طباعة هذه الصفحة

في ذكرى وفاة الحاج محمد الطاهر

عائلة الفرقاني.. مسارات متعدّدة وإبداع متجدّد  

قسنطينة: مفيدة طريفي

جيل من الشباب على درب أسطورة المالوف 

الحديث عن قسنطينة مدينة الجسور المعلقة يرسخ في أذهاننا طابع المالوف، الفن العريق المرتبط بعائلة الفرقاني وشيخها الأيقونة الحاج محمد الطاهر الفرقاني. هذه العائلة التي تخرج منها كبار الفنانين، ساهمت في نشر هذا النغم الأصيل عاقدة العزم على حمايته من الاندثار، جاعلة من نغماته جسرا بين العالم العربي والغربي ليذيع صيت المالوف عبر أرجاء المعمورة قاطبة. كيف ومتى يرويها مفصلة (الشعب ويكاند).
المايسترو هكذا يلقبه سكان قسنطينة كان ولا يزال قامة من قامات الثقافة الجزائرية، ومرجعا ثريا للموسيقى الأندلسية، انه الحاج محمد الطاهر الفرقاني، الذي كتب اسمه بأحرف من ذهب، في تراث المالوف، مالكا قلوب عشاق هذا الفن بعد حياة طويلة كرسها لهذا النوع من الموسيقى، هوية مدينة الصخر العتيق واشراقة الغناء الجزائري عبر الزمن ورافد تراثها وأصالة تاريخها العريق.
حناجر من ذهب تردد صوت المنيار
خمس سنوات مرت على رحيل شيخ الشيوخ فرقاني; إلا أنه لا يزال يجسد روح المالوف من خلال أعماله الموسيقية الحاضرة يتغنى بها سكان قسنطينة ويمتع بسماعها الجزائريون في أي بقعة من هذا الوطن المفدى، عشاق حنجرته الذهبية الذين عاشوا على صوت المنيار، لا يزالوا يحافظون على أغانيه الفنية الراقية، مؤكدين بلا توقف ان الحاج يبقى على الدوام مرجعا موسيقيا ومدرسة لمئات الفنانين الشباب والموسيقيين.  فرقته الموسيقية شكلت بالكونسرفتوار إحدى أرقى أقسام المالوف بعاصمة الشرق الجزائري، والذي يعتبره فنانو الولاية وغيرهم إشعاعا ثقافيا وامتدادا للطابع الأندلسي ينهل منه شباب مولع بتعلم فن المالوف على طريقة الحاج الفرقاني الذي رحل تاركا إرثا موسيقيا متنوعا بعد مسيرة عطاء عمرها 70 سنة.
قسنطينة اليوم لن تنتظر أن تبوح لك بأسرارها، فهي مدينة العلم والعلماء، الفن والشيوخ، تحفظ بشكل جيد أعلامها وأبنائها منهم تركوا بصمات وأعمال عبر صفحات التاريخ الغنائي الأصيل، فالمالوف اليوم تناقلته عائلة الفرقاني أبا عن جد، بدءا من الحاج حمو والحاج محمد الطاهر إلى ابنه الشيخ سليم فرقاني وحفيده اللذين يعتبران ورثة الحاج بعد رحيله ليستمر الحفاظ للطابع الأندلسي بطريقة توارثية ضيقة المعالم سيما مع غياب إرادة قوية لتوسيع جمعيات ثقافية ومدارس خاصة لتعليم طبوع المالوف والحفاظ عليه من الاندثار والتشويه. وهي وضعية يخشى أن تطال الرصيد الفني المتوارث عن أشهر مشايخ الحوزي، الزجول والمحجوز، سيما مع غياب مهرجان المالوف بالمدينة والذي يضمن الاحتكاك الفني والتبادل الثقافي، ساعد على بروز جيل جديد من الفنانين في هذا الطابع الطربي.
