالي أينما حلّت، لا لشيء إلا لأنّها خلقت لكي تكون قطعة مميزة في الساحة الكروية. محمد يوسف بلايلي من مواليد 14 مارس 1992، بدأ مداعبة الكرة منذ نعومة أظافره، الأمر الذي لفت انتباه والده الذي رافقه فيما بعد في رسم خطواته نحو النجاح داخل وخارج الوطن إلى غاية اليوم حيث كان السند الأول له، وبالرغم من العراقيل التي واجهت بلايلي إلا أنه تجاوزها بكل عزيمة وإدارة ليؤكّد أنّه ظاهرة كروية غير عادية.


 انطلاقته في عالم كرة القدم بشكل رسمي كانت من بوابة نادي رائد غرب وهران رفقة أقرب أصدقائه بغداد بونجاح الذي شق طريقه معه، حيث تعلم في هذا الفريق أولى التقنيات الكروية بطريقة أكاديمية التي طوّرت موهبته التي يحملها في مداعبة المستديرة، وبالنظر لمهاراته الخارقة التي يتمتع بها أثارت انتباه المدربين والفنيين في الجزائر، وجعلته محل اهتمام مسيّرين نادي برج بوعريريج، حيث أمضى معهم على أول عقد رسمي له، وكان ذلك في سنة 2009 إلى غاية 2010 حيث قضى موسما واحدا مع الفريق البرايجي سمحت له باكتساب خبرة أكبر من خلال الاحتكاك مع اللاعبين.
لم يطل غياب يوسف بلايلي عن مسقط رأسه، حيث عاد سنة 2010 من بوّابة فريق مولودية وهران، الذي تعاقد معه غاية 2012، صال وجال من خلالها هذا اللاعب في مختلف الميادين الجزائرية، قبل أن يقرر والده السفر به إلى تونس بسبب عدم اتفاقه مع مسؤولي الحمراوة في الجانب المالي، حيث وقّع على عقد مع فريق الترجي التونسي من دون الاستفادة من تسريح النادي الجزائري، الأمر الذي جعل هذا الأخير يرفع دعوة قضائية، من أجل الاستفادة من تعويضات نتيجة تنقل اللاعب قبل انتهاء العقد إلا أنّ ذلك لم يثن من عزيمة يوسف في مواصلة المشوار بكل ثبات نحو النجومية ضمن البطولة التونسية في الفترة الممتدة من 2012 إلى 2014.
أزمة كادت تنهي الحلم..
 بعد مشوار ناجح خارج الجزائر، عاد بلايلي إلى أرض الوطن بعد إصرار مسيّري نادي اتحاد العاصمة على جلبه لحمل اللونين الأسود والأحمر، والاستفادة من خدماته والمهارات التي يتمتع بها، وبالفعل عاد اللاعب إلى البطولة الوطنية المحترفة في عقد مدته أربعة سنوات أي من 2014 إلى 2018، إلا أنّ ذلك لم يستمر وتوقف سنة 2015 بسبب وقوع مدلل أنصار اتحاد العاصمة في المحظور في اختبار كشف المنشطات ضمن المنافسة القارية، أين أصدر الاتحاد قرار التوقيف لمدة أربعة سنوات جعلت رئيس النادي العاصمي يفسخ العقد معه، لتأتي الصدمة لشاب كان طموحه مواصلة المشوار لأنه كان في سن صغير جدا 23 سنة فقط.
الأمور لم تتوقف هنا، حيث دخل بلايلي في دوّامة يصعب الخروج منها بسبب الانتقادات والهجمات التي طالته من المتتبّعين وأسرة كرة القدم الجزائرية الرافضة لمثل هذه التّصرّفات التي لا تمثل الشاب الناجح والنموذجي، إلا أنّه وبتدخل من الرئيس السابق للاتحادية الجزائرية لكرة القدم محمد روراوة واستئناف القضية من طرف محامي اللاعب تمكّن من تقليص العقوبة إلى سنتين فقط، استغلّها يوسف في العمل والكد والجد لكي يحافظ على لياقته، ولم ييأس بل ضرب بكل الانتقادات عرض الحائط وتعلّم الدرس جيدا، وكان على دراية أن ما حدث معه كبوة جواد وفقط، حيث حضّر نفسه كما يجب بعيدا عن الضغط والمحيط الكروي، وفور استنفاذ عقوبته سنة 2017، قرّر العودة لمداعبة الكرة التي تعتبر هوايته المفضلة.
