ترسيخ الخطاب الديني المعتدل الذي يكرس لمبادئ الشريعة السمحة والمرجعية الفقهية للجزائر هو المطلب الذي يقف وراءه الإعلام الديني في الجزائر الذي يعرف نسبة 98 بالمائة إنتاجا و98.20 بالمائة استهلاكا، هذا الواقع يعكس الإقبال الواسع لوسائل الإعلام المختلفة على المادة الدينية.
المأساة الوطنية التي كانت نتيجة اختلاط المفاهيم الدينية في التسعينات استوجبت إيجاد خطاب ديني جوهره المرجعية الدينية الفقهية للجزائر، هذه الضرورة جسدت في إذاعة القران الكريم التي انطلق بثها الأول في 1991 لاحتواء الفكر الديني وضمان عدم خروجه عن الوسطية والاعتدال في الدين، وتعريف المستمع بمبادئ الدين السمحة التي شرعها الله تعالى في كتابه العزيز والرسالة المحمدية وسنته الشريفة.
هذا الخطاب الديني قائم على الفهم الصحيح للدين، ولعل قانون المصالحة الوطنية، جاء في صميم هذا الفهم المبني على التسامح وتقبل الآخر والأخوة الإنسانية بمفهومها الواسع، وأكد الدكتور محمد عيسى وزير الشؤون الدينية والأوقاف أن إذاعة القران الكريم أصبحت بعد ثلاث وعشرين سنة من انطلاقها منارة تشع فكرا إسلاميا حضاريا تدعو من خلال خطابها إلى الوسطية والاعتدال وترسيخ معاني الوطن وحبه. خاصة وان الجزائر في فترة التسعينيات عرفت غزوا لمفاهيم دخيلة على الخطاب الديني الوسطي للمرجعية الفقهية لها، ما خلق أزمة مفاهيم حقيقية لدى الشباب والمهتمين بهذا النوع من الإعلام الديني الذي أصبح سلاحا حقيقيا لتصدير أفكار معينة قد تشكل مع مرور الزمن انحرافا في المفاهيم الدينية للشباب.
وفي تدخله أكد محمد بغداد أن الإعلام الديني على المستوى الإسلامي موجود في 1000 قناة عربية 10 منها تسيطر على 78 بالمائة من الإشهار ما يعني بلغة الأرقام وجود 100 مليون مدمن عليها سنويا، وبالتالي ـ حسب الدكتور محمد بغداد ـ لا بد من وضع إستراتيجية للإعلام الديني لان أهم خطر يحدق بالمجتمع هو مصادرة المرجعية الفقهية بتشويه المفاهيم الحقيقية لها، وأكد أن الإعلام الديني في الجزائر بحاجة إلى مراجعة على مستوى الشكل، الإنتاج وحتى الرسالة في حد ذاتها، لأنها أسوأ الرهانات المستقبلية لهذا النوع من الإعلام.
أما الدكتور يوسف مشرية الأمين العام لاتحاد دعاة وعلماء دول الساحل في تدخله، أن الجزائر ليست بمنأى عن المشاكل التي تعرفها الدول المجاورة خاصة في مالي ونيجيريا وليبيا، وأكد أن الحل في الإعلام الديني وما يحمله من خطاب معتدل يحمل كل معاني الاعتدال والتسامح والوسطية الذي نعرفه في المرجعية الفقهية للجزائر.
ونوه بخطاب المصالحة الوطنية في إذاعة القران الكريم والتي استمدت روحها من القرآن وسيرة المصطفى والذي أسس للأخوة الإيمانية التي نبذت العنف والخلاف وأخرج الجزائر من مأساة دموية أدخلت المجتمع في دوامة حقيقية بسبب الخلط الذي حصل على مستوى المفاهيم الدينية خاصة تلك الدخيلة على المرجعية الفقهية للجزائر، لذلك كانت المصالحة مثالا يحتذى به في كثير من البلدان العربية والإسلامية.