طباعة هذه الصفحة

ارتفاع الإصابات يستدعي تفطن المواطن

خيــار العــودة للحجر مرتبـط بالوضع الوبائي

استطلاع: فتيحة كلواز

 بالرغم من ارتفاع عدد الإصابات وتقديم العطلة المدرسية، في خطوة استباقية واحتياطية لمنع تحول المؤسسات التعليمية إلى بؤر لانتشار الوباء، عجز المواطن عن استيعاب الدرس والتقيد بالإجراءات الوقائية، على الأقل ارتداء القناع الواقي واحترام مسافة الأمان أو التباعد الاجتماعي في الأماكن المغلقة، في صورة تعكس لامبالاة واستهتار غير مبررين يوحيان بموجة رابعة قد تكون أسوأ من الثلاث السابقة.

في ازدواجية متناقضة اتفق المواطنون على ضرورة احترام الإجراءات الوقائية، لكنهم في المقابل لا يحترمونها. وبين القاعدة الوقائية وقاعدة مجتمعية مستهترة، يتحضر فيروس كورونا لموجة جديدة محتملة يصنع فيها التلقيح فارقا كبيرا في عدد الإصابات والحالات الحرجة والوفيات.
حجج واهية
في إجابتها عن سؤال «الشعب» حول سبب التراخي السائد تجاه الإجراءات الوقائية، أجابت لمياء عزوز، أم لثلاثة أطفال قائلة: «لما يقارب السنة ونحن كمجتمع نعيش على أعصابنا في كل مرة نجد أنفسنا أمام خطر فيروس كورونا الذي يكشف عن وجه جديد في كل مرة، لذلك أصبح من الطبيعي أن نعود الى حياتنا الطبيعية مادام الخطر باقياً ولا موعد للقضاء عليه. فلن يكون بالإمكان لمن تعود العيش وفق علاقات اجتماعية قوية، أن يحصر حياته في قناع ومسافة أمان، حتى مع من يعتبرهم أعداءه، لأننا، كأفراد في مجتمع جزائري، المسافة الاجتماعية عندنا نفسية أكثر منها مادية».
واستطردت قائلة: «بعد وفاة والداي في الموجة الثالثة بالمتحور «دالتا»، أصبحت أقل حرصا واحتراما والتزاما بالإجراءات الوقائية، فقد توفيا دون أن «أشبع» حضنهما بعد كل الاحترازات الاحتياطية التي التزمت بها لإغلاق الباب أمام أي فرصة لإصابتهما، لكن زيارتهما للطبيب كانت كافية لإصابتهما بالعدوى، ثم الوفاة بها. الصدمة بالنسبة لي كانت كبيرة، لأنني حرمت نفسي وأطفالي من زيارتهما لما يقارب السنتين وفق ما يقتضيه البرتوكول الصحي والوقائي، لذلك كانت وفاتهما صدمة قوية بالنسبة لي وتمنيت لو كنت بجانبهما على الأقل في لحظاتهما الأخيرة».
وأضافت، أنها لا تدعو الى عدم احترام الإجراءات الوقائية، لكن على الأقل ننتقل الى التعايش مع المرض، فـ»الموت علّمني أن الوقاية لا تعني قطع علاقاتنا بالآخر، بل يجب أن نكون أكثر قربا منه، لكن مع احترام الإجراءات الوقائية، لذلك عدت الى حياتي الطبيعية مع ارتداء القناع الواقي في الأماكن المغلقة فقط وما عدا ذلك لا أرى لارتدائه أي جدوى!؟؟؟».
على عكس لمياء، لم يتبنَّ نبيل صندولي، تقني سامي في الصحة، نفس الرأي، بل أكد على ضرورة احترام الإجراءات الوقاية كوسيلة ناجعة للحد من انتشار العدوى، فيما اعتبر اللقاح درع حماية في حال انتشار الفيروس، خاصة في الحد من الأعراض الحادة للإصابة. وقال في حديثه مع «الشعب»: «يتوهم البعض عدم جدوى الإجراءات الوقائية، بتصديق حجج واهية يحاول الكثير من الأفراد نشرها، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى تتحول الحيطة والحذر الى لامبالاة وتراخ خطير إن توفر المناخ المناسب لانتشار الفيروس.
