ضرورة إرساء قانون للجباية المحلية وتحصيل الرّسوم والضرائب
تطوير النّظام الوظيفي يزيد من نجاعة إدارة الشّؤون المحلية
لا يزال قانون البلدية والولاية محل انتقاد من الخبراء والمختصين في الجزائر، وتشوبه اختلالات في الاختصاصات وتداخل في القرارات قزّمت من دور المنتخب المحلي، وعطّلت مسارات التنمية طيلة العقود الماضية، إذ ينتظر من الإصلاحات الجديدة المرتقبة منح صلاحيات تنفيذية أوسع لأعضاء المجالس، يُرجى منها تحقيق التّكامل بين القطاعات، وتجاوز تراكمات الأخطاء السابقة، واستعادة الثّقة المفقودة بين السلطات والمواطن.
اقتربت «الشعب ويكاند» من الباحث في شؤون الجماعات المحلية الدكتور عبد الرحيم لحرش، أستاذ التعليم العالي بجامعة غرداية، الذي قدّم تفسيرات حول وضع قانون الجماعات المحلية الحالي، والتغييرات التي طرأت عليه، ومقترحات تحيينه، وذلك بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية البلدية والولائية في الجزائر.
- الشعب ويكاند: كلّما حلّ استحقاق انتخابي محلي يعود الجدل حول وضعية قوانين تسيير الجماعات المحلية، والبلدية خصوصا، ما هي وجهة نظركم حول تلك القوانين؟ وما هي المقاربة التي تقترحونها؟
الباحث عبد الرحيم لحرش: الحديث عن تطوّر المنظومة القانونية للجماعات المحلية، يقود للحديث عن المحطّات الكبيرة التي شهدها النّظام اللاّمركزي في الجزائر وما تبعه من إصلاحات، كما يتعين علينا في بداية الأمر أن نتمعّن جيدا في أحكام دساتير الجزائر وآخرها دستور 2020، أهمها المواد 16، 17، 18 و19، والتي جاءت بتصوّرات جديدة لتدعيم عمل البلديات خاصة محدودة التنمية، التي تحتوي على الكثير من مناطق الظل، من خلال وضع تدابير خاصة بهذه البلديات، إضافة إلى تشجيع الدولة للديمقراطية التشاركيّة، أي بإشراك المواطنين والمجتمع المدني في صنع القرار، وهو ما يقودنا مما لا شك فيه إلى تعديل قانوني البلدية والولاية، باعتبار أنّ الشكل الحالي للجماعات المحلية في ظل المنظومة القانونية في الجزائر، لا يمكن أن يساعد أبدا على تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية ما لم تتواكب مع هذه الأخيرة، شريطة وجود ممارسة ديمقراطية حقيقية تساهم في جعل سكان المدن يختارون من يمثلهم اختيارا حرا ونزيها، بعيدا عن كل أشكال التزوير عن طريق شراء الذمم، ما يمكن السيادة الشعبية اختيار من يمثلها من ذوي الكفاءات.
- في خضم الحديث عن تعديل المنظومة القانونية التي تسيّر الجماعات المحلية لتتماشى مع الظّرف التنموي الجديد، هل يمكن تحقيق مراجعة تحول دون تداخل وتشابك صلاحيات القطاعات؟
معوقات التّنمية اليوم ودور السلطات المحلية في استغلال الوصاية على هذه الجماعات لن يؤدّي حتما إلى نهضة تنموية، وهو الواقع الذي تعيشه معظمها، لأنّ تحقيق النمو في البلدان النامية يتطلّب استعدادا ورغبة من طرف الحكومة في اتخاذ القرارات والسياسات المطلوبة للتنمية، كما أنّ غياب صور المبادرات المحلية في عملية التنمية يعد من بين أهم المؤشّرات الدالة على ضعف ومحدودية الدور الذي تقوم به هذه الجماعات، وهو أمر يرجع أيضا إلى عدة اعتبارات، منها حالة العجز الذي تعاني منه أغلب البلديات وعدم قدرتها على استكمال برامجها، وقد يكون الاستثناء لتلك البلديات الغنية التي تشكّل الجباية المحلية أهم مصدر لها في التمويل، أما باقي البلديات فتبقى تنتظر التمويل الذي تكون غالبيته من الادارة المركزية.
وبالتالي وضع معيار فاصل ما بين المصالح القومية والمصالح المحلية ليس بالأمر المستحيل، وإنما يتطلب مواقف حاسمة نظرا لمرونة المصالح وتأثرها بالظروف التاريخية والتطورات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، وعليه يجب التفرقة في هذا الصدد بين كل اختصاص والعمل المؤدي له، وطرق إدارته وتبعيته التي تهم كافة السكان المحليين، فمعايير منح الإختصاصات يجب أن تقاس على القدرات المالية والمادية والبشرية والفنية.
