الاشتراكية والليبرالية كمنظومتي حكم وتسيير بالصيغ التي عرفناها يتجاوزها الزمن بتغييرات عميقة في الأنسجة السياسية والاقتصادية والاجتماعية..
العدالة الاجتماعية مثلما تطرحها الاشتراكية، مرفوقة بلواحق نقابية، توقفت عند الأجور، كأرقام باهتة، و»مطالب اجتماعية ومهنية»، هي في الواقع «آليات» أنتجتها المنظومة الاشتراكية طيلة قرن تقريبا من الزمن، فأصبحت في حكم «العمل النقابي».. لكنّ «العقل الاشتراكي» لم ينتج حركية أخرى في التعاطي مع ما يريده «الشريك الاجتماعي»، كيد عاملة، وكتلة إنتخابية بالدرجة الأولى، استخدمت سياسيا مرات، وأفرزت «ليش فاليزا»، لكنّها لم تضع نموذجا يقتدى به في «العالم الثالث»، باستثناء أسماء لاتينية وإفريقية ومغاربية برزت أكثر في إطار حركات التحرر ومطالب الاستقلال..
نفس هذه المنظومة حرّكت في لغاليغ السياسة ظواهر أخرى، أبرزها الباسيوناريون، وهم نوع من «أنانيي السياسة»، يُتقنون فنيات زرع الديمقراطية في بيئات مناهضة لها، مثلما يفعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يخرُج من باب الرئاسة ويعود من نافذة رئيس حكومة.. حتى صار من الصعب على مختصي السياسة تصنيف منظومة حكم بوتين خارج التصانيف التقليدية..
والباسيوناريون أنواع وأشكال في السياسة والمال.. وعالم التكنولوجيا، الذي يشكل وحدة «منظومة حكم» غير معلنة، طالما أنه يحدّد سلوكيات، وله «سيادة» بحقوق التأليف والحقوق التجارية التي يطالب بها، وله «مكانة» في الدول الاشتراكية والليبيرالية، على السواء.. وفي أحيان كثيرة يصنع أحوالا جوية ماطرة بالدماء والدموع، أسماها من يعشقون زرقة إمبراطورية فايسبوك و»منظومة زوكربورغ»: الربيع العربي!
مع التطورات الحاصلة، لم تعد الحقوق هي نفسها التي كان يتمنّاها من عاش مطلع القرن الماضي، ولم تعد «ديمقراطية» دو توكفيل، تعني شيئا لماكرون، الذي باسم الديمقراطية يزرع الفوضى في مالي، ويتمنّى توسّع رقعتها في المنطقة..
ومع هذه التطوّرات سيأتي يوم نتحدّث فيه عن «حقوق الحراقة»، الذين تحاربهم قوى دولية، وعن حقوق فئات أخرى مرفوضة حاليا لأسباب عديدة، في عالم «الثمانية».. وقد يأتي يوم تطرح فيه مسألة إعادة النظر في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. بقوارب تجيد السباحة في يمّ السياسة الجديد..