لا يتوقف الحديث عن ظاهرة تبذير الخبز، خاصة في شهر رمضان. حيثما تجولت في مدننا وأحيائنا تلاحظ كميات هائلة من الخبز على الأرض، في وقت تتضارب فيه الأرقام حول الكميات التي تؤول إلى المزابل أو كما يقوم به البعض باسترجاعه من أجل بيعه لمربي المواشي والأبقار. لا يهم الرقم بقدر ما يهم البحث في الأسباب وتوعية المستهلك ليتبع سلوكات راقية ترتكز على اقتصاد النفقات وترشيد الاستهلاك التزاما بقيمنا الدينية على الأقل التي تصنف المبذرين في خانة الشياطين عليهم اللّعنة.
نفى عبادة ادريس وهو صاحب مخبزة بوسط الجزائر العاصمة زيادة استهلاك الخبز في شهر رمضان مؤكدا أن نشاط مخبزته يتقلص في هذا الشهر الفضيل بنسبة 50٪ مقارنة بحجم النشاط في الأشهر الأخرى. ولذلك أشار أن هناك من الخبازين من يفضل الغلق في رمضان والذهاب في عطلة اضطرارية لأسباب عديدة منها قلة النشاط وتراجع المبيعات. وللتأكيد على ذلك كشف أن محله ينتج في رمضان معدل 3 آلاف رغيف مقابل ما بين 6 و 7 آلاف رغيف خارج رمضان .
قبل يومين تنقلنا بالصدفة إلى هذا الخباز فوجدناه على وشك الغلق والساعة لم تتجاوز الخامسة مساء وهو وقت يرتفع فيه الطلب على الخبز، عن السبب وراء ذلك أوضح أن الحرارة في ظل الصيام ترهق العمال بحيث أن أغلبهم يفضلون طلب عطلة أو العمل لنصف يوم فقط رغم مضاعفة أجورهم في هذا الشهر، علما أن الخبازين يشتغلون في محلات تشتد فيها حرارة الأفران لتصل معدل 500 درجة مئوية.
عن سؤال حول الأسباب وراء ظاهرة تبذير الخبز وإلقائه كفضلات في القمامة للأسف من بعض عديمي الضمير، أجاب محدثنا بألم قائلا ‘’ المشكل الأول يتعلق بالجودة، إذ كلّما اشترى المستهلك خبزا غير جيد ولا يستجيب للمعايير يكون مصيره القمامة، فتكون الخسارة مزدوجة من عدم استهلاك مادة مكلفة وصرف المواطن ثمنا لا يستفيد منه’’، وأكد أنه يلاحظ كأي مواطن قبل أن يكون صاحب مهنة خباز تراجع في نوعية الخبز، مما يضطر الخبازين في رمضان إلى تنويع أصناف الخبز لبيعها بأسعار مرتفعة من أجل تعديل ميزانيتهم، يكثر الطلب في هذا الظرف على الخبز المصنوع من السميد والشعير بـ 15 دج للرغيف العادي و5 دج للرغيف الصغير وكذا ‘’البريوش’’ بـ25 دج للوحدة.
وبالمناسبة ذكّر بأن السعر الرسمي للخبز العادي بين 8,50 دج و7,50 دج المطبق منذ سنة 1996 لا يعكس حجم الكلفة الحقيقية لإنتاجه مقابل شراء كيس السميد من 25 كلغ بـ1200 دج وبلوغه 1400 دج للنوع الجيد، يوضح بالمقابل أن هامش الربح ضئيل ولا يغطي الفارق مع الكلفة، مما دفع بالعديد من أصحاب المهنة إلى تغيير النشاط، مضيفا أنه يقدر السعر الحقيقي للرغيف المطابق للمعايير لا ينزل عن 15 دج. للإشارة يجري العمل حاليا بسعر 10 دج للرغيف في كافة المخابز وهو سعر فعلي وغير رسمي مما يثير إشكالا ينبغي معالجته.
وفي سياق الحديث عن سعر الخبز المتدني مقارنة بالكلفة كما يوضح صاحب المخبزة الذي يشتغل في المهنة منذ حوالي 40 سنة ويعتبر الأمر سببا في تبذير هذه المادة، أشار إلى أن عدة عوامل ترتبط بالسعر قد تغيرت، مثل ارتفاع الآجر القاعدي للعمال إلى 18 ألف دج، زيادة أسعار المواد المدخلة في الإنتاج منها سعر سلة البلاستيك بـ600 دج ومصاريف صيانة الأفران وغيرها، وينهي كلامه محذرا من أن مهنة صانع الخبز آيلة للزوال، إذا لم تتخذ التدابير التي تحميها بمراعاة ظروف العمل، في وقت يصعب فيه العثور على عمال احترافيين.
حقيقة هناك خبز جيّد وآخر رديء، وبالفعل يصنف الفرد الجزائري في مقدمة مستهلكي الخبز على مستوى العالم، بفعل التقاليد بلا شك ولكن بفعل غلاء مواد أخرى ربما مثل الأسماك واللحوم. لكن لا يمكن تبرير التبذير الذي يسيء للمجتمع قبل أن يستنزف الموارد، وتبقى مواجهة الظاهرة أمرا ممكنا بتضافر الجهود، من جانب يجب على الخبازين الاجتهاد في تقديم رغيف بنوعية مقبولة إلى أن تتحسن ظروفهم ومن جانب آخر يجب على المستهلك إدراك مخاطر التعامل مع هذه المادة بتسيب لأنها في المتناول، فمن واجبه أن يغيّر من سلوكاته باقتناء ما يحتاجه في اليوم، كأول خطوة لترشيد الاستهلاك.