من هي داعش، ومن هو أبو بكر البغدادي، سؤال أو سؤالان ليسا ساذجين كما يبدو للوهلة الأولى..
هل تذكرون بول بريمر ذلك الأمريكي الذي عيّنه بوش حاكما عاما للعراق بعد إسقاط دولته إثر غزو ٢٠٠٣؟
الرجل فكك العراق إداريا وقطع أوصالها تنظيميا ونظاما. حل الإدارة وحزب البعث، وفكك الجيش والشرطة أو بالأحرى ما تبقى من الجيش. فقط جهاز واحد أبقى عليه ولم يمسّه التفتت أو إعادة الهيكلة إنه جهاز المخابرات!!
عبد القادر البغدادي هذا الذي أعلن نفسه خليفة المسلمين في دولة الخلافة، هو واحد من ضباط المخابرات العراقية إبان حكم صدام حسين.. نعم قد يكون سجن وألقي القبض عليه ثم أطلق سراحه من قبل القوات الأمريكية خلال تلك الفترة الغامضة، يمكن القول إن الرجل أعيد تأهيله وتمت برمجته لمشروع قادم أو مشاريع قادمة. هل تتكرر واقعة البغدادي مثل واقعة أسامة بن لادن، الإثنان كانت لهما علاقة تعامل مع الولايات المتحدة والإثنان هما منتوج مخابرها.
في بعض أفلام الخيال العلمي والإثارة والخدع السينمائية، يعمد المخرج أو مؤلف السيناريو إلى اختراع تسرب الفيروس أو الجرثومة الخطيرة من مخبر التجارب ومعمل الأبحاث أو يخرج الربوت والإنسان الآلي عن السيطرة ولا يعود يخضع للتوجيه المبرمج.
الحل في هذه الحالة هو التدمير، وذلك ما حدث لأسامة بن لادن وقد يحدث هذه المرة للبغدادي، لكن بعد أن أدى الأول دوره في شيطنة المسلمين في نظر العالم وتشويه عقول الآلاف من شبابهم بإسلام تكفيري يتحول إلى إرهابي يدمر أمته ومجتمعاتها ويفتت أواصر التعايش والتسامح والانسجام والتضامن بينها.
الإثنان يتكاملان في الدور المناط والخطة المعدة، تفكيك هذه الدول من الداخل وهنا تأتي الفوضى الخلاقة التي سبق للمحافظين الجدد في عهد بوش الإبن أن تبنوها بالتوازي مع غلافها الخارجي «الديمقراطية وحقوق الإنسان»، مبرّرا ما يحدث اليوم في العراق وسوريا واليمن ومصر وقبل ذلك وبعده ليبيا وتونس وهو نفس المستحضر الذي قسمت بموجبه السودان وستقسم بموجبه العراق الآيلة الى التفكك..
أعود إلى بول بريمر الذي أعدت مصالح إدارته دستور العراق، الذي قد يكون اليوم مفجر الوحدة الترابية لهذا البلد؛ ذلك أن الرجل في دستوره حدد هوية أقدم حضارة في التاريخ وأقدم دولة أيضا إنها بلد المكونات العرقية، أو الدينية أو المذهبية.. أما عراق المواطنة فقد اندثر والصورة السياسية للعراق اليوم هي هذه الصراعات بين هذه المكونات..
الإدارة الأمريكية أيضا هي التي أوجدت الدستور التونسي الحالي، الذي رغم الصورة الظاهرة فإنه لا يحقق إجماع الشعب التونسي ولا طبقته السياسية.
وإمعانا في التعمية والتمويه والتضليل، تعلن الإدارة الأمريكية أن «داعش» في العراق خطر على مصالحها وعلى المنطقة، وفي الوقت نفسه لا تفعل شيئا لمواجهة هذا الخطر الذي يتهدد وجود دولة حليفة ظاهريا وأعني هنا العراق، وهي نفس الادارة التي ترى «داعش» الإرهابية في العراق معارضة مسلحة في سوريا تستحق الدعم!
هل استفاق أولئك المعتوهون من الأعراب الذين ينطبق عليهم المثل القائل، الطوفان يتهدده وهو يقول كم هي منعشة هذه المياه!
حين أعلن داعش دولة الخلافة، أرفق بيان ذلك بخريطة سوداء لحدود تلك الدولة «الخرافة» فكان أن أدرج فيها البغدادي إسبانيا وجزءا من أوروبا الوسطى والبلقان، وقلت في نفسي ماهي العلاقة بين هذه الخريطة لتنظيم إرهابي مفخخ ومخترق من قبل أجهزة مخابراتية، وبين خريطة حقيقية أعدتها دوائر استشرافية للقوى الغربية الكبرى بقيادة واشنطن حول خريطة العالم العربي مستقبلا؟
ومستقبلا هذا بدأ ربما منذ أكثر من ثلاث سنوات على شاكلة موجهة سميت الربيع، وبدأت بتجزئة السودان وهي اليوم تجزّئ العراق، وسوريا مبرمج لها نفس المصير وكذلك اليمن.
أود أن أقول إن الخارطة الوهمية لـ»داعش» هي للتستر على الخارطة الحقيقية للولايات المتحدة وإسرائىل والغرب. والتي تأتي الأحداث الدموية والسياسية المتسارعة في المنطقة لتؤكد أن أوان إنجازها بدأ ونعيشه دون أن نعيه وتلك هي المأساة الكبرى.
ليس الشرق الأوسط فقط هو المعني بهذا المشروع التقسيمي، بل كل العالم العربي.. فشمال إفريقيا هو الآخر ضمن عين الإعصار هذه.. وإذا كانت السعودية مبرمجة، فمصر هي الأخرى كذلك، حيث يتحدث نفس المشروع عن دولة للأقباط ودولة للمسلمين ودولة أخرى لأهل النوبة!
هلاّ أدركنا الآن، أن «داعش» منتوج مخبر!