طباعة هذه الصفحة

مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى عبد الناصر فروانة لـ«الشعب”:

حملة تحريضية مهدت الأرضية للعدوان الإسرائيلي على غزة

اعتدنا على تضليل العدو للحقائق ومعاناتنا جزء من يومياتنا تحت الحصار الطويل والقصف الهمجي

خصّ مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في غزة عبد الناصر فروانة، جريدة “الشعب “بحوار تطرّق فيه إلى يوميات الشعب الفلسطيني في ظلّ العدوان الإسرائيلي على القطاع، وعكس من خلاله مدى فظاعة الجرائم التي يرتكبها العدو، معرّجا على حق المقاومة وقوة ضرباتها ومناشدا الأشقاء العرب الدعم والإسناد.

❊ الشعب: عدوان آخر على غزة وأهلها، هل كنتم تتوقعونه؟
❊❊ عبد الناصر فروانة: لقد اعتدنا على مرارة الحياة وهمومها وقسوتها في غزة، فالمعاناة أصبحت جزء من حياتنا اليومية في ظل الحصار والقمع والقصف بين الفينة والأخرى.
 وكنا نتوقع العدوان الإسرائيلي في كل لحظة، خاصة وأننا ندرك طبيعة عدونا ونعرف خصاله جيداً، فهو الذي لا يرحم ولم يتوان في استخدام أضخم الأسلحة وأكثرها دمارا ضد الناس العزل والأطفال الأبرياء والمواطنين المدنيين، إذ أنه قد سبق العدوان الغاشم حملة تحريض إسرائيلية ومن أعلى المستويات السياسية والعسكرية والأمنية ضد غزة وأبنائها بذريعة محاربة “الإرهاب” وردع حماس، في أعقاب اختفاء المستوطنين الثلاثة في الخليل، وكرد على المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وتشكيل حكومة الوفاق الوطني التي شكلت مؤخرا لتضع البداية نحو إنهاء الإنقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني، لهذا كنا نتوقعه، لكن صراحة ليس بهذا الحجم وبهذه الشراسة والفظاعة والإجرام .
 
❊ كيف يعيش سكان غزة العدوان وكيف يتعايشون معه ؟
❊❊ اعتادوا عليه، ولا حوله ولا قوة إلا بالله، وغزة التي لم يعد يخيفها أي شيء، لأنه جرب فيها كل شيء وهذا قدرها وأهلها امتلكوا من الخبرة والشجاعة ما يؤهلهم لمواجهته، فالمعنويات تبقى دائما عالية رغم القصف والدمار، لكن غزة حزينة لما أصابها والحياة اليومية صعبة للغاية، فغالبية السكان تلتزم بيوتها تتابع الأحداث عبر شاشات التلفاز أو عبر أثير الإذاعات المحلية وفقا لتوفر الكهرباء، وتحاول أن تقضي حاجتها وتصنع طعامها بما هو متوفر لديها أو في المحال القريبة والمجاورة منها، إذ يمنعها الخوف وشدة القصف من التجوال أو الذهاب بعيدا للأسواق، وتكاد تخلو الشوارع الرئيسية من المارة والسيارات، إلا من جنازات الشهداء وسيارات الإسعاف التي تنقل المصابين وبعض سيارات الصحافة، ومشافي غزة تتحول إلى مقابر لمئاتٍ من الجثث المختلفة والمجهولة الهوية التي يصعب التعرف عليها،  مشافي مليئة بأشلاء ممزقة ومتناثرة وغرفها مكتظة بمئات الجرحى والمصابين من كل الأعمار والأجناس، ولا تسمع سوى صراخ الثكالى وعويل الأرامل، وسيمفونية الأسى والعذاب، وإيقاع الخراب والدمار.
ولا تكاد تمر ساعة واحدة دون أن تسمع خلالها أصوات الإنفجارات الرهيبة، فيما أصوات طائرات الاستطلاع على مدار الساعة موجودة وقد تقصف هي الأخرى في أي لحظة، ودخان كثيف متسخ بلون الموت يتصاعد ليلا ونهاراً، وضباب أسود يأتي من كل ناحية نتيجة قصف البيوت وألسنة النيرات المتصاعدة منها، ورائحة البارود والغبار تفوح من كل صوب وناحية.

