يقوم تطوير وازدهار قطاع السياحة في الجزائر على تشجيع وإعطاء الكثير من الاهتمام للحرف والصناعات التقليدية، كونها تشكل مجالا داعما للاقتصاد الوطني، يحتاج اليوم لسوق تفتح لأصحاب المهن فرصا للتعريف بمنتوجاتهم وتسويقها، وتمثيل وجهة الجزائر وتراثها على أحسن وجه.
الى جانب الشق الاقتصادي تعتبر الصناعات التقليدية والحرف، مجالا يمكن من خلاله امتصاص البطالة من خلال إنشاء المؤسسات المصغرة والناشئة، كما يعتبر أيضا ملاذا للمتقاعدين الذي يعودون إلى الواجهة عبر تعلمهم لحرف جديدة أو رجوعهم إلى مهن تعلموها في الصغر أو توارثوها عن الآباء والأجداد. «الشعب ويكاند» وقفت على عينات لحرفيين وحكاياتهم مع الحرفة ومشاكلها التي يحاولون التغلب عليها بفضل شغفهم وحبهم لما تجيد به أناملهم.
كثيرون هم الحرفيون والحرفيات الذين قاموا مؤخرا باقتحام مجال الصناعات التقليدية من خلال إنشاء مشاغل خاصة في البيت لصنع منتجاتهم في الحياكة والنحت والخزف والحلي والرسم وغيرها، أو بفتح مؤسسات صغيرة أو ناشئة يحاولون من خلالها فرض أسمائهم ومنتوجاتهم في السوق من خلال المشاركة في المعارض المختلفة.
قوسم، حرفية في عمر 72 كبات الصوف تلهم مخيلتي
تبدع السيدة قوسم في حياكة الصوف بلمسات فنية متناسقة الألوان ومضبوطة الأشكال تصنعها أناملها بدقة بالرغم من ثقل العمر وتعب السنين. تصنع قوسم صاحبة 72 سنة من خيوط الصوف قفازات وجوارب للكبار والصغار وأحذية منزلية تقي الأرجل برد وقسوة الشتاء. كما تحيك أوشحة للرجال والنساء وبلوزات جميلة تزينها شرائط ورسومات متناسقة، وكثير من الأشياء الجميلة الأخرى التي تستعمل للزينة والديكور. ولم تنس قوسم القطط بل حاكت لها هي الأخرى أغطية وأفرشه صوف دافئة.
حياكة الصوف «بالكروشيه» أو بالإبر الطويلة هي حرفة تعلمتها قوسم عن أمها التي ورثتها هي الأخرى عن والدتها وجدتها، بحكم النشأة في عائلة حرفية بامتياز انتقلت فيها صنعة الحرف التقليدية من جيل لآخر. واليوم وبعد الإحالة على التقاعد عادت إليها بقوة لتجعل منها حرفة تملأ بها أوقات الفراغ وتساعدها على كسب بعض المال.
ولم تكتف قوسم بما تعلمته من والدتها، بل ذهبت تبحث على صفحات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي عن الجديد في مجال حياكة الصوف فتعلمت عددا جديدا من الموديلات وأصبحت تحيك إضافة إلى ما سبق ذكره، اللعب والإكسسوارات والحقائب.
وحين تتاح لها الفرصة تقوم الحرفية بعرض منتجاتها الجميلة للجمهور إضافة إلى عدتها المتكونة من عدد كبير من الكروشيه من مختلف الأحجام وتفصح لمن يسألها من أين تأتي بفكرة موديلاتها، بالقول: «أن كبات الصوف المختلفة الألوان والأنواع هي من تلهمها و تعطيها الكثير من الأفكار فتقوم بتجسيدها وحياكتها».
وإن كان بحثها عن الجديد في التفاصيل وعن الموديلات والأفكار يبقى متواصلا، فقد انتمت قوسم إلى مجموعة سندباد، التي تجمع الكثير من المتقاعدين، من بينهم عدد من الحرفيين والحرفيات، ينظمون زيارات وجولات سياحية، تشارك فيها قوسم بفضل عائدات حياكتها للصوف.
عصاميون رفعوا التحدّي «حلي البحر» شغف زوجين بالفن والأصداف
جعلت من أصداف البحر وقطع المرجان ومعدن الفضة حليا وديكورات رقيقة وراقية، أضفت عليها لمستها الفنية وشغفها وشغف زوجها بالبحر. فكرة بدأت عند زوجها الغطاس لتتبناها هي وتكرس لها كل أوقات فراغها وانتقلت بها من إنسانة شغوفة إلى حرفية متمرسة وعارضة اليوم لمنتوجها بكل فخر واعتزاز.
