طباعة هذه الصفحة

صـــوت الناخـب الحلقــة الأهـم فــي التغـــيير

زهراء بن دحمان

 بوداعـة: القائمـة المفتوحــــة تمنـع مصـــادرة الأصـوات  

مقـراني: الصـواب انتخاب دون محابـاة

يحدّد أكثر من 23 مليون ناخب، مسجل، اليوم، اختيار من يمثلهم في المجالس المحلية البلدية والولائية، وإحداث التغيير المنشود، وسط ضمانات توفرها السلطة المستقلة للانتخابات لحماية صوت الناخب وعدم مصادرته، بمنحه لمن يستحق من الشرفاء والنزهاء و الكفاءات القادرة على قيادة قاطرة التنمية المحلية.
يضع الدستور الشعب الجزائري في أسمى المراتب، فهو «صاحب السيادة» و»مصدر كل سلطة» (المادة7) ، يمارس سيادته بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها، وكذلك عن طريق الاستفتاء أو بواسطة ممثليه المنتخبين سواء تعلق الأمر بمنصب رئيس الجمهورية، نواب المجلس الشعبي الوطني، مجلس الأمة المنتخبين، أو أعضاء المجالس الولائية والبلدية.
الحق في التصويت
يكرس الدستور الحق لكل من تتوفر فيه الشروط، أن ينتخب، وينتخب، بمعنى أن أكثر من 23 مليون مواطن مسجل ضمن الهيئة الناخبة، مدعو، السبت، لممارسة حق الانتخاب، واختيار ممثليه في المجالس الشعبية الولائية والبلدية، بكل حرية وسيادة، وتفويت الفرصة، هو تضييع لـ»حق أساسي» يمنحه المشرع لصاحب السيادة الوطنية، و»امتناع غير مبرر» عن ممارسة حق من الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور، يضفي لاختيار من يتولى مسؤولية تسيير مؤسسات الدولة وضعت لخدمة الشعب، تجسيدا لمبادئ الديمقراطية.
يصنف أستاذ القانون العام، بجامعة معسكر حاج مختار بوداعة، لـ»الشعب»، الحق في التصويت، من بين الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور، فيتيح للمواطن اختيار المؤسسات المنتخبة على كافة المستويات، وهذا المبدأ يظهر جليا من خلال ديباجة دستور 2020 الذي أرسى مبدأ راسخا هو أن المؤسسات الدستورية تكون بناء على الإرادة الشعبية التي تمارس عن طريق حق المواطن والمواطنة في الانتخاب وفي اختيار كافة ممثليهم سواء تعلق برئيس الجمهورية، المجالس النيابية المنتخبة كالمجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة بالنسبة للمنتخبين، وأيضا بالنسبة للمجالس المحلية المنتخبة المجالس الولائية والبلدية.
ولأن المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه الديمقراطية التمثيلية والنيابية هو حق المواطن في اختيار ممثليه بإدارة وتسيير الشأن العام، فإن المؤسس الدستوري -يضيف بوداعة- كان واضحا من خلال ما جاء في ديباجة الدستور وتكييفه للحقوق والحريات ومبدأ «لا يمكن الوصول في تولي المسؤوليات الدولة أو عدة مناصب إلا من خلال الإرادة الشعبية».
وذهب المشرع بحسبه إلى أكثر من هذا، حين عدل قانون الانتخابات، وكرس هذا الحق بل وجعله ذا أهمية قصوى من خلال منح صلاحيات أكبر للناخب بما يعزّز مسؤوليته في اختيار المسؤولين عبر كافة المستويات، من خلال تغيير النظام الانتخابي الذي كان يعتمد على القائمة المغلقة إلى نظام القائمة المفتوحة.
واعتبر بوداعة التعديل من أكبر المكاسب التي تعزز حق الناخب في اختيار ممثليه وتجعل صوته ذو قوة وحسم في العملية الانتخابية، بحكم أن نظام القائمة المفتوحة مثلما ذكر يعطي للناخب سلطة كبيرة داخل مكتب الاقتراع فعندما يذهب إلى المعزل يقوم بجمع كل القوائم الانتخابية، وفي هذه الحالة يمكن له بكل إرادة أن يختار القائمة التي يراها مؤهلة ثم داخل نفس القائمة يقوم بترتيب القائمة، وبالتالي سيكون صوت الناخب حاسما في العملية لأن داخل القائمة يستطيع أن يختار كل المترشحين أو يختار بعضهم فقط أو واحد منهم وهو الذي يقوم بعملية الترتيب وليس كما كان الشأن في النظام الانتخابي السابق عندما كانت القائمة ترتب بناء على ترشيحات تأتي من الأحزاب أو القوائم المستقلة.