رائحة البارود، دويّ انفجارات، مشاهد الدمار

❊ رمضان والعدوان، كيف يتحقق التوازن ؟
❊❊ يا الله ما أصعب رمضان هذه الأيام وما أصعب أن تقضي يوم الصيام على مشاهد القتل والدمار وأصوات الإنفجارات، وتشم على مدار اليوم رائحة البارود والموت، ولا ترى سوى سحابات الدخان الأسود تتصاعد من بيوت المدنيين المدمرة، وتخشى الخروج من البيت حتى وإن كان ذلك للصلاة في المسجد، وأن تفطر رمضان في المساء على ذات المشاهد والأجواء وعلى أصوات مدافع البوارج البحرية بعدما غابت مدافع رمضان، وأن تتناول طعام الإفطار على أصوات طائرات F16 والأباتشي والاستطلاع وقصفها للمنازل بالقنابل الذكية والصواريخ القاتلة.
وتستمر ساعات الليل دون أن تشهد هدوء ولو لبرهة واحدة، وقبيل الفجر تتناول وجبة السحور على أنغام صواريخ الطائرات وقذائف البوارج الحربية.
ومع ذلك، يحاول السكان أن يحققوا التوازن فيما بين هذا وذاك، قدر الإمكان، فتجدهم يصومون، ويفطرون ويؤدون مناسك رمضان، ويقضون ساعات طويلة في الصلاة وقراءة القرآن والابتهال إلى الله بالدعاء بأن يفرج الله كربهم ويبعد عنهم شر اليهود.
ويصنعون المأكولات والحلويات والمشروبات التي اعتادوا عليها في هذا الشهر الفضيل رغم شحة الإمكانيات ومحدودية القدرات في ظل الانقطاع شبه الدائم للماء والكهرباء، ويؤدون الطقوس الدينية المفروضة في هذا الشهر الكريم، لكن الخوف من القصف المتواصل والحرص على التواجد بين أفراد الأسرة قد يحول من ذهاب الكثيرين إلى المساجد، فيضطر البعض لآدائها في بيته ومع أسرته وأطفاله الذين لا يحتملون ابتعاد رب الأسرة عنهم ولو لدقائق.
 
❊كيف تقيّمون رد حماس والمقاومة؟
❊❊ قلت لك أن غزة هي ليست كلها حماس، وغزة كوكتيل من الشعب الفلسطيني وقواه المختلفة، ومن الظلم للآخرين أن ينسب كل ما يجري في غزة من رد ومقاومة لحماس فقط، فكل الفصائل الوطنية والإسلامية تشارك وفقا لإمكانيات كل طرف في الرد، وهناك الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية ولجان المقاومة الشعبية والجبهة الديمقراطية وفتح وغيرها، وكلها موحدة حول خيار المقاومة ومواجهة العدوان الإسرائيلي الغاشم، وأرى اليوم غزة، وعلى اختلاف محافظاتها وتوجهات أبنائها، هي وحدة جغرافية وديمغرافية واحدة لا يمكن تقسيمها، وأهلها جزء لا يتجزأ من شعب فلسطين العريق الذي لا يمكن تجزئته، مع ضرورة التأكيد على أن حماس هي العنصر الأساسي وهي الحاكمة والمسيطرة على القطاع وهي من تمتلك القدرات الأكبر والأدوات القتالية الأوسع ولديها القوة الأكثر تاثيراً، وأعتقد أن رد حماس ورد فصائل المقاومة مجتمعة حتى اللحظة يطمئن، إذ خلقوا حالة توازن الرعب مع العدو، وأخرجوا الكثير من المفاجآت.
 
