أشرف رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أمس، بقصر الشعب، على مراسم استقبال رئيس المحكمة الدستورية وأعضائها بمناسبة مباشرة مهامهم.
جرت مراسم الاستقبال بحضور كل من رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل، رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، الوزير الأول، وزير المالية أيمن بن عبد الرحمان، رئيس المجلس الدستوري سابقا، كمال فنيش، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق السعيد شنقريحة، ووزير العدل حافظ الأختام عبد الرشيد طبي، إلى جانب عدد من أعضاء الحكومة ومستشاري رئيس الجمهورية والمسؤولين السامين.
وبالمناسبة، حيّا رئيس الجمهورية كلاّ من رئيس وأعضاء المجلس الدستوري سابقا ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، كما تم أخذ صورة تذكارية للرئيس تبون مع رئيس وأعضاء الهيئة الدستورية الجديدة.
وكان رئيس المحكمة الدستورية وأعضاؤها قد أدوا اليمين الدستورية، الخميس الماضي، بمقر المحكمة العليا غداة توقيع رئيس الجمهورية على مراسيم رئاسية تتعلق بتعيين وتشكيل المحكمة الدستورية، وذلك طبقا للمواد 91 الفقرة 7 و186 و188 من الدستور.
وتتشكل المحكمة الدستورية من أعضاء معينين من قبل رئيس الجمهورية وهم رئيس المحكمة عمر بلحاج، والأعضاء ليلى عسلاوي وبحري سعد الله ومصباح مناس، إلى جانب أعضاء منتخبين. ويتعلق الأمر بكل من جيلالي ميلودي عن المحكمة العليا وأمال الدين بولنوار عن مجلس الدولة، بالإضافة إلى أساتذة القانون الدستوري فتيحة بن عبو، عبد الوهاب خريف، عباس عمار، عبد الحفيظ أوسوكين، عمار بوضياف ومحمد بوفرطاس.
ويتم تعيين رئيس المحكمة الدستورية لعهدة واحدة مدتها 6 سنوات، ويضطلع أعضاؤها بمهامهم مرة واحدة كل 6 سنوات ويجدد نصف أعضائها كل 3 سنوات.
وتنص المادة 186 من الدستور، على أن المحكمة الدستورية تتشكل من 12 عضوا، 4 منهم يعينهم رئيس الجمهورية، من بينهم رئيس المحكمة، بينما تنتخب المحكمة العليا عضوا واحدا من بين أعضائها وينتخب مجلس الدولة عضوا واحدا من بين أعضائه. أما الأعضاء الستة (6) الآخرون فينتخبون بالاقتراع من أساتذة القانون الدستوري، ويحدد رئيس الجمهورية شروط وكيفيات انتخاب هؤلاء الأعضاء.
وتعد المحكمة الدستورية، حسب المادة 185 من الدستور، “مؤسسة مستقلة مكلفة بضمان احترام الدستور” وهي تسهر على “ضبط سير المؤسسات ونشاط السلطات العمومية”، ولها عدة صلاحيات، منها “النظر في الطعون التي تتلقاها حول النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية والاستفتاء والإعلان عن النتائج النهائية لكل هذه العمليات”، إلى جانب “إخطارها بالدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة”.
طبي: تعميق الممارسة الديمقراطية
أكد وزير العدل حافظ الأختام عبد الرشيد طبي، أن تنصيب المحكمة الدستورية يشكل “محطة جديدة من محطات البناء المؤسساتي للدولة وتعميقا للممارسة الديمقراطية في الجزائر”.
قال طبي في كلمة له بمناسبة استقبال رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، لرئيس وأعضاء المحكمة الدستورية بقصر الشعب، بمناسبة مباشرة مهامهم، إن “هذه اللحظات المتميزة تشكل محطة جديدة من محطات البناء المؤسساتي للدولة وتعميقا للممارسة الديمقراطية في بلادنا”.
وأضاف، أن مباشرة أعضاء المحكمة لمهامهم اليوم، تعد “خطوة أخرى من خطوات الإصلاح التي تضمنها البرنامج الرئاسي، لا تقل أهمية عن باقي الخطوات السابقة” التي استهلت بالاستفتاء على الدستور ثم الانتخابات التشريعية، تليها انتخابات المجالس البلدية والولائية المقررة يوم السبت المقبل.
وأكد وزير العدل، أن دستور الفاتح نوفمبر 2020، “أفرد للرقابة الدستورية حيزا هاما فيه” وكرس فيه رئيس الجمهورية نظام المحكمة الدستورية باعتباره “أفضل نظام يستجيب للمعايير العالمية، في ظل نظرة إصلاحية عميقة وصادقة تهدف إلى تحصين البلاد من أية هزات سياسية قد تمس باستقرار المجتمع”.
واعتبر أن استحداث المحكمة الدستورية “يرتبط بتوسيع مجالات الرقابة على دستورية القوانين، لاسيما بعد الاتساع المتزايد للحقوق والحريات الأساسية في المنظومة القانونية وتكييفها مع الآليات والاتفاقيات الدولية، باعتماد مقاربة منهجية أملاها الواقع الوطني الراهن”.
وتطرق الوزير، إلى مختلف المحطات التي مرت بها المؤسسة المكلفة بالرقابة الدستورية في الدولة منذ الاستقلال، مشيرا إلى أن الإصلاح العميق للمؤسسات “جاء بعد أن نادى الشعب الجزائري بكل مسؤولية بتغييرات جذرية ترقى إلى مستوى تطلعاته وآماله في تكريس دولة الحق والقانون”، حيث كانت استجابة رئيس الجمهورية لهذه المطالب “أقوى وأسرع”.