يعد هذا الإجراء يقول بوداعة «مكسبا ديمقراطيا» جعل العملية الانتخابية مهمة جدا في تجسيد الإرادة الحرة للناخبين والناخبات وانتخاب من يرونه الأنسب والأصلح لتولي المسؤوليات وبالتالي أًصبحت إرادة الناخب هي الغالبة في مسألة تجسيد القائمة الانتخابية، وليس قادة التشكيلات السياسية وبالتالي نظام القائمة المفتوحة التفضيلي، دون مزج، غير الكثير من المعطيات والمعايير ومن قواعد اللعبة المتعلقة بالعملية الانتخابية وذهب إلى تجسيد المبدأ المطلق لحرية الناخب في اختيار ممثليه في كافة المجالس، وهو الذي سيجعل العملية الانتخابية مهمة جدا،  ومسؤولية الناخب أيضا، ويعزّز حقه في اختيار مؤسساته ويوسع من دائرة هذا الحق وقد رأينا ذلك في الانتخابات التشريعية وسنراه في انتخابات اليوم.
إلى جانب النظام الانتخابي المعتمد على القائمة المفتوحة، هناك مسألة جاء بها القانون بإرادة واضحة والتزام صريح لرئيس الجمهورية، وهي مسألة إبعاد المال الفاسد عن العملية الانتخابية، هذا الإجراء يقول عنه الأستاذ بوداعة «أننا أصبحنا نرى مكاسبه من خلال إبعاد كل من له علاقة وشبهة بالمال الفاسد من دخول المعترك الانتخابي أو التأثير على العملية الانتخابية، وهو الذي سمح بمشاركة كفاءات شبانية جامعية من نساء وشباب في هذه العملية ومنع أصحاب المال الفاسد من التأثير على حرية الناخب في اختيار ممثليه من السطو على العملية الانتخابية وإدارة العملية الانتخابية إلى غير الأهداف الديمقراطية التي نصبو إليها وهي ما يعرف بشفافية ونزاهة العملية الانتخابات وشرعية المؤسسات المنتخبة حتى تستطيع ممارسة صلاحياتها الدستورية»، مشيرا إلى أن رئيس الجمهورية ألّح في أكثر من مناسبة على أن المسألة التي تكتسي أهمية لديه هي شرعية ونزاهة، وشفافية العملية الانتخابية ومصداقية الأرقام التي تقدمها السلطة الوطنية للانتخابات سواء ما تعلق بالنتائج النهائية للعملية الانتخابية أو ما تعلق بنسبة المشاركة، وهذه إجراءات سنت من أجل استعادة المواطن ثقته في مؤسساته الدستورية وفي العملية الانتخابية.
ضمانات لحماية صوت الناخب
أحاط المشرع، العملية الانتخابية، بعدة ضمانات، لحماية صوت الناخب ومنع مصادرته، ويحصي أستاذ القانون عدة ضمانات أدرجت في القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات، أولها إسناد تنظيم العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وهذا بالنسبة إليه «أهم مكسب»، لأن العملية في النظام الانتخابي الجزائري أصبحت تجري دون تدخل الإدارة.
وفي رأيه اكتسبت السلطة المستقلة للانتخابات اليوم خبرة كبيرة في تسيير والإدارة والإشراف على العملية الانتخابية ومراقبتها، فنحن اليوم أمام الاقتراع الرابع التي تشرف عليه السلطة بعد الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2019، الاستفتاء الدستوري نوفمبر 2020، التشريعيات جوان 2021 والمحليات نوفمبر 2021، وأعطاها نظام الانتخابات صلاحيات واسعة في إدارة العملية الانتخابية والإشراف عليها، ومنحها أدوات قانونية وتنظيمية مهمة، في تجسيد العملية الانتخابية، وهي اليوم حريصة على مصداقية عملها، والناخبين والناخبات، وباقي مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية على وجه الخصوص، وهي حريصة كذلك على مصداقية الأرقام التي تقدمها للرأي العام والصحافة الوطنية.