❊ كثيرون يصرون على تحميل حماس وحركات المقاومة المسؤولية ويقولون أن إطلاق صواريخها على إسرائيل استغلت في هذا العدوان؟ 
❊❊ غزة لم تبدأ المعركة، بل إسرائيل هي من بدأت العدوان وتحاول عبر ماكينتها الإعلامية وروايتها المضللة أن تبين للعالم أجمع أن التصعيد قد فرض عليها وأنها ضحية الصواريخ التي تطلق من قبل فصائل المقاومة في غزة، وتحاول الدفاع عن نفسها.
فغزة هي ضحية العدوان الإسرائيلي وضحية مئات الأطنان من المتفجرات المدمرة والصواريخ الموجهة التي ألقيت خلال الأيام الأربعة الماضية من الطائرات الحربية الإسرائيلية، واسرائيل تتحمل مسؤولية ما لحق بغزة من دمار وما سقط من شهداء وجرحى، وما صواريخ المقاومة إلا ردا على هذا العدوان لخلق حالة من توازن الرعب.

❊ في أي وقت بالتحديد يكثف العدو غاراته؟
❊❊ لا وقت محدد للقصف، فالغارات الإسرائيلية مستمرة ليلا ونهاراً، جواً وبحراً وبراً،  وأصوات قصف الطائرات ومدافع الدبابات والبوارج البحرية لم تهدأ أو تصمت لبرهة حتى في ساعات متأخرة من الليل.

عدالة قضيتنا الفلسطينية سلاحنا الفتاك

❊ أين يختبئ  الغزاويون خلال القصف؟
❊❊ هذا هو الشعب الذي وصفه الشهيد الراحل أبو عمار بشعب الجبارين، الذي تسلح بعدالة القضية وإصرار لا يلين وعزيمة لا تعرف الهزيمة، وصدقوني لو لم نتجرع المرارة والمعاناة على درجات منذ عقود وسنوات،  لوجدتم اليوم مليون ونصف المليون مواطن وما يزيد في عداد الموتى خوفا من أصوات الإنفجارات ومن هول الصدمة وفظاعة الجريمة ومشاهد القتل والدماء .. لكن هم هكذا الغزاويون الأعجوبة التي لا تموت، ولن تموت رغم افتقارها للملاجئ وللأمكنة المحصنة من قاذفات البوارج البحرية وصواريخ الطائرات الحربية ومئات الأطنان من المتفجرات، ولكن هو شعب الجبارين الذي آمن بالله حاميا وناصرا له،  حماك الله ياغزة.
   
❊ماذا ينتظر الفلسطينيون من العرب؟
❊❊ ينتظرون الكثير وأوجه الدعم والإسناد يعرفها الجميع .. فغزة اليوم لا تنزف الدم وإنما تتبرع بالدم لمن ليس لديهم دم في الأمتين العربية والإسلامية، لعلهم يفيقون من سباتهم ويتخلون عن صمتهم المطبق، لكنها ـ أي غزة - تقدر وتحترم كل من وقف بجانبها على مر العصور ومن ساندوها وساندوا القضية الفلسطينية عبر العقود والسنوات الماضية، وكل من رفع صوته في وجه العدوان وتثق بأن هؤلاء لن يتخلوا عنها في أزمتها الحالية وسيكونوا لها سندا للخروج من محنتها..
غزة ودون شك هي بأمس الحاجة اليوم لوقفة العواصم العربية والإسلامية، وأهلها بحاجة إلى مساندة إخوانهم وأشقائهم العرب والمسلمين، وهي تستصرخ كافة الضمائر الحية وكما قال الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”.
 
❊ كيف تتوقعون تطور الأحداث ؟
❊❊ أعتقد أن الأوضاع صعبة للغاية وأن الأحداث تسير نحو التصعيد أكثر من قبل الاحتلال انتقاما لصمود غزة، ولمفاجآت المقاومة في غزة، وردود غزة التي أبهرت الاحتلال، وبالتالي قد تشهد الساعات القادمة والأيام القليلة القادمة تصعيدا إسرائيليا بحق غزة ومزيدا من القصف والدمار، ولكن بتقديري هذا لن يدوم طويلا لأن إسرائيل وسكانها لا يمكنهم تحمل المزيد من ضربات المقاومة التي أوجعتهم، كما ولا يمكنهم تحمل بقاء كافة المناطق الإسرائيلية تحت مرمى صواريخ المقاومة واستمرار وجود الملايين مختبئين في الملاجئ، ولا خيار أمام غزة ومقاومتها سوى الصمود والمواجهة واستمرار ضرباتها.