أكد مشاركون في ندوة نقاش بالإذاعة الوطنية، أول أمس، على أهمية وضع إستراتيجية اتصالية تحمي الأمن القومي للبلاد وتعزز السيادة الوطنية، مشيرين إلى أنّ تجسيدها لا يتحقق إلا بوجود إرادة سياسية وحرية، وإنتاج إعلامي وطني قويّ ومؤثر.
يعتقد وزير الاتصال الأسبق عبد العزيز رحابي، أنه لابد من إجماع وطني لحماية الأمن القومي وتجسيد منظومة إعلامية تؤثر في الرأي العام الوطني والخارجي، يخدم مصالح الجزائر، معتبرا أنه بدون حرية لا يمكن الحديث عن إعلام قويّ منافس للإعلام الأجنبي.
وتساءل رحابي في الندوة التي نظمت بمقر الإذاعة الوطنية، بمناسبة ذكرى استرجاع السيادة على مؤسستي الإذاعة والتلفزيون، أنّ المفاهيم الإعلامية والأمنية تغيّرت، ولم يعد منحصرا في الدفاع عن حدود البلد، بل تنوّعت أشكاله بحكم التحولات التي تعرفها العلاقات الدولية.
لهذا يرى رحابي أنه لابد من منظومة إعلامية قوية، محترفة، فعالة وذات مصداقية، تصنع رأيا عاما واعيا بالمخاطر التي تحدق بالبلد، وتحصّنه من الحملات والتهديدات الخارجية في ظل وضع دولي متشعب وصعب.
وأشار رحابي إلى أنه حان الوقت للتفكير في إستراتيجية جديدة لمخاطبة الرأي العام الخارجي، ومحاولة التأثير عليه باستعمال لغته وثقافته، فالجزائر اليوم لديها مصالح خارجية متعددة خاصة في منطقة الساحل، لهذا من الضروري وجود إعلام يخاطب الرأي العام في تلك الدول بلغته وثقافته.
وركز رحابي على ضرورة صناعة محتوى إعلامي جزائري لمجابهة حروب الجيل الرابع، مؤكدا أن الصحفيين على عاتقهم مسؤولية كبيرة في جعل المواطن يحسّ بالأمن، من خلال تأدية المهنة باحترافية عالية.
واستشهد رحابي في كلامه بما يحدث للمجتمع المكسيكي، الذي أصبح ينظر للصين عدوا لبلاده نتيجة النفوذ الإعلامي الأمريكي، معتبرا أنّ الجزائريين معرضون حاليا لتأثير الإعلام الخارجي في ظل غياب إستراتيجية إعلامية واضحة، تحمي الحدود وتواكب التحولات والتغييرات الحاصلة.
وذكر في نفس الوقت أنّ الإعلام الوطني يؤثر داخليا، لكنه غائب خارجيا، مشيرا أنّ الحرية والتكوين عاملان أساسيان في تطوير العمل الصحفي وأنّ صناعة المخيال تبدأ من الطفل، ولن يتحقق ذلك دون إنتاج إعلامي وثقافي وطني قوي.
عظيمي: إنشاء مراكز لسبر الآراء والدراسات ضرورة
من جهته، قال الأستاذ أحمد عظيمي، إنه ثبت على مرّ السنوات أنّ الإعلام يصنع الرأي العام، لهذا أصبحت الدول تولي أهمية كبيرة لقطاع الاتصال لتحقيق النفوذ والتأثير دون الحاجة إلى سلاح وطائرات ودبابات، فسلاح الدول، اليوم، ـ حسب عظيمي ـ هو الإعلام تستطيع به التأثير داخليا وخارجيا وتدمير الشعوب والبلدان المعادية لمصالحها.
وأكد عظيمي أنّ استمرار الدولة والأمة وشعبها يتطلب أن تكون هناك إستراتيجية اتصالية واضحة المعالم على مستوى الدولة، داعيا إلى إنشاء مراكز لسبر الآراء والدراسات يديرها خبراء ومختصون.
وألح عظيمي على ضرورة البحث في الوسائل والأدوات لتوجيه الرأي العام بما يخدم الأمن القومي، ودراسة ومعرفة توجهات المجتمع وما الذي يؤثر فيه وكيف يستقبل المنتوج الإذاعي والتلفزيوني الخارجي.
وأضاف، في نفس السياق، أنه من الأهمية بمكان معرفة مدى تأثير الخطاب المسجدي والمدرسة بحكم أنهما وسيلة اتصالية مهمة، مشيرا أنّ كل ذلك يمر عبر وجود مراكز للسبر تتابع الرأي العام باستمرار، خاصة في هذه الفترة التي تتعرض فيها الجزائر إلى الأخطار الكبيرة من الخارج وحملة رهيبة.
واعتبر عظيمي أنّ الخبراء والأساتذة مهمّشين ومغيّبين، ممّا أدى إلى واقع إعلامي وثقافي ضعيف وغير مؤثر.
بجاوي: تعزيز الإنتاج الوطني الثقافي والإعلامي
بالمقابل، أبرز الناقد السينمائي أحمد بجاوي، أنه لابد من تعزيز الإنتاج الوطني في مجال الإعلام والثقافة، مشيرا أنّ هناك مشاكل اتصالية في جميع المجالات، بما فيها الجامعة التي تعتبر البوابة التي تتخرج منها النخبة المؤثرة في المجتمع.
للإشارة، أعقب الندوة إطلاق موقع إلكتروني جديد للإذاعة الوطنية، وتكريم الفائزين بجائزة رئيس الجمهورية للصحفي المحترف والمتوّجين في مسابقات اتحاد إذاعات الدول العربية.