حقائق تكشف ومسؤوليات تؤدى يوريها الشيخ سليم
أنها حقائق رصدتها “الشعب ويكاند” في هذا الاستطلاع مسلطة الضوء على مكانة المالوف بعد رحيل الهرم الحاج محمد الطاهر الفرقاني، في ظل غياب شبه مؤكد للعناية بها الفن النبيل مواصلة لمسيرة من عاش حياة بأكملها يحافظ عليه ويبحث في إثرائها واستمرار إشعاع مشعله بسماء قسنطينة، إنها حقائق وردت في شهادات حية لفنانين ومقربين من الراحل الحاج محمد الطاهر الفرقاني نقلتها “الشعب ويكاند” متوقفة عند مكانة المالوف اليوم بعد رحيل الحاج الفرقاني. قال لنا نجل أيقونة المالوف الشيخ “سليم الفرقاني” أنه بعد رحيل والده تراجعت أشياء كثيرة في مقدمتها التظاهرات الفنية التي كانت تجمع محبي المالوف خاصة وأنه كان دائم النشاط والعمل على تطوير هذا الطابع الأندلسي والبحث الحثيث عن ما تركه المشايخ الذي تتلمذ على أياديهم.
وواصل سليم بتنهد قائلا: “ قبل وفاته طالبني الوالد رحمة الله عليه بصيانة الأمانة واستكمال مشواره الفني مؤكدا لي انني خليفته في مهمة حفظ الطابع الموسيقي ووريثه في رفع شأن المالوف بعده”.
تحدث الشيخ سليم مطولا عن مسيرته في مواصلة ما دشنه والده، الذي تتلمذ على يد والده الحاج “حمو الفرقاني”، احد رواد الطرب الأندلسي الذي اشتهر أيضا بالتلحين والعزف على النغم الحوزي.
وواصل الشيخ سليم في سرد ذكريات لا تنسى قائلا لنا إن والده الشيخ محمد الطاهر الذي أخذ الكثير عن والده الشيخ حمو، ووهب حياته للموسيقى عازفا في البدء على آلة الناي، قبل أن ينظم لجمعية “طلوع الفجر” ويتعلم فيها مبادئ الطرب الشرقي حيث أدى باقتدار بصوته الدافئ والقوي أغاني موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وكوكب الشرق أم كلثوم وحاز على المرتبة الأولى في مسابقة موسيقية بعنابة سنة 1951، ليسجل بعدها مباشرة ألبومه الأول فارضا نفسه كمطرب لا ينافس وأستاذ في طابع المالوف، وهي بحسب “سليم” أولى خطوات الراحل الحاج الطاهر الفرقاني لبناء إمبراطورية المالوف بقسنطينة.
وأضاف سليم أنه يصعب إيجاد فنان مماثل للحاج الفرقاني الذي لن يعوض مؤكدا على ان الحاج ترك وراءه من يحمل المشعل سيما وأنه رافق والده لمدة 48 سنة وعاش معه كل مراحل حياته الفنية، مدركا ثقل المسؤولية التي تقع على عاتقه في الحفاظ على المالوف، مشيرا الى مشروع فني سيضيف الكثير للمالوف بقسنطينة حيث يعمل ومجموعة من محبي هذا الفن على إنشاء مؤسسة فنية تهتم بالمالوف تكون ملتقى لمحبي الشيخ محمد الطاهر فرقاني وجسر تواصل بين  الأجيال ضمانا لاستمرارية الفن المتوارث عن الأجداد.
عدلان الفرقاني: تعاهدنا على مواصلة مسيرة الأيقونة
الحفيد والفنان الصاعد “عدلان فرقاني” أكد من جهته لنا على الفراغ الذي تركه جده وسط العائلة أولا وفي الساحة الفنية ثانيا، قائلا إن التظاهرات الفنية التي كان يقوم بها كانت تلقى الصدى الإعلامي والاهتمام الوطني وبغيابه فقدت تلك البوصلة والشخصية القيادية.
واضاف عدلان “نحن كعائلة وورثة لفن الشيخ محمد الطاهر الفرقاني تعاهدنا على مواصلة مشواره الفني وصون الوديعة التي تركها لنا أمانة في أعناقنا وحمل المشعل لأجيال أخرى، وهو الأمر الذي كان يعتبره فقيدنا مستقبل المالوف كله”.
