يشرح الأستاذ المؤرخ والباحث الطيب بوقرة مواقف ووقائع مثيرة لمظاهرات الـ 11ديسمبر1960، توأم ثورة نوفمبر 1954 المظفرة من خلال حيثيات وقوة الرد الصارم للهبّة الشعبية والثورية لسكان مدينتي الشلف (الأصنام سابقا)، ووادي الفضة على زيارة ديغول المشؤومة والتي حفزتها تقارير مزيفة خيّبت آمال ذات السفاح الذي نجا بأعجوبة من عملية إغتيال بذات المدينة، ضمن موقف ناصع يقدّمه ذات المؤرخ عبر لقاء جمعه بجريدة «الشعب» يستنطق فيه محطة تاريخية هامة عبر هذا الحوار.
- «الشعب»: بماذا تلهمك ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960، من حيث اثرها في مسيرة ثورة التحرير؟
الطيب بوقرة: من حيث المولد هي توأم ثورة نوفمبر1954 كدلالة تاريخية ومحطة مفصلية في تحقيق الإستقلال الذي يعرف عند بعض المؤرخين بأنها إمتحان على مدى شعبية الثورة. أما عن ظروفها فجاءت في سياق الزيارة المشؤومة التي قام ديغول إلى عين تموشنت يوم 9 ديسمبر 1960 مع مدن من الغرب الجزائري كوهران ومستغانم وصولا إلى مدينة الأصنام (الشلف حاليا) يوم 10 ديسمبر من ذات الشهر، على غرار المدن الجزائرية التي انتفضت في غليان وثورة شعبية سلمية للرد على زعم الأستعمار بـ «فرنسية الجزائر».
- ماذا عن حادثة محاولة إغتيال ديغول بمدينة الشلف (الاصنام سابقا) وإنتفاضة سكانها؟
مجيئ ديغول إلى الأصنام كان ضمن سياسته الفاشلة التي تبنّت منطق الترغيب والترهيب من حيث المكاسب التي يجنيها كامتيازات لمشروعه القاضي بمنح السكان الأراضي والمناصب والتشغيل، بعد التقارير الخاصة بهذا الشقّ الذي رفضه أبناء المنطقة.
وتحوّل الترحيب الذي كان ينتظره إلى إنتفاضة شعبية كان من وراء تأطيرها القائد الجيلالي بونعامة إنطلقت من حي «الفيرم» حي الحرية حاليا في وقت كان يتأهب لإلقاء خطابه على مسمع سكان المنطقة بهدف طمأنتهم إزاء سياسة الترغيب التي رفع لها شعار «الجزائر فرنسية»، غير أن جيش التحرير وجبهة التحرير وعلى رأسها العقيد بونعامة رفعت الرايات الوطنية، تحت صيحات الأناشيد الوطنية التي عكست ما كتب على جدران المدينة من لافتات معبرة «الجزائر حرة مستقلة» كرد عن شعاره المسموم» الجزائر فرنسية».
وفي خضم هذا الإرتباك بين صفوف قوات الأمن الفرنسية والمستوطنين وفئة الخونة، كاد أن يتلقى ديغول ضربة موجعة في محاولة لإغتياله بالمكان المسمى «مكان الزرع»، في ذلك الوقت والخزينة العمومية حاليا، الأمر جعل الموكب يتسلّل بسرعة نحو الطريق المؤدي إلى وادي الفضة ليجد هناك مظاهرات إعترضته بقوة لتؤكد له حقيقة شعبية الثورة الجزائرية وجماهريتها في كل ربوع الوطن لتحقّق أهداف منها:
1 ـ تلقيه ضربة موجعة بعدما كان يعتقد أنه مرحّب به.
2 ـ الزيارة غير المقبولة للجزائر العاصمة من خلال خروج الشعب الجزائري في انتفاضة يوم 11ديسمبر 1960، رفع فيها شعار «الجزائر حرة مستقلة، ديغول ديقاج».
ولم تتوقف الإنتفاضة إلا في 16 ديسمبر 1960، بقرار من جبهة التحرير الوطني المؤطر للمظاهرات السلمية بكامل التراب الوطني الرافضة لحرب الإبادة وسياسة الأرض المحروقة والتجويع والتعذيب والتنكيل والتهجير كأساليب قمعية لإرادة الشعب وكرامته.
3 ـ الزيارة المشؤومة رسّخت الوعي ووسعته بين أوساط سكان الأصنام وإصرارهم على دعم الثورة وتحقيق الإستقلال وإعتماد حرب الكمائن، مثلما حدث في جبال الظهرة وغابات بيسة ومركز المدينة التي أثرت حركة الخونة والمستوطنين الذين فشلوا في هندسة الترحيب لديغول.
لكن مع الأسف سقط خلال هذه الإنتفاضة بالأصنام 350 جريح وشهيدين وأحد قضى نحبه بمركز التعذيب المشهورة بالمنطقة مع عدد كبير من المعتقلين فاق 650 معتقلا.
- هذه عينة من الأهداف، لكن ماذا عن نتائج الإنتفاضة؟
خلّف الإعصار الشعبي مع الأسف سقوط ما يقارب 800 شهيد و1500 جريح وأكثر من 10 آلاف معتقل على المستوى الوطني مع تشديد القمع وحرق الممتلكات والتطويق والحصار ضمن سياسة التجويع التي تعكس منطق «الأرض المحروقة» ومن زاوية أخرى أثمرت بمكاسب هامة منها:
^ الدعم الكلي والتحام الشعب مع ثورته.
^ رفض سياسة حرب الإبادة وسلم الشجعان والقوة الثالثة والشعارات المزيفة التي حملها ديغول والكولون. أما على المستوى الدولي فكانت المظاهرات طريقا مفتوحا نحو تحقيق انتصارات ديبلوماسية من أهمها:
1 ـ دخول فرنسا مع الحكومة المؤقتة مسار المفاوضات واعترافها بجبهة التحرير الوطني.
2 ـ تحويل القضية الجزائرية للمحافل الدولية، خاصة على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أقرّت حق تقرير المصير للشعب الجزائري.
3 ـ حركة عدم الإنحيار التي تأسست سنة 1961 أخذت بعين الإعتبار دعم الثورة الجزائرية.
4 ـ على مستوى الإعلام الثوري فقد فضحت جريدتي «الشعب» و»المجاهد» والإذاعة السرية للثورة جرائم العدو الفرنسي والإشارة إلى فشل الزيارة المشؤومة وآمال المستوطنين التي تبّخرت.
- ما تحقّق كان بفضل نضالات بطولية لازالت فخرا، فلماذا تتكالب بعض الأبواق على مكاسب الجزائر ومواقفها الراسخة؟
الثورة جسر عابر للحرية والنضال مواقف راسخة، لذا فالتهجمات التي تفوح من الأبواق الحاقدة مثلما هو حال المخزن المغربي المغلوب على أمره من صهاينة قراره المدعوم باللوبي الفرنسي، لن يزيدنا إلا إلتحاما وقوة ونقول لهذه الأبواق ما قاله عالم الإجتماع ابن خلدون: «إذا طعنت من الخلف فأعلم أنك في المقدمة». فجميل أن نموت من أجل الجزائر والأجمل أن نحيا من أجلها. هكذا كونوا أو لا تكونوا مثلما قال البشير الإبراهيمي في نصيحته للشباب الجزائري.