لهذا أرى أن تكون هناك ثلاثة أصناف في توزيع الصلاحيات، أولا صلاحيات ذاتية حيث تنفرد بمباشرتها الجماعات المحلية، وكل جماعة تتأثّر بما يعود عليها من اختصاصات ذاتية يمنحها القانون، ويمكن للسلطة المركزية إحلال محلها في حالة عجزها عن القيام بمهامها، أما الثانية فهي صلاحيات مشتركة وهي التي تدخل في مباشرتها ضمن السلطة المركزية في إدارة الشأن العام، وتركّز هذه الخطوة أكثر على الجانب المالي في مجال النفقات بالاشتراك بينهما، أما الثالثة فهي صلاحيات منقولة، وتتمثل في مختلف الصلاحيات التي تسمح للسلطة المركزية بنقلها إلى الجماعات المحلية، التي كانت تمارسها الإدارة المركزية للدولة، كما لا يمكن أن تتم هذه العملية إلا بواسطة قانون يتم فيه توزيع هذه الصلاحيات بالاعتماد على أساس مبدأ التفريع، بحيث يكون الإختصاص للأفضل الذي يقوم عليه الأداء بينهما.
- بالنّسبة لحوكمة تسيير الإدارة والجباية المحلية في القانون الحالي كيف تقيّمونها؟ وماذا عن تحيينها؟
من أجل تحسين ظروف حياة المواطن المحلية وتوفير كافة المستلزمات، تجد الجماعات المحلية نفسها ملزمة بتوفير مصادر تمويل لميزانياتها، حتى تقوم بتحقيق التنمية والعمل المستمر من أجل تقديم الخدمات المختلفة في عديد المجالات، فكلما زادت هذه الموارد وحسن استخدامها، زادت فعالية التنمية المحلية وبالتالي ترتفع نسبة إشباع حاجيات المواطنين المحلية، غير أنّ هذه الموارد قد لا تلبّي احتياجاتها في ظل استحواذ السلطة المركزية على أغلب مواردها، كما تعتبر هذه الموارد محدودة مقارنة بنفقاتها.
وعليه، فإنّ إصلاح المالية والجباية المحليتين لا يتم إلا بإشراك كل القطاعات المعنية من أجل تشخيص النظام الحالي، وتقديم خطّة عمل تنفّذ تدريجيا لمعالجة كافة الإختلالات والنّقائص المسجّلة، المتمثلة في القوانين والتشريعات الجبائية، ولا يتم ذلك إلا من خلال تحسين مردوديتها بتبسيط النظام الجبائي المحلي، وجعله يتماشى مع المستجدّات الجديدة، وإقامة تعاون وتنسيق مشترك بين مختلف المصالح الضريبية، ومصالح الإدارات المحلية.
تأسيس قانون للجباية المحلية أصبح ضرورة ملحة من أجل توسيع صلاحيات المجالس المحلية المنتخبة في مجال تحصيل الرسوم والضرائب، وتحديد قيمتها عن طريق مداولات على مستوى هذه الوحدات، بإشراك المنتخبين في وضع التصورات والمتابعة والتحصيل، لتحسين المداخيل وتطويرها وفق ميكانيزمات وإستراتيجيات حديثة، وبما أن المالية المحلية تدخل ضمن السياسة العامة للدولة، فإشراك الجماعات المحلية في تحديد وعائها الضريبي من شأنه المساهمة بشكل مباشر في استقلاليتها، غير أنّ منح الإستقلالية المطلقة في تحصيل الجباية قد يؤثّر سلبا على تسيير الموارد المحصلة خاصة إذا لم تكن الموارد البشرية مؤهّلة، مما يؤدّي إلى حدوث إنزلاقات في تبذير المال العام، لهذا تبقى عملية الاشتراك في تحمل جانب من المسؤولية أحسن الحلول.
- ظهر إشكال تداخل الاختصاصات بين الولاية والبلدية جليا السنوات الأخيرة مع تشعّب ميادين التسيير، وتوجهات السلطات التنموية الجديدة، ماذا عن هذا التداخل؟ وماذا تقترحون لتجاوزه؟
يعد غياب صور المبادرات المحلية في عملية التنمية من بين أهم المؤشرات الدالة على ضعف ومحدودية الدور الذي تقوم به هذه الجماعات، وهو أمر يرجع أيضا إلى عدّة اعتبارات، منها حالة العجز الذي تعاني منه أغلب البلديات في الجزائر، وعدم قدرتها على استكمال برامجها التنموية، وبالتالي نجد أن النظام الحالي في توزيع الإختصاصات بينها وبين السلطة المركزية يتطلب إصلاح الإختلالات الناجمة عن هذا الوضع، ولا يتم ذلك إلا برسم خارطة علاقة متوازنة بين هذه الأجهزة، حتى يكون للمجالس المحلية دور فعال في عمليات التنمية والرقابة والإشراف والمساءلة.