فالقول إن العالم يدور في حلقة مفرغة إسمها «كورونا» تدخل في إطار مؤامرة لسيطرة قوى معينة على العالم، غير معقولة. وحتى وإن كانت حقيقية، لابد من التزام الإجراءات الوقائية، لأنها السبيل لمنع تدهور الوضعية الوبائية، واللقاح لن يكون سوى درع وقاية لمنع تطور الحالة الصحية للمصاب إلى ما لا يحمد عقباه. لذلك كان الأحرى الالتزام واحترام التدابير الاحترازية وإخراج ارتداء القناع الواقي ومسافة الأمان من تلك الملصقات الموجودة في كل مكان إلى سلوك يومي نحمي به أنفسنا والآخرين».
وتوجه نبيل إلى المواطنين الجزائريين بنداء للإقبال على التلقيح للوصول الى المناعة المجتمعية المنشودة والتي حددها المختصون بتلقيح 70٪ من المواطنين. ووصف تعامل المجتمع مع الوباء بـ»المستهتر»، لعدم أخذه بعين الاعتبار توصيات الأطباء والخبراء الداعية للالتزام بالإجراءات الوقائية، و»السفاهة» بسبب لامبالاة غير مبررة، بالرغم من مرورهم بموجات ثلاث حرمت الكثير منهم أحباءهم، لذلك لا يمكن بما كان –بحسبه- فهم الاستخفاف السائد بموجة رابعة محتملة، رغم ان تمديد وتقديم العطلة المدرسية يعد مؤشرا واضحا لما يتوقعه المختصون في الأيام القادمة من تطورات في الوضعية الوبائية.
«وعي بلا فعالية»، هكذا عبّر محمد أمين سعداني عما يعيشه المجتمع من ازدواجية التوجه، فهو من جهة يقر بضرورة التزام الإجراءات الوقاية لمنع انتشار الوباء والتلقيح كطريق آمن للتعايش السليم مع الوباء، ألا أنه لا يحترم أيّا منهما، فلا هو ارتدى القناع الواقي ولا احترم مسافة الأمان ولا هو تنقل الى مراكز التلقيح لأخذ جرعات الحماية. وقال لـ «الشعب»: «تناقض صارخ وغير مفهوم لمجتمع يدّعي أفراده في كل مرة الوعي بالأخطار المحدقة بنا، حيث يعتبر وباء كورونا أحدها، وبالرغم من حملات التحسيس والمراكز المتنقلة للتلقيح، والتوصيات والملصقات والإشارات، فشل المواطن الجزائري في الالتزام بما يمكنه أن يكون طريق نجاته ونجاة محيطه من كورونا. لا مبالاة تعكس تخليا كاملا عن مسؤولياته تجاه نفسه ومحيطه، بل الأغرب ان المساجد لم تستطع ثني الجزائري عن استهتاره، بالرغم من وجود فتاوى في هذا السياق. لكن حالة التغييب التي يعيشها المواطن، بسبب حياته الافتراضية في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، جعلته لا يستشعر الخطر المحدق به، وهو ما يجب تداركه من طرف المختصين، لأن التملص من المسؤولية الاجتماعية يعني التوجه نحو فوضى مجتمعية تفقد المجتمع تماسكه كبناء متجانس الكل داخله يحمي الكل، والكل يعمل لصالح الكل، حيث تتحد الأهداف والرؤى في تجسيد مجتمع واع ومتماسك في كل الظروف».
خياطي: ضبابية واللقاح هو الحل
قال رئيس الهيئة الوطنية لترقية وتطوير الصحة «فورام» البروفيسور مصطفى خياطي، في اتصال مع «الشعب»، بالنظر إلى ما يحدث في أوروبا من ارتفاع كبير في عدد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا، حيث سجلت بعض دولها 100 ألف إصابة في 24 ساعة. ومع وجود تبادلات إنسانية بين الجزائر وبينها عبر الخطوط الجوية والبحرية، كان ارتفاع عدد الإصابات في الجزائر أمرا متوقعا، لكنه في المقابل نسبي وليس كبيرا، كما هو مسجل في الدول الأوروبية، حيث ذكرت وزارة الصحة وجود 2700 مصاب بكورونا يرقدون بالمستشفيات.