ولفت وزير العدل، إلى أن التغيير الذي طرأ على المجلس الدستوري و«ترقيته” إلى محكمة دستورية “يتجاوز حدود التسمية إلى ما هو أبعد وأعمق، ليسري على اختصاصاتها الموسعة”، حيث تعدى دور المحكمة مهمة “ضمان احترام الدستور” ليشمل مهام “الرقابة والتحكيم والضبط والاستشارة”، فضلا عن الصلاحيات المرتبطة بـ “مراقبة دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات، سواء وفق آلية الإخطار أو وفق آلية الإحالة بناء على الدفع بعدم الدستورية”.
وتحدث الوزير عن أهم مهام المحكمة الدستورية التي تشمل “توافق القوانين العضوية للدستور وتفسير الأحكام الدستورية”، كما تتولى “مراقبة دستورية الأحكام التنظيمية، بعدما كان الأمر ينحصر في الأحكام التشريعية فقط”.
واعتبر أن “السمة البارزة” في الإصلاح الدستوري، هو “إسناد الدور التحكيمي للمحكمة الدستورية، التي أوكل لها صلاحية حل الخلافات التي قد تثور بين السلطات الدستورية”، وهو ما يسمح -بحسب الوزير- بـ«تفادي أي شلل يحدث في المؤسسات أو أي تعطيل في إحدى السلطات أو المؤسسات الدستورية”.
وقال طبي، إن الدستور يسند للمحكمة الدستورية “دورا بارزا” في العمليات الانتخابية وضمان نزاهتها وشفافيتها، من خلال ممارستها “للرقابة على الانتخابات الرئاسية والتشريعية والاستفتاء والفصل في الطعون التي تتلقاها والإعلان عن النتائج النهائية، مما يجعلها حاميا للإرادة الشعبية”، وتتمتع المحكمة أيضا بسلطة “ضمان مبدإ الأمن القانوني المكرس لأول مرة في المادة 34 من الدستور”.
ونظرا للدور “الهام” الذي تقوم به المحكمة الدستورية في الحياة المؤسساتية للبلاد، فإن اختيار أعضائها كانت مسألة في “غاية الأهمية” -مثلما أكده وزير العدل ـ الذي أضاف أنه روعي في شروط اختيارهم “المزج بين المهنية والحياد”، بالإضافة إلى “الكفاءة والاقتدار في المسائل القانونية”، كما ضمنت طريقة الانتخاب والتعيين ومدة العهدة التي كرسها الدستور “شروط الموضوعية والاستقلالية والنزاهة”، مما يجعلها “منبرا لترقية القضاء الدستوري”.
«لبنة جديدة” لاستكمال بناء المؤسسات
أكد أعضاء المحكمة الدستورية، أن تأسيس هذه الهيئة الدستورية يعد “نقلة نوعية” في النظام القانوني و«لبنة جديدة” في إطار استكمال بناء مؤسسات الجزائر الجديدة.
عبر رئيس المحكمة الدستورية، عمر بلحاج، على هامش حفل استقبال أشرف عليه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بقصر الشعب، عن شكره للسيد تبون نظير الثقة التي وضعها في شخصه لتولي هذه “المسؤولية الكبيرة والأمانة الثقيلة” وذلك في سبيل “خدمة الوطن”.
وأضاف، أن الرئيس تبون يسعى من خلال إنشاء هذه المحكمة إلى وضع “لبنة أخرى لاستكمال بناء مؤسسات الجزائر الجديدة مثلما تعهد به في التزاماته 54”.
من جهته، اعتبر العضو المنتخب، عمار بوضياف، أن هذه المناسبة هي “يوم مفصلي وتاريخي ونقلة نوعية”، حيث سيتم الانتقال من “نظام قانوني يعتمد منذ سنة 1989 على المجلس الدستوري كهيئة رقابة، إلى نظام يعتمد على المحكمة الدستورية بفضل التعديل الدستوري لسنة 2020”.
وأوضح، أن الاختلاف بين هذين النظامين “كبير”، مشيرا إلى أن المحكمة الدستورية هي “مؤسسة متميزة من حيث التشكيلة والاختصاصات المنوطة بها”، وهي “هيكل رقابي جديد منحه التعديل الدستوري الأخير العديد من المهام والصلاحيات ذات النوعية، أهمها الدفع بعدم دستورية القوانين”.
وفي هذا الإطار، أكدت العضو المنتخب فتيحة بن عبو، أن المحكمة الدستورية التي هي “مؤسسة قضائية محضة”، ستؤدي “دورا كبيرا في الرقابة على دستورية القوانين وفي أولوية القضايا”، مؤكدة أن ذلك سيكون له “أثر إيجابي” على المتقاضين ومن شأنه أن “يعزز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة”.
ولفتت إلى أن المحكمة الدستورية “مؤسسة رقابية مستقلة وقراراتها نهائية وملزمة” وينتظر أن تقوم بـ«تطهير” النظام القانوني الجزائري من كل القوانين “غير المطابقة للدستور”.
وقالت، إن المحكمة الدستورية تتميز بتركيبة بشرية “مختصة في القانون الدستوري ومحترفة ويمكنها الإجابة عن كافة التساؤلات المتعلقة بالمسائل الدقيقة”، كما أن “ثلثي أعضائها منتخبون من طرف أساتذة القانون العام”.
بدوره، وصف العضو مصباح مناس، المعين من طرف رئيس الجمهورية، هذه المناسبة بـ«اللحظة الفارقة في تاريخ الجزائر”، منوها بـ«الحرص الشديد” لرئيس الجمهورية على أن تؤدي هذه المحكمة دورها “كاملا غير منقوص”.