طباعة هذه الصفحة

نشأت عن تدابير مواجهة كورونا حسب البنك الدولي

860 مليار دولار ديون الدول منخفضة ومتوسطة الدخل

أسامة إفراح

«الصحة العالمية» تطالب بالإنفاق على الرعاية الصحية

ارتفعت أعباء الديون الناشئة عن تدابير مواجهة جائحة كورونا في البلدان منخفضة الدخل في العالم بنسبة 12%، لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 860 مليار دولار في عام 2020، بحسب تقرير «إحصاءات الديون الدولية لعام 2022» الذي أصدره البنك الدولي أكتوبر المنصرم. بالمقابل، تطالب منظمة الصحة العالمية الجميع باستثمارات طموحة في الإنفاق على الرعاية الصحية، وإعادة صياغتها كاستثمار طويل الأجل وليس تكلفة قصيرة الأجل.

اعتبر البنك الدولي أن الحكومات في مختلف أنحاء العالم استجابت لجائحة كوفيد-19 بإطلاق حزم تحفيز ضريبية ونقدية ومالية ضخمة، مشيراً إلى أنه في حين كانت هذه التدابير تستهدف التعامل مع حالة الطوارئ الصحية وتخفيف وطأة تأثير الجائحة على الفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً، ووضع البلدان على طريق نحو التعافي، فإن أعباء الديون الناشئة عنها في البلدان منخفضة الدخل في العالم ارتفعت بنسبة 12% لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 860 مليار دولار في عام 2020.
جاء ذلك في العدد الجديد من تقرير «إحصاءات الديون الدولية لعام 2022»، وهو مطبوعة سنوية يصدرها البنك الدولي، يتضمن إحصاءات الديون الخارجية وتحليلاتها للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل وعددها 123 بلد التي تقدم تقاريرها إلى نظام البنك للإبلاغ عن الديون.
وحتى قبل تفشي الجائحة، فإن العديد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل كانت في وضع هش بالفعل في عام 2020، في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي ووصول الدين العام والخارجي إلى مستويات مرتفعة، وأن أرصدة الديون الخارجية للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل مجتمعة قد ارتفعت بنسبة 5.3% في عام 2020 لتصل إلى 8.7 تريليون دولار. ويشير التقرير إلى أنه من الضروري اتباع نهج شامل لإدارة الديون لمساعدة البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل على تقييم المخاطر وتقليصها والوصول بمستويات الدين إلى حدود يمكن الاستمرار في تحملها.
وتعليقاً على ذلك، قال ديفيد مالباس، رئيس مجموعة البنك الدولي: «إننا بحاجة إلى نهج شامل للتعامل مع مشكلة الديون، بما في ذلك تخفيض الديون، وتسريع إعادة الهيكلة، وتحسين الشفافية. ويُعد الحفاظ على مستويات الديون في حدودٍ يمكن الاستمرار في تحملها ضرورياً لتعافي الاقتصاد والحد من الفقر».
تدهور واسع النطاق
ويشير التقرير إلى أن التدهور في مؤشرات الديون كان واسع النطاق، وأنه أثر على البلدان في جميع المناطق. وفي جميع البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، تخطى ارتفاع المديونية الخارجية إجمالي الدخل القومي ونمو الصادرات. وارتفعت نسبة الديون الخارجية إلى إجمالي الدخل القومي للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل (باستبعاد الصين) إلى 42% في 2020 من 37% في 2019، بينما زادت نسبة ديونها إلى صادراتها إلى 154% في 2020 من 126% في 2019.
في إطار الاستجابة للتحديات غير المسبوقة التي فرضتها الجائحة، وبناءً على إلحاح من مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أطلقت مجموعة العشرين في أفريل 2020 مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين لتقديم دعم سيولة مؤقت للبلدان منخفضة الدخل، ثم ووافقت بلدان مجموعة العشرين على تمديد فترة التأجيل حتى نهاية عام 2021. وفي نوفمبر 2020، وافقت مجموعة العشرين على إطار مشترك لمعالجة الديون يتجاوز نطاق مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين، وهو عبارة عن مبادرة لإعادة هيكلة أوضاع الديون التي لا يمكن الاستمرار في تحملها والفجوات التمويلية التي طال أمدها في البلدان المؤهلة للاستفادة من هذه المبادرة.
وإجمالاً، ارتفع صافي التدفقات الوافدة من الدائنين متعددي الأطراف إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل في عام 2020 إلى 117 مليار دولار، وهو أعلى مستوى منذ عشر سنوات، كما ارتفع صافي تدفقات الدين العام الخارجي إلى البلدان منخفضة الدخل بنسبة 25% إلى 71 مليار دولار، وهو أيضاً أعلى مستوى منذ عشر سنوات. وقدم الدائنون متعددو الأطراف، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، 42 مليار دولار من صافي التدفقات الوافدة، في حين قدم الدائنون الثنائيون 10 مليارات دولار إضافية.