الإرادة والإصرار..
 العودة لم تكن سهلة بالنسبة لشاب تعرّض لأقصى أنواع الانتقاد كادت تنهي حلمه وتقضي على مشواره الكروي، إلا أنّه عاد والانطلاق كان من فرنسا رفقة نادي أنجي الذي ينشط في الأقسام السفلى، ولكنه لم يجد ضالته لأنّه لم يتمكّن من فرض نفسه وبقي حبيس دكّة البدلاء، وهذا الأمر طبيعي جدا بالنسبة لبلايلي العائد من عقوبة التوقيف، لكنه لم ييأس بل واصل العمل بكل عزيمة، ولما تلقّى عرضا من نادي الترجي التونسي الذي يعرف جيدا الأجواء داخله لم يتردّد في إعطاء الموافقة، حيث أمضى على عقد من 2018 إلى 2019، حقّق معه «المعجزة» من خلال تنشيط نهائيين قاريين، إضافة إلى الأداء الرائع والخرافي للاعب أبى الاستسلام ورفع التحدي، معلنا بذلك ميلاد صفحة جديدة كتب عليها اسمه بأحرف من ذهب في ظرف قياسي.
عودته القويّة جعلته محل ثقة بلماضي
 تألّقه اللاّفت بعد عودته للميادين جعله محل أنظار الناخب الوطني جمال بلماضي، الذي وجّه له دعوة للمنتخب الوطني، وفتح له الباب لكتابة تاريخ جديد لأنّه آمن بقدراته الفنية والبدنية، ووثق فيه بعدما استنتج العبر من الدرس الذي تعلّمه بسبب الممنوعات، وبالفعل كان بلايلي عند حسن الظن، وترجمة تلك الثقة في المستطيل الأخضر، من خلال تقديه لأفضل العروض سواء في اللقاءات الرسمية أو الودية لأنّ بلماضي يصر على الجدية في التعامل مع المباريات مهما كانت طبيعتها، ولهذا وبعدما وجد ضالته رفقة ترسانة من اللاّعبين في صورة محرز، بونجاح الذي اجتمع معه بألوان الخضر مجدّدا بعدما فرّقتهم الظّروف، براهيمي، مبولحي، بن ناصر وآخرون قدموا له يد المساعدة للاندماج والتركيز على العمل، ما جعله ينفجر بطريقة لم يتوقعها حتى المختصون في عالم الكرة.
الدور الذي لعبه ابن الباهية من لقاء لآخر جعله قطعة أساسية في تشكيلة بلماضي، وهذا ليس بالأمر السّهل لأنّ المدرب الوطني جد صارم ولا يتسامج أبدا، ومع مرور الوقت تحوّل بلايلي من شاب غير مرغوب فيه إلى نجم يقتدى به وتصدر اسمه مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام داخل الجزائر وتخطّى ذلك للوطن العربي والعالمي بالنظر للعروض والفنيات التي يظهرها خلال مداعبته للكرة والمراوغات، وكذا الدقة في قراءة التمريرات واتقان الاحتفاظ بالكرة، إضافة إلى الحرارة العالية التي يتميز بها فوق المستطيل الأخضر، وكان له الدور البارز في قيادة الخضر للتتويج بثاني لقب قاري بعد طول انتظار دام 29 سنة كاملة من خلال الأهداف التي صنعها أو تلك التي وقّعها.
دخل قلوب الجميع ومنحهم الثّقة
 بالرغم من أنّ صاحب الـ 29 ربيعا لم يوقّع أهدافا كثيرة بألوان المنتخب الوطني، حيث بلغت 6 أهداف فقط إلا أنّ دوره مع الفريق في تحقيق الانتصارات لا غبار عليه، إلى درجة أنه أصبح مطلب الجماهير ولما يكون غائبا الجميع يتأسف لأنه ببساطة دخل قلوب الجميع ومنحهم الثقة الأمان، من خلال الإمكانيات الفردية التي يتمتع بها، والتي تجعله يصنع الفارق من كرة واحدة أو بتحركه على الأروقة، وكذا في وسط الميدان الهجومي، إضافة إلى العمل الدفاعي الذي يقوم به ومساعدة زملاءه في الاسترجاع عندما تكون الكرة لدى الفريق المنافس، دون نسيان الطرائف التي يقوم بها مع رفاقه سواء في الفندق أو أثناء الحصص التدريبية، والتي يرفع من خلالها معنويات المجموعة بطريقته الخاصة، لأنه دائما إيجابي في قراءة اللقاءات، ويؤمن بالفوز مهما كانت المأمورية صعبة بشهادة زملائه في المنتخب كل ذلك نابع من شخصيته القوية.