واعتبر في الوقت نفسه هذا العدد معقولا مقارنة مع الحالة الوبائية العامة، نافيا دخول الجزائر وضعية وبائية خطيرة، سيما مع تسجيل تذبذبات في منحنى الإصابات اليومية بالفيروس الوبائي التي عرفتها الجزائر منذ عدة أسابيع، فمنحنى الإصابات يتناوب بين ارتفاع وانخفاض في عدد الإصابات الجديدة.
ولتفادي تطور الوضع الوبائي إلى ما هو أسوأ، قال خياطي إن الحكومة الجزائرية ستأخذ، لا محالة، بعض الإجراءات والتدابير الاحترازية المعروفة التي تبنتها سابقا، مؤكدا أنها مرغمة على اتخاذها من أجل الإبقاء على استقرار الوضع الوبائي. فيما وجه نداءه إلى المواطنين لاغتنام فرصة العدد القليل لمصابي كورونا للتوجه إلى مراكز التلقيح من أجل أخذ جرعة اللقاح لحماية أنفسهم من شدة وقوة الأعراض، في حالة الإصابة بالفيروس، وبالتالي يساهمون في رفع عدد الملقحين حتى نتمكن من الوصول إلى المناعة المنشودة، وحتى نقلص من الحالات الخطرة وعدد الوفيات، ما يعني التعايش مع الوباء بالطريقة الصحيحة.
في ذات السياق، ثمن البروفيسور الخطوة الاستباقية التي اتخذتها وزارة التربية بتقديم وتمديد العطلة المدرسية الشتوية، وقال إن العطلة المدرسية لم يكن لها علاقة مع الإصابات بكورونا في الوسط المدرسي، لأن الوزارة الوصية كشفت عن إصابة 60 شخصا بالفيروس، موزعة بين معلمين وطاقم تقني وإداري وتلاميذ عند اتخاذها هذا القرار، تمثل نسبة الأطفال المصابين فيها الثلث، أي 20 إصابة بكورونا وسط التلاميذ. معتبرا أنها نسبة ضعيفة مقارنة بالعدد الإجمالي للتلاميذ الذي يصل إلى 9 ملايين تلميذ، لأن البروتوكول الصحي المدرسي يقول بغلق القسم عند إصابة ثلاثة تلاميذ وغلق المدرسة عند إصابة ثلاثة أقسام، وبالتالي نحن بعيدون عن النسبة المحددة في توصيات البروتوكول الصحي المدرسي، لذلك يدخل القرار المتخذ في إطار الحذر والاحتياط.
وكشف البروفيسور، أن نتائج الأبحاث الجينية والمخبرية، أثبتت أن المتحور الجديد «أوميكرون» مجرد فقاعة هواء، مؤكدا أن «دلتا» هو المتحور المسيطر في الجزائر، لكنه في المقابل نفى إمكانية تحديد الفيروس الذي سيكون مميزا للموجة الرابعة، واصفا الوضع الوبائي بالضبابية، لأن المختصين لا يعلمون الفيروسات الموجودة حاليا في الجزائر، بسبب غياب دراسات جينية للفيروسات، ما يجعل من التكهن المسبق بالفيروس المسيطر على الموجة الرابعة مهمة صعبة جدا.
شرقي: مسؤولية جماعية
«ما من مأمن لأحد حتى يأمن الجميع»، هكذا عبّرت المختصة في التخدير والإنعاش نصيرة شرقي، عما تنتظره من تطورات في الوضع الوبائي في الأيام القادمة. وقالت: «يمكن التعامل بفردانية تجاه وباء يصيب الجميع والكل مهدد به». لذلك تقع على المواطن مسؤولية جماعية لا يمكنه التملص منها، فأي تهاون فيها قد يكون سببا في حدوث ما لا يحمد عقباه في محيطه.
ولأن العدوى تترصد بالمتهاونين في الإجراءات الوقائية، كان لزاما عليهم التقيد بها، لأنهم ليسوا المعنيين الوحيدين بالإصابة عند انطلاق سلسلة العدوى، فحتى ذلك الذي التزم بالإجراءات الوقائية لما يقارب السنتين، سيكون مهددا هو أيضا بسبب استهتار شخص غير مسؤول في محيطه.