ويبدو أن اتباع مبدأ التفريع الذي تعتمده العديد من الدول، سيقوم بتوزيع الصلاحيات بإسناد كل صلاحية للهيكل الأقرب جغرافيا من المنتفعين بالخدمات المترتبة على ممارسة الإختصاص، مثلما تحدثت سابقا بثلاث اختصاصات ذاتية وأخرى مشتركة مع الدولة، وآخر منقولة إليها.
- تسيير وإدارة الشؤون المحلية بحاجة إلى آليات أنجع، وإطار قانوني جديد يكفل تجسيد الأهداف التنموية والإقتصادية الجديدة، كيف يمكن تحقيق ذلك؟
نشرت كتابا خاصا بالبلديات والتنمية المحلية، يضم العديد من الحلول والمحاور التي تنطلق منها البلديات نحو تنمية اقتصادية واجتماعية كبيرة، لأن المتتبع لواقع الجماعات المحلية يرى تناقضات كثيرة بين مهام التنمية الموكلة إليها وبين ما يتجسد في الميدان بشكل يومي. هذه التناقضات طالت كل الفاعلين والشركاء سواء من إدارة مركزية ولا مركزية، أو من خلال المنظومة التشريعية، وإذا كانت النصوص الدستورية والقانونية حدّدت نطاق هذه الجماعات وإختصاصاتها لما يصبو إليه المواطن من سبل لتجسيد تطلعاته وطموحاته، غير أنّهذا الدور بقي معلقا في ظل الأزمات المالية الخانقة، والعجز المسجل في ميزانياتها، يضاف له غياب المشاركة الجماعية الفعلية التي مردها الثقافة السياسية والنظرة الضيقة التي تطبع مفهوم التمثيل على مستوى هذه المجالس، أمام تناقضات معاشة من ازدواجية الوظيفة التي يمارسها المنتخبون بوصفهم ممثلين للإرادة الشعبية تارة، وقيامهم على شؤون الدولة تارة أخرى.
وأعتقد أن ما يجب القيام به هو توفير المناخ العام الملائم لتطبيق الإصلاحات، الأمر الذي يستلزم إعادة النظر في بناء وأداء الجهاز الإداري للجماعات المحلية حتى يواكب التحولات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية العميقة، ذلك أن أي محاولة لإصلاح الجهاز الإداري المحلي تتم بمعزل عن هذه التحولات والتأثيرات البيئية محكوم عليها بالفشل.
- تظهر أبرز عيوب قانون الجماعات المحلية الحالي في تسيير المدينة وتداخل وتجاذب الصلاحيات بين مختلف القطاعات في تحقيق وتوفير بيئة سكنية حضرية وعصرية للمواطن، أين الخلل؟
هناك كثير من العيوب التي يجب استدراكها أهمها شدة الوصاية على البلديات، ووجوب تعبئة حقـل التنمية من خلال حث المواطنين علـى المشاركة في رسم السياسة التنموية والإطلاع على مشاكل البلدية، وهنا يظهر الدور الإعلامي المحلي لنشر الوعي التنموي ضمن هذا السياق من خلال تزويد البلديات بدليل توجيهي وطني، يتضمن أبعاد التنمية الوطنية والمحلية مدعما ذلك بنصوص قانونية وتنظيمية تساعدها وترشدها في سبل تحقيقها، كما أن إصدار البلديات لمجلات إعلامية محلية تحت إشراف مصالحها، تُعرّف بالنشاطات التي تقوم بها، سيزيد من توفير المعلومات للمواطنين المحليين حول واقع التنمية.
كما يجب بناء قدرات محلية جديدة من خلال إعادة النظر في المنظومة القانونية والتنظيمية لضبط أساليب العمل، والإهتمام بكل ما يتعلق بالمواطن لتحقيق الأهداف التي يتطلع لها، إذ أن تطوير النظام الوظيفي على ضوء المتغيرات الإجتماعية والإقتصادية الحاصلة، وإتاحة الفرصة للعاملين، سيزيد لا محالة في نجاعة إدارة الشؤون المحلية ومواكبتها والقضاء على الفوارق.