أما الضمانة الثانية فيحصرها الأستاذ بوداعة في الآليات التي جاء بها قانون الانتخابات في جميع مراحل العملية، منذ مراجعة القوائم الاستثنائية إلى فتح الباب أمام الترشيحات، وتعيين أعضاء مكاتب التصويت، الأحكام التي تنظم سير الحملة الانتخابية، ثم مرحلة الصمت الانتخابي، ثم يوم الاقتراع في حد ذاته وتسيير يوم الاقتراع سواء من الجانب القانوني أو التنظيمي، ثم مسألة إعلان النتائج، كل هذه المراحل التي تمر بها العملية الانتخابية يقول: «فيها مجموعة كبيرة من الضمانات، أولها المراجعة الاستثنائية وقد أجاز القانون للناخبين والناخبات الطعن في المراجعة سواء أمام اللجنة الانتخابية أو المحكمة الإدارية أو العادية المختصة في هذا الصدد، وهناك الطعن الإداري والقضائي في حال إغفال التسجيل، تسجيل شخص لا يقيم في إقليم المدينة، حق الإطلاع على القائمة الانتخابية بالنسبة للناخبين والناخبات، وهذه كلها ضمانات مهمة في هذه المرحلة».
الضمانة الثالثة، المتعلقة بتعيين أعضاء مكاتب التصويت ينص القانون على أنه يجب تعليق قوائم أعضاء مكاتب التصويت، في مقر السلطة كي يطلع عليها الجميع ويجوز الطعن فيها أمام السلطة الوطنية المستقلة على أساس وجود صلة قرابة ما بين مؤطري مكاتب التصويت والمترشحين، وفي حالة رفض هذا الطعن يجوز الذهاب للقضاء الإداري أيضا، يعني هناك رقابة يمارسها القضاء الإداري على مسألة أو مؤطري مكاتب التصويت.
ولما نأتي إلى يوم الإقتراع هناك تنظيم محكم تجري فيه العملية الانتخابية، وبالنسبة للإنتخابات المحلية هناك مكتبان للاقتراع مكتب خاص بانتخابات المجالس الشعبية البلدية، وآخر بالمجالس الولائية.
ويوم عرض النتائج، تعلنها سلطة الانتخابات، ويجوز الطعن في النتائج أمام القضاء الإداري أيضا، وينص القانون على إلزامية تعليق محضر الفرز داخل مكاتب الاقتراع، حتى يطلع عليه الجميع، وتسليم نسخة إلى ممثلي التشكيلات السياسية والقوائم المستقلة المترشحة وهذا في نظر أستاذ القانون «قمة الشفافية»، وأكثر من هذا رئيس اللجنة الانتخابية البلدية، وهو قاض ملزم بأن يمنح نسخة من محضر الفرز إلى ممثلي التشكيلات السياسية والمترشحين المستقلين وتعليق نسخة من محضر الفرز داخل مقر البلدية.
ويؤكد الأستاذ بوداعة أن كل هذا التدابير هدفها إضفاء الشفافية التامة على العملية الانتخابية وعدم المساس بأصوات الناخبين، بالإضافة إلى حق الطعن القضائي وتقديم الاعتراضات على نتائج الانتخابات وسلطة القضاء الإداري واسعة في هذا الشأن حيث يستطيع أن يلغي نتائج الانتخابات ويعدلها، وبالتالي هذه كلها ضمانات لصيانة صوت الناخب.
تكافؤ الفرص
أثار قرار السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات اعتماد أوراق تصويت خالية من صور المترشحين يوم الاقتراع، حفيظة البعض، وفسروها أنها خدمة للأحزاب ذات التمثيل الكبير ولكن في نظر أستاذ القانون هي «مسائل فنية تنظيمية» من اختصاص سلطة الانتخابات،  التي لها صلاحية اختيار ورقة التصويت المناسبة. وقلل أستاذ القانون من مخاوف بعض المترشحين والناخبين عشية الإقتراع، لأننا مثلما ذكر «أمام انتخابات محلية المفروض ساكنة المنطقة من الناخبين والناخبات، على دراية تامة بالمترشحين لهذه الانتخابات، لسبب أننا في منطقة الكل يعرف بعضه البعض وبالتالي عدم وجود الصور لا يؤثر على مسألة حرية الناخب في اختيار الأشخاص، لأن الأمر يتعلق باستحقاق محلي وليس وطني، وكما ذكر رئيس اللجنة المستقلة العمل الجواري في الحملة فاق بكثير التجمعات الشعبية، وبالتالي ينبغي التحسيس بأهمية الإنتخابات والبرامج المقترحة، وهذا لن يؤثر على العملية الانتخابية ولن يمنح هذا كما يقول البعض «الأفضلية للأحزاب التقليدية».
