للشّبــاب والمجتمـــع المـــدني دور في تحقيـــق الهــدف
أكّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أنّ الانتخابات المحلية فرصة للشّعب الجزائري من أجل «إحداث التّغيير» في البلاد، مبرزا دور عنصر الشباب والمجتمع في تحقيق هذا الهدف.
قال الرّئيس تبون خلال لقائه الدّوري مع ممثّلي وسائل الإعلام الوطنية بثّ مساء الجمعة: «أتمنّى أن تكون هناك مشاركة من طرف المواطنين في هذه الانتخابات»، لافتا أنّه «ربما الإنتخابات التّشريعية لا تهم الكثير من المواطنين ونسبة المشاركة فيها ضعيفة، حتى على المستوى العالمي، لكن المحليات متعلّقة بمن يسير يوميات المواطن» في إشارة إلى قرب المواطن من المنتخب المحلي.
وأوضح رئيس الجمهورية أنّ الشّعب «إذا أراد التّغيير فليقم بذلك بنفسه» من خلال هذا الاستحقاق و»ليس هناك فرصة أخرى»، مضيفا أنّ الطّريقة المعتمدة في إحداث التّغيير المنشود مبنية على معايير «النّزاهة في اختيار المترشّحين، ودون مال فاسد وبعنصر الشباب المزوّد بأفكار جديدة تصب في إطار تحريك هذه البلديات والقيام بإصلاحات تكون امتدادا للقرارات المتخذة على المستوى الوطني، على أن تطبق في البلديات ويكون لها تأثير على يوميات المواطن».
وفي سياق متصل، بنشاط البلديات والمنتخبين، أكّد الرّئيس أنّه سيكون هناك «تغيير جذري في قانون تسيير البلديات»، مبرزا ضرورة «إعطاء صلاحيات أوسع للمنتخبين»، موضّحا أنّ «الصّلاحيات بدون إمكانيات لن يكون لها معنى»، مشيرا إلى «ضرورة إعطاء الإمكانيات اللازمة للمنتخبين»، وهو ما يتطلّب - مثلما قال - «مراجعة قانون الضرائب».
وقال الرّئيس تبون إنّه «بعد انتخابات المجالس البلدية والولائية، سندخل في إصلاح كل ما هو اجتماعي واقتصادي، وإعادة بناء الأسس الاجتماعية والاقتصادية للدولة» بهدف إرساء «دولة عصرية».
وقال إنّه «فضّل ترك هذه الخطوة إلى حين (بعد الانتخابات المحلية) حتى يستكمل البناء المؤسّساتي وتكون مؤسّسات نزيهة وذات مصداقية تتطرّق إلى أمور جوهرية تتعلق بمستقبل البلاد»، وعلى سبيل المثال - كما أضاف - «سياسية التكفل والدعم الاجتماعي».
مراجعة قانوني البلدية والولاية
أعلن رئيس الجمهورية عن فتح ورشات لمراجعة قانوني البلدية والولاية بداية من العام الداخل لمنح صلاحيات أكثر للمنتخبين المحليّين وامكانيات تمكنهم من الالتزام بتعهّداتهم أمام المواطنين الذين اختاروهم لتسيير شؤونهم اليومية.
أوضح الرّئيس تبون، أنّه «حان الوقت لتتخلّى الدولة عن بعض الصّلاحيات المركزية وتمنحها للمنتخبين المحليّين»، كاشفا عن فتح ورشات لمراجعة قانوني البلدية والولاية خلال العام الداخل لـ «إحداث تغيير جذري في تسيير البلديات التي هي «الخلية الأساسية» في الجمهورية الجديدة»، مؤكّدا أنّ الغرض من المراجعة هو إعطاء صلاحيات أوسع للمنتخبين، وتوفير امكانيات مالية أكثر لهم لتمكينهم من الالتزام بما تعهّدوا به.
واعتبر بهذا الخصوص أنّه من غير المعقول أن يكون هناك «قانون واحد» يسيّر كل البلديات باختلاف صلاحياتها وامكانياتها المادية، مشيرا إلى أنّه من ضمن 1541 بلدية «900 منها فقيرة تعيش من إعانات الدولة، وأغلب المشاريع المنجزة فيها مموّلة من الخزينة العمومية» ممّا يتطلّب، كذلك مراجعة النّظام الضّريبي.