«حلي البحر الجزائر اميكا» هو الاسم الذي اختارته خديجة لمؤسستها الحرفية الصغيرة، التي تعرض منذ سنين الكثير من الحلي والإكسسوارات المصنوعة من الأصداف والفضة وبعد قطع المرجان والأحجار نصف-الكريمة.
تقتني خديجة مادتها الأولية من أصداف وأحجار ومرجان مما يحصله زوجها بعد كل عملية غطس في الأعماق وأيضا مما تجمعه هي خلال جولاتها الطويلة على الشاطئ.
بدأت القصة منذ 7 سنوات مع شغف زوجها بالبحر والغطس وكانت هي مولعة بالأشغال اليدوية، فقررا يوما أن ينطلقا في الاشتغال على تحف فنية وحلي جميلة تجمع حبهما للبحر والأصداف، فبدأ ببعض أدوات الزينة المنزلية ثم اختبرا صناعة الحلي فكانت أقراط وأساور خديجة الأرضية لأولى للموديلات.
حرفة خديجة المبنية على القواقع والصدف، بدأت تجد طريقها إلى الجمهور الجزائري، بعد الزبائن الأجانب، بحسب ما صرحت به «مشيرة أن الجزائريين والجزائريات خاصة يملكون ذوقا رفيعا ومميزا».
موسى حرفي- بناء يعاني من البيروقراطية
الحجر الطبيعي زينة البناء المعماري
موسى حرفي بناء من مدينة بجاية انتقل منذ 12 سنة إلى وهران حيث اكتشف بالعمل مع الأتراك حرفة الديكور المعماري باستعمال الحجر الطبيعي، التي تعلم تقنياتها وقام بتخزين كمية لا بأس بها من الأحجار من كل الأحجام والألوان، جمعها من عدة مناطق في الصحراء مثل بشار وادرار والنعامة والأغواط وغيرها. وانطلق في العمل في الحرفة الجديدة مشيدا بالحجارة الطبيعية الكثير من واجهات المنازل، وأرضيات الحدائق، وجدران المسابح والمواقد والمطابخ.
ومن العراقيل التي تواجه هذه الحرفة بحسب موسى، نقص الزبائن لأن المادة الأولية غالية جدا وتحتاج من يمتهنها إلى دعم لتطويرها وتعميم استعمالها كون الديكور بالحجارة الطبيعية يوفر ظروفا صحية للسكان. ويعاني هذا الحرفي بالذات بحسب تصريحاته من بيروقراطية وعراقيل إدارية التي أوقفت الملف الذي قدمه من أجل إنشاء مؤسسته المصغرة دون أن يعطى له سببا مقنعا لذلك.
التسويق وغلاء المادة الأولية أكبر عائق
يعتبر مشكل التسويق العائق الأكبر في وجه الحرفيين لاسيما مع المنافسة الشديدة وغزو المنتجات المستوردة «الرخيصة» الثمن، في غياب فضاءات تسمح لهم بعرض وبيع أعمالهم. لا ينكر أحد آليات الدعم والمساعدة التي تقدمها وزارة السياحة والصناعات التقليدية والعمل العائلي من خلال مديرياتها الولائية ومن خلال غرف الصناعات التقليدية وغيرها، لكن يبقى كثير من أصحاب المهن يبحث عن من يأخذ بيده في عملية التعريف بمنتوجه ومساعدته على تسويقها.
وقد أصبح كثيرون يلجأون لمواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية للتعريف بأعمالهم وبيع منتوجاتهم. ومن بين الهواجس الكبيرة التي تعيق الكثير من المشاريع غلاء وقلة الكثير من المواد الأولية وانعدام مقرات تمكن الحرفيين من مزاولة صنعتهم وتعليمها لغيرهم حتى تحفظ من الزوال والاندثار.
جمعية فن وأصالة رفيقة حرفيي العاصمة
وعلى صعيد آخر، كشفت نبيلة فخارجي، رئيسة جمعية فن وأصالة أن جمعيتها ذات الطابع الثقافي والاجتماعي، التي تأسست بتاريخ 2 أوت 2018 هي رفيق الحرفيين والصناع، حيث تهدف، تقول: «للحفاظ على الموروث الثقافي الجزائري العاصمي»، مضيفة أن فكرة تأسيسها جاءت بعد أن شاركت في عدة معارض بصفتها حرفية في صناعة الحلويات التقليدية ولاحظت أن هناك نقص في التنظيم».
وذكرت فخارجي أن من أهم أهداف الجمعية: «حماية وتعزيز الموروث الثقافي المادي واللامادي، الحفاظ على الحرف والصناعة التقليدية والمساهمة في الترويج لها عن طريق تنظيم معارض محليا ودوليا وأيضا تنظيم دورات تكوينية ودعم الطاقات الفنية الواعدة خاصة فئة الشباب».