وأكد بوداعة «أننا اليوم أمام مسار انتخابي وسياسي جديد خاص بإعادة بناء المؤسسات المنتخبة، وهذه الأوراق الانتخابية ستطبق على جميع القوائم المترشحة، معناه جميعها ستخضع لنفس هذا المبدأ، وبالتالي مبدأ تكافؤ الفرص محفوظ والمسألة فنية تقنية ولن يكون لها تأثير كبير على مخرجات ونتائج العملية الإنتخابية».
بلديات دون مترشحين
وتجري الانتخابات المسبقة للمجالس المحلية الولائية والبلدية، لأول مرة «منقوصة» حيث لا ينظم الاقتراع في 4 بلديات، وهذا بسبب عدم تقدم مترشحين عنها للمنافسة. واستبعد أستاذ القانون حاج مختار بوداعة تأثير هذا الأمر، على العملية الانتخابية، لأنه يتعلق بعدد محدود من البلديات، مشيرا إلى أن قانون الانتخابات لم يتفطن لهذه المسألة ولم يحتاط في حال عدم وجود ترشيحات.
وأوضح أن هذه المسألة يمكن أن تحل في إطار قانون البلدية الذي جاء واضحا في هذا الشأن، حيث ينص في حالة عدم وجود أو استحالة وجود مجلس شعبي منتخب، فإن الأمر سوف يحال إلى مندوبيات بلدية  تعين لإدارة الشأن العام على المستوى البلدي، لأنه لا يجب أن ننسى أن رئيس البلدية له مهام بصفته رئيس المجلس الشعبي البلدي وله مهام بصفته ممثلا للدولة، ولا ننسى أن هذه الجماعات المحلية تبقى جماعات محلية للدولة، وعلى هذا الأساس قانون البلدية احتاط لهذه المسألة وأكد على إنشاء مندوبيات تقوم بتسيير الشأن الإداري والاقتصادي إلى غاية إجراء انتخابات للمجالس الشعبية البلدية.
ويتوقع أستاذ القانون وضع مخرج لهذه الوضعية في التعديل العميق لقانون الانتخابات المنتظر وإجراء انتخابات بهذه المجالس بعد توفر الترشيحات أو تبقى  تسيير بموجب مندوبيات يعنيها الوالي بعد أخذ رأي وزير الداخلية.
آخر فرصة للتغيير
وبغض النظر عن النقائص، فإن الناخب مدعو للتعبير عن رأيه وخياراته بكل حرية وسيادة، ولن يكون ذلك بالتعبير عن رغباته في المقاهي والشوارع والساحات العمومية، ولكن بوضع ورقة الانتخاب في الصندوق الشفاف، ووحده كفيل بتحقيق طموحه في التغيير واختيار أحسن الممثلين لتسيير شؤونه المحلية.
فالتغيير لا يمكن أن يحدث مثلما قال الباحث في الشؤون السياسية والقانونية محمد مقراني لـ «الشعب» «دون تحرك المواطن الذي أصبح بإمكانه إحداث النقلة النوعية باختياره لممثليه في إطار الشرعية والشفافية التي تكفل له احترام تام لصوته، وبات من الضروري أن يفهم أن صوته لم يعد مجرد رقم وإنما أضحى الحلقة الأهم في تغيير قواعد الانتقاء لمن يريد لهم ترأس المجالس المحلية».
وأكد مقراني أن الركيزة الأساسية التي بإمكان المواطن مشاهدة التغيير في محيطه «تنطلق من انتخاب رجال و نساء شرفاء يريدون الصلاح و الفلاح للأغلبية المسحوقة، بعيدا عن المحاباة.
وفي رأيه «بإمكان المواطن ترجيح كفة أي مترشح لأن أساس التصويت لن ينحصر حول القائمة كاملة وفوز صاحب رأس القائمة وإنما اختيار المترشح سيكون شخصيا بعدما صار الاختيار وفق القوائم المفتوحة «، مؤكدا أن «هذه الفرصة أهم لبنة أمام المواطن للوصول للتغيير الذي يطمح إليه ويلتمسه في محيطه».