وأضاف في هذا السياق، أنّ تصرّفات وتراكمات الماضي «حملت البلديات الفقيرة ثقلا كبيرا»، ويجب على الدولة تخفيف الوطء عليها.
إحصائيات دقيقة حول المداخيل
على صعيد آخر، أكّد الرّئيس تبون أنّ مراجعة الدعم الاجتماعي ستمر عبر نقاش وطني موسّع، وأنّ رفع الدّعم لن يمس سوى ثلث المواطنين من أصحاب الدخل «العالي جدّا». وقال إنّ «مراجعة التّكفّل الاجتماعي لا بد أن تتم عبر نقاش وطني»، مضيفا بأنّ آليات هذه المراجعة «لم تضبط بعد ولم يتم بعد تحديد الكيفية والأهداف والمعنيّين بها».
وأقرّ الرّئيس بأنّ الإصلاح يقتضي الوصول إلى مستوى معيّن من الرّقمنة مع توفّر احصائيات دقيقة حول المداخيل قصد تصنيف الفئات الفقيرة والمتوسطة والغنية، في الوقت الذي تعد فيه الإحصائيات في هذا المجال «غير دقيقة» حاليا.
وأكّد أنّه سيتم إشراك النّقابات في النّقاش الوطني الذي سيفتح حول الدعم الاجتماعي، التي كرّسها قانون المالية 2022، متسائلا: «إذا لم تناقش النقابة هذا الملف، فماذا ستناقش؟».
وعلى هذا الأساس، فإنّ مراجعة الدعم الاجتماعي لا تعني بأي حال من الأحوال رفعه عن مستحقّيه، حسب الرّئيس الذي أكّد أنّ «التّكفّل الاجتماعي في الجزائر سيستمر إلى أن يرث الله الأرض و من عليها. وهذا وفاء لشهدائنا الأبرار ووفاء لإعلان أول نوفمبر 1954 ببناء دولة اجتماعية ديمقراطية».
وحول سبب فشل المحاولات السّابقة لإصلاح الدعم الاجتماعي طيلة السنوات الماضية، اعتبر الرّئيس تبون أنّ سبب الفشل هو «الارتجال الكبير» الذي ميّز هذا المسعى في السابق، متأسّفا للنّقاشات التي طبعت السّاحة الإعلامية حول موضوع مراجعة السياسة الاجتماعية للبلاد، والتي «ربما استغلّت زلّة لسان لمسؤول أو مجموعة مسؤولين»، معتبرا أنّ مثل هذا النّقاش «ليس في وقته».
الأولوية للمستثمرين المحليّين
كما أكّد الرّئيس، أنّ سياسة الاستثمار بالجزائر تراعي حاجيات البلاد، مبرزا أنّ الأولوية للمستثمرين المحليّين. وقال: «الاستثمار بالجزائر يجب أن يكون حسب حاجة البلاد والأولوية تعطى للمتعاملين المحليّين».
وأشار إلى وجود «مستثمرين جزائريّين يحوزون على رؤوس أموال معتبرة، لكن هناك من ذهب للاستثمار في دول أخرى، حيث ينشئ قيمة مضافة ومناصب عمل بأموال جزائرية».
وحول تكليف مدير الديوان برئاسة الجمهورية بمتابعة مشاريع التنمية، ذكر الرئيس بأنّ الملف الاقتصادي جزء من برنامجه الذي تطبّقه الحكومة، مشيرا إلى أن «أغلب المواطنين متّفقون على أنّ القرارات صائبة، لكنها لا تطبق». وأضاف: «هناك أطراف تعرقل وتقف في وجه هذه القرارات».
وأبرز أنّه يجب مراقبة تطبيق القرارات التي يتّخذها، وأنّ هذه المراقبة أدّت إلى تنحية ولاة ووزراء، مضيفا أنّ التّعديل الوزاري الأخير جاء لهذا السبب (عدم تطبيق القرارات).
وأوضح أنّ تعدّد المؤسّسات الرّقابية، على غرار وسيط الجمهورية، الهدف منها هو تشديد الرقابة على تسيير المال العام.
منحة البطالة تقارب الأجر الأدنى المضمون
كشف الرّئيس أنّ القيمة المالية لمنحة البطالة التي تم استحداثها بموجب قانون المالية 2022 «تقارب» الأجر الوطني الأدنى المضمون، ويستفيد منها البطال إلى غاية حصوله على منصب شغل.