من جانبها، قالت كارمن راينهارت، النائبة الأولى للرئيس ورئيسة الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي: «تواجه الاقتصادات في مختلف أنحاء العالم تحدياً هائلاً من جراء مستويات الدين المرتفعة والآخذة في الارتفاع بسرعة. ويجب على واضعي السياسات الاستعداد لاحتمال بلوغها مرحلة المديونية الحرجة إذا تغيرت أوضاع الأسواق المالية وباتت أقل مواءمة، لاسيما في اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية.»
ويضيف التقرير أن لزيادة شفافية الديون أهمية بالغة في التصدي للمخاطر الناجمة عن تزايد الديون في العديد من البلدان النامية. ولتعزيز الشفافية، تم توسيع نطاق تقرير «إحصاءات الديون الدولية لعام 2022» ليقدم بيانات أكثر تفصيلاً وتصنيفاً عن الديون الخارجية من أي وقت مضى. وتقدم البيانات الآن تفاصيل عن رصيد الدين الخارجي للبلد المقترض لإظهار المبلغ المستحق لكل دائن رسمي والقطاع الخاص، وتكوين عملات هذا الدين، والشروط التي تم بموجبها منح القروض. وبالنسبة للبلدان المؤهلة للاستفادة من مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين، تم توسيع نطاق مجموعة البيانات لتشمل خدمة الديون المؤجلة في عام 2020 من جانب كل دائن ثنائي ومدفوعات خدمة الدين الشهرية المتوقعة مستحقة الدفع لهم حتى نهاية عام 2021. كما سينشر البنك الدولي قريباً تقريراً جديداً عن شفافية الديون في الاقتصادات النامية يستعرض التحديات المتعلقة بشفافية الديون في البلدان منخفضة الدخل ويضع قائمة تفصيلية بالتوصيات اللازمة للتصدي لها.
التركيز على الرعاية الصّحية
وفي وقت يركز البنك الدولي على المديونية التي تسببت فيها تدابير مواجهة جائحة كورونا، تطالب منظمة الصحة العالمية الجميع باستثمارات طموحة في الإنفاق على الرعاية الصحية، وإعادة صياغتها كاستثمار طويل الأجل وليس تكلفة قصيرة الأجل. وأشار الموجز الجديد للمجلس الاقتصادي لمنظمة الصحة العالمية، «تمويل الصحة للجميع»، الذي صدر أواخر أكتوبر المنصرم، إلى ثلاثة إجراءات رئيسية: إنشاء حيز مالي، واستثمارات مباشرة، وإدارة التمويل العام والخاص.
فيما يتعلق بالإنفاق العام، يقول الخبراء إن تخفيف القيود التي تفرضها الافتراضات الاقتصادية القديمة وعكس الإصلاحات التي تؤدي إلى تخفيضات كبيرة في الرعاية الصحية، سيسمح بزيادة الإنفاق بشكل كبير.
وبحسب الموجز، يجب أن تصبح الاستثمارات لضمان المساواة في الحصول على الرعاية الصحية للجميع الهدف الأساسي للنشاط الاقتصادي. يجب أن تعمل القيادة العامة على خلق سياسات تنظيمية وضريبية وصناعية إيجابية، وتعزيز الاستثمار في هذا المجال.
أخيرا، يجب أن تتم إدارة التمويل العام والخاص من خلال تنظيم أكبر للأسواق الصحية الخاصة عبر تدابير تعمل على تحسين النتائج على الصعيد العالمي وعلى أساس عادل.
وسلطت جائحة كوفيد-19 الضوء على التفاوتات الكبيرة والمتنامية في جميع أنحاء العالم في الوصول إلى الرعاية الصحية. مثلا، نجد أنه لكل 100 شخص في البلدان مرتفعة الدخل، تم إعطاء 133 جرعة من لقاح كوفيد-19، بينما في البلدان منخفضة الدخل، يبلغ هذا الرقم 4 جرعات فقط لكل 100.
ومع ذلك، وفقا لخبراء منظمة الصحة العالمية، فإن العالم «يواصل اتباع نفس النموذج الاقتصادي الذي لا يغير الهيكل المالي الأساسي ويطبق التفكير القديم على التنمية الاقتصادية». ويعتقد المجلس أن هناك حاجة إلى نموذج جديد لتجنب سياسات الاقتصاد الكلي التي تحرك العالم بعيدا عن رؤية الصحة للجميع.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، إن جائحة كوفيد -19 «أظهرت أن تمويل النظم الصحية يحتاج إلى تغيير جذري لحماية وتعزيز صحة جميع الناس». وبالنسبة له، تقدم الوثيقة التي أصدرها المجلس الاقتصادي «حجة واضحة ومقنعة للحاجة إلى تمويل مستدام لتوجيه تحقيق الصحة للجميع، ولكي تُفهم الاستثمارات على أنها مكاسب طويلة الأجل للتنمية الوطنية والعالمية.»
فيما أشارت البروفيسور ماريانا مازوكاتو، رئيسة المجلس، إلى أن الأنظمة الصحية بشكل عام تعاني من نقص الموارد، لكنها حذرت من أن «المزيد من التمويل ليس الحل الوحيد». وأوضحت أن «عمل المجلس يشدد على الحاجة إلى إصلاح وإعادة توجيه التمويل بطرق جذرية بحيث يتم تصميم هدف «الصحة للجميع» ضمن الهياكل المالية، والشروط والشراكات بين قطاع الأعمال والدولة».
وكان مجلس منظمة الصحة العالمية المعني باقتصاديات الصحة للجميع، قد تأسس في نوفمبر من السنة الماضية، لإعادة التفكير في كيفية قياس قيمة الصحة والرفاهية وإنتاجها وتوزيعها عبر الاقتصادات. ويتألف المجلس من عشرة من أبرز الاقتصاديين والخبراء في العالم، ويعمل في أربعة مجالات. وسيتم استخدام موجزات في كل مجال من هذه المجالات، والتقرير النهائي الذي سيصدر في عام 2023، لبناء الزخم نحو تغيير هيكل النشاط الاقتصادي، لصالح تحقيق الهدف الطموح..