وقال عدلان في شهادته لنا إن جده كان يؤكد دوما على  أنه من بين أهم الأصوات التي يعول عليها بعد نجله “سليم الفرقاني” لنقل وحفظ أصول الغناء الفرقاني. وهو ما يعتبره عدلان مهمة نبيلة يحرص على تأديتها بروح المسؤولية والتحدي غير عابئ بتعب ومشقة المهام.
كما تحدث الحفيد عدلان، صاحب الصوت الهادئ والقوي عن أمنية الراحل في إنشاء مؤسسة فنية أو جمعية ثقافية تضمن استمرار تلقين الجيل الجديد لأساسيات طابع المالوف، وهو ما يطمح له الحفيد خاصة وأنه يتلقى دعوات من طرف محبي المالوف لفتح ورشات لتعليم أبنائهم، ما جعله يفكر بطريقة جدية في فتح جمعية الفرقاني للمالوف رفقة عائلته، مطالبا دعم الجهات الرسمية لهذا المشروع الثقافي حتى يتم تحقيق ما كان يطمح له الراحل الحاج محمد الطاهر الفرقاني.
عن جديد أعماله كشف عدلان عن تسجيل أغاني تراث جديدة مع أغنية مرفوقة بكليب مصور سيكون بحسبه ثمرة عمل وجهد تكريما لروح جده عميد الأغنية الأندلسية.
عباس ريغي: غياب مدارس متخصصة مشكل مطروح
عن إشكالية غياب مدارس متخصصة في تلقين وتعليم فن المالوف، علق الفنان المتألق “عباس ريغي” قائلا انه مشكل حقيقي حيث أن المالوف اليوم لا يخرج عن منطلق الاجتهادات الفردية التي تفتقر لهيئة ثقافية ترافق الجيل الناشئ في هذا المسار الفني الأصيل، موضحا أن إنشاء مدارس أو فيدراليات فنية ترعى المالوف وتحميه من الانحراف والضياعّ، تساهم بالتأكيد في تكوين جيل جديد يتقن فن المالوف بكل طبوعه ونوباته ويخلق قاعدة صلبة تؤمن ما تركه الشيوخ وتمشي على خطى أعمدة الفن الأصيل.
وقال ريغي: (هذا المشروع نطمح لإقامته بدءا من تعليم أبجديات طابع المالوف الفرقاني، إلا أن شبح الاندثار والزوال غير قائم حتى في غياب مدارس متخصصة لأن قاطرة المالوف تجاوزت مرحلة الانطلاقة وجمهوره متواجد بقوة يحميه ويتفانى لسماعه.
ويرى ريغي أن كل جهود رواد المالوف منصبة على كيفية جذب الشباب للاهتمام بهذا الفن والتعلق به باعتباره تاريخ أمة وأصالتها ومهد حضارتها الغنائية والموسيقية، وبهذا يرفع تحدي الحفاظ على النغم الموسيقي في ظل الزخم الفني الذي يغزو المجتمع الجزائري خصوصا والعربي عموما، فالمهرجان الدولي الثقافي للمالوف يعتبر فرصة قسنطينة لإظهار فن المالوف القسنطيني المتميز والثري بالمدارس والطبوع.
أما عن مكانة المالوف بعد رحيل الحاج الطاهر الفرقاني قال إن الساحة الفنية فقدت شيخ من مشايخ طابع المالوف، لكنه ترك ورائه جيلا لا بأس به من الشباب الذي تعلم على يديه وأتقن المالوف حبا فيه وفي طريقته في الغناء الاستثنائي والمتميز، وأن رحيل الحاج لا يعني زوال المالوف سواء بقسنطينة أو بولايات الشرق الجزائري لأن هناك من يمثل الفن على مستوى وطني وعالمي، وهو ما يعمل عليه رفقة عديدي الفنانين، مؤكدا على ضرورة العمل بالتنسيق لإنشاء مدارس وجمعيات تتكفل بتكوين شباب وأجيال على خط الشيوخ على غرار الحاج الفرقاني والضرسوني.
زين الدين بوشعالة: الفرقاني مدرسة قائمة بذاتها
من جهته “زين الدين بوشعالة” ابن أخت الراحل الحاج الطاهر الفرقاني تحدث لنا عن مسيرته الفنية وحياته. وقال مؤدي الأغنية العيساوية أن خاله كان مدرسة متكاملة وأيقونة للفن والطرب الأندلسي وأرشيفه حيث انطلق من الزاوية العيساوية بحكم أن والده الشيخ حمو كان من صناع الطريقة العيساوية سنة 1920.