وأوضح الرئيس، أنّه «لابد من التكفل بالبطالين»، ولذلك وضعت الدولة «منحة البطالة وهي قريبة من الأجر الوطني الأدنى المضمون، وسيبقى البطال يستفيد منها إلى غاية حصوله على منصب شغل».
وأوضح أنّ صرف هذه المنحة «يتطلّب آليات ورقابة» حتى يستفيد منها البطّالون الحقيقيّون.
«مفتّشية» لمراقبة نشاط المسؤولين
من جانب آخر، أعلن الرّئيس، عن استحداث «مفتّشية عامّة» تابعة لرئاسة الجمهورية تتولّى مراقبة نشاط المسؤولين، موضّحا أنّ «الغاية التي سنتوصّل إليها إن شاء الله تتمثّل في استحداث مفتشية عامة تابعة لرئاسة الجمهورية» تتولّى مراقبة عمل ونشاط المسؤولين، بحيث «لا يدري أي مسؤول متى تقصده هذه المفتّشية».
وعن وجود هذه المفتّشية على مستوى الوزارة الأولى سنة 2017، ردّ الرّئيس تبون أنّ «تنحيته» من منصبه كوزير أول في تلك الفترة «كان بسبب هذه المفتّشية» حيث كانت مرفوضة آنذاك».
وتابع أنّه سيتم «تفعيل» هذه الهيئة على مستوى رئاسة الجمهورية، غير أنّه أكّد أنّ الأمر يستدعي سن نصوص تنظيمية.
وفي حديثه عن دور ونشاط هذه المفتشية، قال إنّه على سبيل المثال سيتم إيفاد مفتّشين إلى ولاية ما، حيث سيكون لهم اتّصال بكل فئات المجتمع من طلبة وبطالين وغيرهم، وسيتحرّون عن كيفية تسيير هذه الولاية، وعن مسائل أخرى متعلّقة بمدى تطبيق القوانين والقرارات على المستوى المحلي.
وذكر رئيس الجمهورية في هذا الإطار، بأنّه «ليس هناك مجلس وزاري لم تتّخذ فيه قرارات اجتماعية تعالج خللا داخل المجتمع»، مستدلا بأنّه تمّ منذ 5 أو 6 أشهر اتخاذ قرار استحداث مدرسة عليا لتعليم الصم والبكم»، وهو المشروع الذي، كما قال، «لم يجسّد لحد الآن»، مشيرا إلى أنّه قدّم «ملاحظة للوزير المعني حول ذلك».
كما أشار إلى المنحة الموجّهة لسلك الصحة في إطار تسيير أزمة جائحة كورونا، والتي بالرغم من تمّ إقرارها لصالح سائقي سيارات الإسعاف والممرّضين وصولا إلى الأطباء، إلاّ أنّها لم تصب في وقتها لمستحقّيها في بعض المؤسّسات الاستشفائية.
وفي ردّه على سؤال حول ما إذا كان التعديل الوزاري الجزئي الأخير يندرج في هذا الإطار، أجاب الرئيس تبون بالإيجاب، مشيرا إلى أنّه «ليس هناك تعديل وزاري يتم على حساب أشخاص (..) والولاء ينبغي أن يكون للوطن والشّعب».
القمّة العربية يجب أن تكون جامعة
في شق آخر، أكّد الرّئيس عبد المجيد تبون، أنّ الجزائر دولة تجمع الفرقاء، في إشارة إلى مشاركة سوريا في القمّة العربية القادمة التي ستحتضنها الجزائر في مارس 2022، مشدّدا على ضرورة أن يكون هذا اللّقاء جامعا.
وقال تبون: «لما ننظّم قمة عربية يجب تكون قمّة جامعة، ومن المفروض أن تكون سوريا حاضرة. أتمنى أن يمثل هذا الموعد انطلاقة جديدة للعالم العربي لأنّه ممزّق، أتمنى أن يكون اجتماعا شاملا»، مضيفا أنّ «الجزائر لا تكرّس التفرقة بين العرب، فنحن دولة نجمع الفرقاء، في إفريقيا، في العالم العربي، وحتى في أوروبا والبلقان».
ولدى تطرّقه لملف إصلاح الجامعة العربية، أشار رئيس الجمهورية أنّ الأخيرة «لم تتغيّر منذ 1948». وتابع يقول: «كل المنظّمات تغيّرت، بما فيها الأمم المتحدة التي كانت عصبة الأمم والاتحاد الافريقي (منظمة الوحدة الافريقية سابقا)، والتي أصبحت تسير حاليا بقرارات تنظيم داخلي ناجعة، إلا الجامعة العربية».