وشددت في سياق حديثها على أهم العراقيل التي يواجهها أغلبية الحرفيين والمتمثلة في قلة وغلاء المادة الأولية، عدم وجود مكان للعمل (ورشة ) فمعظمهم يشتغلون في بيوتهم ويجدون صعوبة في تسويق منتوجاتهم خاصة في الظروف الحالية (كوفيد 19) مع انعدام مراكز تجارية مخصصة للصناعة التقليدية»..
وأشارت نبيلة فخارجي أن «بعض الحرف قد اندثرت أو بقي القليل منها مثل حرفة الشبكة، الفتلة، المنسوج، صناعة الآلات الموسيقية التقليدية مثل الرباب والآلات الإيقاعية مثل الدربوكة، الطار والتي أصبحنا اليوم نستوردها للأسف الشديد».
« راد آر » منصة للتسويق
تعنى « RED ART «، وهي منصة رقمية، بسوق الفن والصناعات التقليدية والحرف قام بتأسيسها حراث محمد رضا، مؤسس ومدير شركة ناشئة، تحمل نفس الاسم وهو أيضا طالب سنة سادسة صيدلة. بدأ حراث محمد رضا، «في تجسيد الفكرة ميدانيا في شهر نوفمبر 2020، حيث طرح فكرة المشروع وأهدافه و لقي اهتماما كبيرا من طرف الحرفيين والفنانين وأيضا باقي الجزائريين».
وتعد هذه المنصة، يقول: «مساحة تقدم الحلول للعديد من المشاكل التي يعاني منها العاملون في هذا المجال، أهمها مشكلة التسويق حيث يقدم مشروعنا الحلول من خلال منصة إلكترونيه تحتوي على متاجر إلكترونية خاصة بالأعضاء حيث يعرضون منتجاتهم وخدماتهم بكل سهوله ليجدها الزبون».
وتنظم المنصة إلى أقسام مختلفة، فيقوم الحرفي أو الفنان بالطلب فقط خلال بضع دقائق بالهاتف أو الحاسوب ليصله المنتج في اليوم الموالي أو الذي بعده بحسب المسافة بين الحرفي والزبون. ويسهر على عملية التسويق الالكترونية، يضيف حراث محمد رضا: «فريق مختص حاليا بصدد بناء سوق وطنيه إلكترونية خاصة بالمنتجات والخدمات الجزائرية،»، كما يسعى «لاحقا إلى العمل على تصدير هذه المنتجات والتعريف بتنوع ثقافتنا من خلال هذه المنتجات خاصة التقليدية منها».
ومن بين الخدمات الأخرى التي تقدمها المنصة بحسب مؤسسها «مرافقة الأعضاء المنتسبين من حرفيين وفنانين وتعليمهم طريقة التصوير ووصف المنتج واختيار سعره وغيرها من الأساسيات للعرض الجيد وإعطاء أفضل صورة للإنتاج الجزائري».
تقوم أيضا المنصة بالمشاركة في مختلف المعارض والتظاهرات الثقافية في مختلف الولايات، حيث شاركت في العديد من المعارض ونظمت أول معرض في ولاية تلمسان المعروفة بتاريخها الثقافي.
وتعزم المؤسسة الناشئة، يقول رئيسها «إلى الانتقال إلى مرحلة تنظيم دورات تكوينية و تعليمية للمهتمين بهذا المجال بهدف المحافظة على مختلف الصناعات خاصة التقليدية منها، والعمل على نقلها إلى الجيل الصاعد وأيضا لزيادة نسبة العمل والإنتاج المحلي».
ومن بين العوائق التي تصادف الحرفيين «عدم توفر المواد الأولية التي يحتاجونها، غلاء الأسعار المتوفرة منها، وأيضا صعوبة الاستيراد وكثرة الإجراءات القانونية التعجيزية التي تكلف عند الاستيراد والرسوم الجبائية، الأمر الذي ينعكس سلبا على أسعار المنتجات وبالتالي يجد الحرفي صعوبة في بيعه بسبب ارتفاع الكلفة من جهة وضعف القدرة الشرائية للمواطن من الجهة الأخرى».
فمن بين الحلول التي نتمنى تجسيدها، يضيف: « تسهيل استيراد المواد الأولية بضرائب أقل، وأيضا العمل على دعم المشاريع المصغرة فعليا لمن يستحق ذلك». وعن شرعية البيع الالكتروني قال حراث محمد رضا إنه: «يتم تسيير السوق قانونيا حيث تم تشريع التجارة الالكترونية وتم إعطاؤها إطارا قانونيا مثلها مثل باقي النشاطات».