- هل تحقّق قاعدة انتخاب رئيس البلدية وفقا لقانون الانتخابات الجديد (بعد صدور نتائج التصويت) الاستقرار في المجلس، أم سيكون محل انسداد؟
الشيء الأساسي في كيفية انتخاب رئيس البلدية في التعديلات الأخيرة تؤكد أنه انتهى زمن رأس القائمة، وأيضا أنه لن يكون هناك انسداد في أغلب البلديات مستقبلا إذا حدث سحب الثقة أو مشاكل على عكس ما كان في السابق، لأن القانون القديم لا يتناسب مع قانون الانتخابات الجديد وفق القائمة المفتوحة، بحيث أن القائمة التي تحوز الأغلبية المطلقة من حقها أن تعين رئيس البلدية من عندها، وفي حال العكس لن يكون المجلس أمام انسداد، لأن التعديل قدم عدة احتمالات في هذا الشأن، وبالرغم من ذلك تبقى التعديلات الأخيرة بحاجة لبعض الإجراءات الأخرى.
- نقص تكوين المنتخب البلدي والولائي أرهق المجالس الشعبية وعطّل التنمية المحلية، لماذا تأخرت مبادرات التكوين القانوني والسياسي للمنتخب في الجزائر؟
يعتبر المنتخب المحلي المحرك الأساسي في العملية التنموية، ويفترض توفره على مستوى ثقافي معرفي عام يتلاءم والمهام التي يتقلدها، وتكوينه أصبح أمرا ضروريا في ظل توسع أنشطة المجالس المحلية وتعقدها، لهذا لابد من إعداد مخططات تكوينية تعمل على تنشيط الشأن المحلي والمساهمة في إعداد المخططات والمشاريع التنموية وتنفيذها، حيث تتعدد وسائل التكوين بتعدد المراكز والمؤسسات التي يوكل لها القيام بهذه المهام، ونجد هنا أن العديد من الدول باشرت عن طريق السلطات المركزية بإنشاء مراكز ومؤسسات لتكوين الموارد البشرية للبلديات سواء كانوا منتخبين أو موظفين من أجل تعزيز دورهم لمواكبة متطلبات التنمية المحلية، باعتبار أن التكوين يراه الكثير استثمارا في المورد البشري للنهوض بالتنمية، وكونه مرتبط ارتباطا كبيرا بالتوجيه والتحفيز، ورفع الأداء والتصحيح، ونقل المعارف والعلوم، وتغيير السلوك وترقية جودة العمل على المستويين الإداري والتشغيلي.
ويتوجب في الجزائر إنجاز مركز وطني له مقاييس عالمية لتكوين كل الموظفين والمنتخبين التابعين لوزارة الجماعات المحلية والتنمية في حالة استحداث وزارة خاصة بالجماعات المحلية، على أن تكون من أهدافه إطلاق دورة تكوينية لفائدة رؤساء المجالس الشعبية البلدية والولائية والأمناء العامين للبلديات، وإرسالهم عن طريق منح وتربصات خارج الوطن للاستفادة الميدانية في مجال العمل البلدي، وكسب خبرة من المؤسسات الدولية في مجالات التنمية المحلية وتدعيم اللامركزية، بالإضافة للرفع من القدرات العلمية للإطارات البلدية من خلال تبادل الخبرات والمعلومات بين مختلف الجهات، إضافة إلى تدعيم نشاط التكوين وتطوير الكفاءات ببرامج متعددة يشرف عليها خبراء وطنيين ودوليين، على أن يكون التعاون في مجال تكوين أعضاء المجالس المنتخبة والإطارات المحلية بالإستعانة بالأساتذة الجامعيين من ذوي الإختصاص في المواضيع المتعلقة باللامركزية والحوكمة والديمقراطية المحلية.
- ماذا عن صلاحيات رئيس المجلس، ماذا تقترحون،وما الدّور التنموي المنوط به في المرحلة المقبلة؟
منح القانون البلدي رقم 11-10 في الجزائر صلاحيات متنوعة لرئيس البلدية باعتباره ممثلا للدولة من جهة، وباعتباره هيئة تنفيذية للمجلس البلدي من جهة أخرى، وممثلا للبلدية في حد ذاتها من جهة ثالثة، لهذا يتأثر مدى اتساع الصلاحيات والإختصاصات الموكلة للهيئات المحلية، وخاصة البلدية بالمعطيات السياسية والإقتصادية والإجتماعية السائدة بالدولة، ذلك أن الجهاز التنفيذي للبلدية يمارس صلاحيات كثيرة تمس جوانب مختلفة، حيث يمثل كل من رئيس البلدية والكاتب العام واللجان المساعدة إحدى الركائز الأساسية في تعزيز وتطوير التنمية المحلية.
وبالتالي أصبح من الضروري استحداث اختصاصات لم تكن ممنوحة له في السابق، متمثلة على وجه الخصوص في المجالات الإقتصادية لإعطاء دفع للتنمية الإقتصادية، ووضع شبكة صناعية وتطوير العمل الصناعي.