وأضاف بوشعالة أن شخصية الحاج الطاهر فرقاني فريدة من نوعها حيث كان يحب الفن بكل أنواعه فتجده مبدع في فن الطرز التقليدي وعاشق للفن الشرقي ومايسترو الفن الأندلسي وأيقونة المالوف، مضيفا أن مدرسة الفرقاني تتولى مهمة غرس حب المالوف لدى الشباب وعاشقي الطابع الأندلسي، وما يظهر من خلال بروز مواهب شابة تغني للراحل وتعزف العود على طريقته محافظة على الإرث الموسيقي الذي تركه صوت المنيار لكل من يحب هذا الفن الجميل.
حث “زين الدين بوشعالة” الشباب المهتم بفن المالوف إلى بذل المزيد من الجهد والتقرب من الشيوخ للتعلم من مخزونهم المعلوماتي والتراثي والإفادة من خبرتهم ودرايتهم بخبايا هذا الطبع الغنائي القسنطيني، مفيدا أن الفن الأندلسي الكلاسيكي فن صعب ومتنوع ويحتاج الرعاية والبحث والتعلم المستمر حتى لا يضيع الموروث الذي حفظ شفويا ناصحا الشباب الذي يملك الصوت بالحفظ والممارسة ليكون تسليم المشعل عن جدارة وللفنان المرموق.
أمين بوكردوس: لا جديد فيما يخص كتابة القصائد
«أمين بوكردوس” رفيق الراحل الحاج محمد الطاهر الفرقاني وحفيده الذي كان دائم الحضور معه في تنقلاته الفنية قال لنا إن برحيل المايسترو، لم يعد هناك جديد في فن المالوف رغم أن وجود جيل كامل لا يزال يحافظ على الإرث الفني الذي تركه الحاج من أغاني وقصائد.
وقال بوكردوس في هذا الشأن انه لا يوجد هناك جديد فيما يخص كتابة قصائد وإنما تشهد الساحة الفنية إعادة أغاني الفرقاني، معبرا على أن غيابه لن يعوض أبدا رغم وجود من حمل المشعل ويجتهد من أجل الحفاظ على ما تبقى من شيوخ الطابع الأندلسي. عن إنشاء جمعيات فنية ومؤسسات ثقافية خاصة بمحبي المالوف قال محدثنا إنها أكثر من ضرورة لحماية هذا النوع الراقي من الفنون، مشيرا لأهمية إعادة بعث المهرجان الدولي للمالوف باعتباره ملتقى الفنانين التبادل الثقافي والفني والمساهمة في الحفاظ على الفن الأندلسي عموما والمالوف خصوصا، فضلا عن ضرورة تكثيف التظاهرات والملتقيات الثقافية التي تقلصت بصفة ملحوظة ما ساهم في ركود الفن والفنانين.
تأسف لحال المالوف
الفنان “فاتح روانة” من ولاية سكيكدة، أكد أن المالوف القسنطيني متواصل على درب الشيخ محمد الطاهر الفرقاني بوجود أصوات شابة حريصة على رفع المشعل في مقدمتهم حفيده “عدلان” صاحب الصوت الجميل بامتياز والذي صنع منه جده فنانا وملحنا وعازفا من الطراز الأول، فضلا عن ابنه سليم الفرقاني الذي عاش معه ونهل من فنه ونصائحه لمدة فاقت 48 سنة.
 ومن جهته، أضاف روانة إن المالوف بقسنطينة لا يزال حاضرا في ربوع الوطن لكن بولاية سكيكدة غاب عن الساحة الفنية بسبب نقص الإعلام والإشهار لهذا الفن الأصيل مشيدا بأهمية الجمعيات والمؤسسات الفنية والثقافية في تثمين هذا النوع من الطرب والتي تعتبر المنقذ الوحيد لإرث شيوخ المالوف وعلى رأسهم الحاج محمد الطاهر الفرقاني الذي ساهم كثيرا في تطويره والمحافظة عليه، كما تركه كبار شيوخ المالوف من قبل.