طباعة هذه الصفحة

د.عميمور يثير الإشكالية ويحسم في الجدل

أزمة الثقافة وصلـت إلى مستوى مخيف وعلاجهـا يستدعي قرارا سياسيـا

فنيدس بن بلة

أثار الدكتور عميمور وزير أسبق إشكالية الثقافة والمثقفين في الجزائر، في ظل الازدواجية اللغوية المستمرة، فارضة تداعيات خطيرة على الهوية والانتماء.
وذكر الدكتور في ندوة نقاش بالمكتبة الوطنية الحامة، حضرتها وجوه ثقافية وأساتذة جامعيون وباحثون ومسؤولو منظمات وجمعيات، فتحوا ملف الازدواج الثقافي المتمادي في الجزائر بعد 52 سنة من استعادة السيادة، بأنه لابد من قرار سياسي يصلح خلل المعادلة ويعيد لها التوازن المفقود ويزيل الشكوك والسؤال المحيّر، إلى أين نحن ذاهبون في ظل بقاء الوضع على حاله في عولمة زاحفة وعالم افتراضي يكسر الممنوعات والحواجز.
وعاد الوزير الأسبق عميمور في إثارة مشاهد تتكرر رغم حملات التحسيس والتعبئة واقتراحات الحلول المقدمة التي تبقى، للأسف، بلا متابعة وتجسيد. من هذه المشاهد والنقط السوداء، عدم الإقبال الكثيف على الأنشطة الثقافية، مثلما حصل مع ندوة النقاش بالحامة وعنوانها: «المثقف والحياة الثقافية» التي أعطت للسهرة الفكرية الرمضانية نكهة ومتعة، وأعادت إلى الواجهة هموم النخبة المثقفة وكوابيسها واغترابها في وطنها الواحد وصراعها الدؤوب مع دور النشر وتقديم عصارة فكرها وكتبها لقراء هجروا المطالعة بسبب غلاء الكتاب وتراجع دعمه.
عاد الدكتور عميمور في سرده للواقع الثقافي المر والانقسام بين أهل الثقافة والفكر وعدم التقائهم حول مشروع وطن واحد، إلى الإشكالية اللغوية وعدم الاعتناء باللغة العربية، باعتبارها أحد مقومات السيادة والهوية، متسائلا عن السبب في الإبقاء على الفرنسية إلى درجة توحي وكأنها إحدى الثوابت الوطنية، تتمسك بها الجماعة التي تعتبرها «غنيمة حرب» أو تظن أنها تدرج في سياق الطرح المألوف المتعارف عليه المروج عبر العصور المعتبر أن اللغة أداة اتصال فقط ولا تحمل مضامين فكرية وإيديولوجية ولا تعبّر عن هوية وشخصية.
وقال عميمور جازما، «اللغة وطنية ووطن وليست مجرد أداة اتصال» وإذا لم تصل العربية إلى فرض الوجود وتصبح لغة أساسية في مشروع مجتمع أصيل ومتأصل، فإن الاغتراب الثقافي يترسخ ويولد برودة الشعور والانتماء لوطن الجزائر التي حاربت من أجل استعادة مكوناتها الشخصية وهويتها التي تشكل اللغة العربية إحدى أسسها الثابتة. ولهذا يتساءل عميمور عن سبب هجر نخب موقعهم الطبيعي وكتاباتهم بالعربية إلى الجهة الأخرى والتليف بالفرنسية قائلا: لمن يكتب هؤلاء يا ترى؟ وهل بهذا النزوح يكسب المثقف مكانة افتقدها وهوية انتزعت منه ويعالج أزمة الاغتراب؟
تجاوب مع هذا الطرح الدكتور عبد العزيز بوباكير، الذي كتب مذكرات الرئيس الأسبق الراحل الشاذلي بن جديد، قائلا: إن المثقف الجزائري في ظل الوضعية المختلة يعيش بحق انشطارات وانقسامات. يعيش المثقف مشكلا انطولوجيا وتطرح بشأنه أسئلة محيّرة، هل هو موجود أم غير موجود. يعيش المثقف انكسارات بين الملتزم والمحرر من الالتزام... بين المشبع بالأصالة والمتمرد عليها لحساب الحداثة... بين المعرب والمفرنس الذي يرى في ميوله للتأليف بلغة فولتير خطوة جريئة لدخول العولمة.
ويستمر هذا الوضع ويعاكس فيه أهل الثقافة ما ردّده مالك حداد بأن الفرنسية منفاي. وما أكد عليه كاتب ياسين وتحوله من الكتابة بالفرنسية إلى إعداد نصوص بالعامية في عروض مسرحية أطلعت الآخر على مضمون الثقافة الجزائرية وخصوصية هويتها. وهي خصوصية توقفت عندها الأديبة زهور ونيسي، فاتحة فجوة أخرى في الهمّ الثقاف والفلسفي الابستمولوجيي قائلة: إن الوضع الثقافي لا يناقش ويعالج بمعزل عن الوضع السياسي والاقتصادي. وهو حديث ذو شجون يحتاج إلى حوارات ونقاشات لإصلاح معادلة في عولمة أفرزت حالة من التبعية الطوعية ورسخت الفهم الخاطئ للحداثة على أنها قطيعة معرفية مع الماضي واعتبار الأصالة تخلفا وانطواء.
إنه فكر مقلوب تتداوله الألسن عبر فضائيات تروج كل شيء إلا الثقافة الوطنية المنتمية لعراقة حضارة جزائرية ممتدة عبر العصور، قدمت للإنسانية أكبر قيم الأصالة والهوية دون السقوط في اليأس والهزيمة.