وختم الرّئيس قائلا: «علاقاتنا أولا متوسّطية، مغاربية وعربية. علاقاتنا بالدول المسلمة كلّها طيّبة، إلا من يريد معاداتنا، فالجزائر لا تعادي أحدا».
الدّبلوماسية مرآة الجهود المبذولة
أكّد الرئيس، أنّ الدّبلوماسية الجزائرية ستكون «مرآة» تعكس واقع الجزائر والجهود المبذولة على كل المستويات، مفيدا أنّ «الكثير يجهل اليوم واقع الجزائر سواء في الداخل أو الخارج، ولا ينقل الإعلام، لا سيما الغربي، الإيجابيات التي تعرفها الجزائر بل يتم التركيز على السّلبيات».
وذكر الرّئيس تبون بأنّ «عديد الأطراف في الداخل والخارج تجهل أن الجزائر تمتلك شبكة طرق ضخمة، وأكثر من 75 سدّا مبنيا وأخرى في طور الانجاز، كما أنّ الكثير يجهل أنّ 12 مليون تلميذ يزاولون تعليمهم على حساب ميزانية الدولة، ولا أحد يعرف أن هناك اكثر من 100 مركز جامعي و12 مدرسة عليا».
واستطرد يقول إنّ «ما ينقل عن الجزائر، إلا السلبيات كأخبار عن اعتقال أو سجن بعض الأشخاص»، مبرزا أنّه «إذا ما قورنت الجزائر بمحيطها في المنطقة، فإنها حقّقت الكثير من الانجازات»، مضيفا أنّ «الانتصارات التي حقّقها الشّعب وإطارات الدولة في العديد من المجالات لا سيما الصحية لا يتم الاشارة إليها»، مستشهدا بتمكن «إطارات الدولة من احتواء فيروس كورونا وتخفيض نسب الاصابة به، في وقت لازالت دول عظمى اليوم تسجّل آلاف الحالات يوميا».
وعليه، لفت الرّئيس إلى وجود تعتيم إعلامي عن التطورات الايجابية التي تشهدها الجزائر، وحتى وسائل الاعلام الغربية لا تتطرّق - كما قال - «أبدا إلى التجارب الناجحة للجزائريّين في مختلف المجالات بل يتم إيصال السلبيات فقط».
ويأتي هذا، كما أوضح «في وقت يتجاهل فيه نفس الاعلام دولا اخرى تعاني شعوبها من القهر والجوع، ولا يتم التحدث عن أوضاعها الداخلية أبدا، وهو ما يؤكد وجود خطة لتركيع الجزائر».
وذكر أنّ المشاكل الكبرى التي عرفت تدخّل الدبلوماسية الجزائرية، حلّت بفضل اتباعها مبدأ السرية في التعامل معها، مؤكّدا على أن «الدبلوماسية الجزائرية ستعتمد اليوم سياسة الند للند، فمن هاجمنا نهاجمه ولا نبقى في موقف المتفرّج مهما كانت طبيعة الخصم».
التّعامل «النّد للنّد»
على صعيد آخر، أكّد الرّئيس، أنّ العلاقات الجزائرية الفرنسية يجب أن تعود إلى مجراها الطبيعي من خلال التعامل «الند للند»، مشيرا إلى أنّه «يجب أن تعود العلاقات مع فرنسا إلى طبيعتها، لكن بشروط. يجب أن يفهم الطرف الآخر أنّ النّد للنّد ليس استفزازا له، وإنما صيانة سيادة وطن استشهد من أجله 5 ملايين و630 ألف شهيد منذ 1830 إلى 1962».
وشدّد الرّئيس على ضرورة أن تتغيّر التعاملات بين البلدين، وتكون في إطار «الند للند»، مضيفا أنّ الجزائر «لا تقبل أن يفرض أي شيء عليها»، وأن إقامة علاقات بين الطرفين لا يعني «أن ندخل تحت حماية فرنسا».
وتأسّف رئيس الجمهورية، لتهديد وزير من الكيان الصّهيوني لبلد عربي (الجزائر) من بلد عربي آخر (المغرب)، معتبرا ذلك «خزيا وعارا».
وقال الرئيس تبون: «لأوّل مرة منذ 1948، وزير من هذا الكيان يزور بلدا عربيا ويهدد بلدا عربيا آخر، هذا خزي وعار».