لعب جوهرة المنتخب الوطني 29 لقاءً دوليا لحد الآن كانت كافية لكي يقول كلمته، ويكتب اسمه بأحرف من ذهب في قائمة أفضل الأسماء التي مثلت الألوان الوطنية في الفترة الحالية، واسمه متداول لدى الصغار والكبار داخل وخارج الوطن، وبالرغم من تقدّمه في السن، إلاّ أن فنياته وأدائه فوق الميدان يسحر كل المتتبعين وحتى «المناجرة» من أوروبا ما قد يرشحه للاحتراف في أحد الأندية مستقبلا، بما أن هذا اللاعب يواصل عكس التوقعات تحطيم الأرقام وتقديم الأفضل من لقاء لآخر سواء مع المنتخب أو مع الفرق التي يحمل ألوانها، حيث كانت له تجربة في الدوري السعودي من بوابة الأهلي، وحاليا هو ينشط مع نادي قطر.
ثلاثة نهائيات قاريّة أدخلته العالمية
 للإشارة، فإنّ بلايلي سبق له أن حمل ألوان المنتخب الوطني الأولمبي من سنة 2010 إلى 2011 بقيادة المدرب أيت جودي، الذي انتقاه ضمن القائمة التي لعبت منافسة شمال إفريقيا، وقدّم خلالها اللاعب الإضافة اللازمة فوق المستطيل الأخضر رغم أنه كان في بداية مشواره الاحترافي، كما أنّ هذا الاسم استطاع أن يحطّم عديد الأرقام بعدما تحدى الصعاب، وبعودته القوية تمكّن من قيادة الترجي التونسي لنيل لقب الدوري المحلي، ونشط ثلاثة نهائيات قارية في ظرف 8 أشهر فقط، وهذا ما يعتبر سابقة في كرة القدم العالمية، اثنين منها مع ناديه في رابطة الأبطال وكأس السوبر الافريقي في نوفمبر 2018 وماي 2019 على التوالي، والثالث مع المنتخب الوطني الجزائري الذي توّج بالنجمة الثانية بالأراضي المصرية في جويلية 2019.
مفتاح مقابلات «الخضر»
 بما أنّ الدوري القطري متوقّف بسبب فعاليات بطولة كأس العرب التي تعتبر محطة تجريبية للميادين التي ستحتضن نهائيات كأس العالم 2022، اعتمد بوقرة على عدد من الكوادر، الذين يمثلون المنتخب الأول لإبقائهم في جو المنافسة حتى لا يتراجع مستواهم قبل البطولة الإفريقية بالكاميرون، من بينهم يوسف بلايلي الذي أبدع مع الفريق الثاني للجزائر، حيث كان له دور كبير في الوصول إلى المربع الذهبي، كما أنّه وقّع هدفا عالميا وخرافي في مرمى المنتخب المغربي في الدور ربع النهائي بكرة من وسط الميدان، وكان وراء ركلة الجزاء التي ترجمها براهيمي إلى هدف بعدما تمّ عرقلته من أحد المدافعين في منطقة الـ 18 مترا، وبالرغم من الإرهاق والتعب الذي نال منه، إلا أنه بقي صامدا إلى غاية صافرة النهاية وتأهّل الخضر.
بالتالي فإنّه مهما قلنا لن نستطيع أن نصف مشوار بطل لولا العزيمة والإصرار لكان الآن في «خبر كان»، إلا أنه عاد من بعيد ليصبح نجما حقيقيا بشهادة العالم كله من خلال ما يقدّمه، وأصبح مثال الشاب الناجح الذي لا يعرف الانكسار مهما كانت الظروف، ودائما ابتسامته ترافقه ونظرة الأمل والتحدي تطبع ملامحه، ومازال جاهزا لتقديم الأكثر في قادم المواعيد سواء مع الأندية التي سيلعب لها أو بألوان المنتخب الوطني، حتى وإن تغير المدرب والتشكيلة التي يلعب معها سيجد ضالته والحلول اللازمة في الميدان، الأمر الذي يجعله محل مراقبة دائما من طرف المدافعين خشية انفراده بالكرة لأنّهم يدركون مدى خطورته في المرتدّات والكرات الثّابتة.