بالرغم من أن الاتحادية الجزائرية لكرة القدم لم تعلن عن أي شيء رسمي حول مستقبل هاليلوزيتش على رأس الفريق الوطني الذي حقق إنجازا غير مسبوق في كأس العالم، إلا أننا سنتطرق إلى موضوع هذا المدرب في بداية هذه السلسلة الخاصة بها بعد المونديال .. وأردت الانطلاق بالناخب الوطني نظرا للدور الكبير الذي لعبه والأشياء التي قدمها والعمل المنهجي الذي سار فيه طوال مسيرته مع الخضر منذ 3 سنوات .
فالعديد من المتتبعين مازالوا يحتفظون بالصورة المؤثرة للمدرب البوسني الذي بكى فعلا عند تأهل الجزائر إلى الدور الثاني من المونديال البرازيلي وقدم إلى الندوة الصحفية التي أعقبت المباراة أمام روسيا والدموع مازالت في عينيه من شدة التأثر بالنتيجة التاريخية التي صنعها مع لاعبيه والتي جعلت الجزائر في مقدمة الأحداث في كأس العالم .
والتأثر يأتي كذلك من رؤية ثمار العمل الذي قام به وبإخلاص مع مجموعة من اللاعبين الذين دخلوا في الفلسفة التي قام بها
والتي وصل بها إلى كل الأهداف التي سطرت في العقد الذي أبرمه مع الفاف .
ضرورة استغلال الإمكانيات الهجومية
ويمكن القول أن هاليلوزيتش منذ وصوله إلى الجزائر عرف أين لابد عليه أن يعمل من ناحية استراتيجية اللعب .. فمنذ الندوات الصحفية الأولى التي عقدها بالجزائر ركز على جانب مهم وهو ضرورة تغيير اللعب واعطائه طابعا هجوميا الذي يتفق مع “ مبدأ كرة القدم “ ومحاولة الوصول بصفة دورية إلى تسجيل الأهداف، بعد أن لاحظ أن الفريق الوطني يلعب بشكل دفاعي وليس فعالا من حيث التمريرات والذهاب إلى الأمام .
وكانت الأمور صعبة في البداية كون الفريق الوطني لعب منذ عدة سنوات بالاستراتيجية التي تعطي الأولوية للدفاع، وتدريجيا بدأت تظهر بعض التغييرات في خطة اللعب مع التغيير التدريجي للاعبين أين دخلت وجوه جديدة التي أعطت الإضافة، بفضل العمل الكبير الذي قامت به الاتحادية فيما يخص التنقيب على اللاعبين المغتربين الذين بإمكانهم تدعيم التشكيلة الوطنية .
لكن بالرغم من الرؤية الجديدة التي قدمها إلا أن التعثر كان عنوان أول مشاركة له في دورة رسمية مع المنتخب الوطني في كأس افريقيا عام 2013 بجنوب افريقيا اين خرج الفريق الوطني في الدور الأول من المنافسة بعد لعب غير مقنع ، الأمر الذي زاد الضغط على هاليلوزيتش الذي في آخر الأمر تم الاحتفاظ به من طرف الفاف التي كانت لها أهداف طويلة المدى وهي التأهل إلى كأس العالم وعدم التأثير على الاستراتيجية التي تم الانطلاق فيها .. واليوم نقول أن هذا الاختيار كان في محله إلى أبعد الحدود بالنظر إلى النتائج المحققة من طرف المنتخب الوطني بالمشاركة في المونديال وبصفة مميّزة .
فالمونديال البرازيلي كان فرصة لكل المتتبعين وأنصار المنتخب الوطني الوقوف على مدى توافق الرؤية المقدمة من طرف هاليلوزيتش والطريقة التي لعب بها الفريق الوطني .
تفاؤل منذ البداية ...
وبالتالي، فإن الناخب الوطني كان متفائلا منذ البداية في المونديال وهذا من خلال أول لقاء صحفي مع ممثلي الصحافة الجزائرية الحاضرة بالبرازيل وكذلك عدد معتبر من الصحافيين الأجانب، أين قال قبل المباراة الأولى أمام المنتخب البلجيكي :« سنسعى لتحقيق الإنجاز في هذه الخرجة الأولى بالرغم من صعوبة المهمة “ .. وبالرغم من بداية مميّزة أمام “الشياطين الحمر” إلا أن الفريق الوطني لم يقدم المستوى الذي كان منتظرا منه وخسر المباراة في الشوط الثاني .. ولاحظ الجميع أن الخضر لعبوا بشكل دفاعي مخالف تماما لما كان عليه منذ قدوم هاليلوزيتش إلى الجزائر .. وطرحت عدة استفهامات التي لم يرد عليها الناخب الوطني الذي اكتفى باتهام الحكم بعدم احتسابه لمخالفة للفريق الجزائري في لقطة الهدف الثاني للمنتخب البلجيكي، كما حيا بالمناسبة أداء لاعبينا الذي قدموا مباراة في المستوى أمام أحد أحسن الفرق على المستوى العالمي في الوقت الحالي .. لكن ذلك لم يكن مقنعا لكل الذين شاهدوا المباراة الذين توصلوا إلى فكرة أن الطاقم الفني اختار استراتيجية الدفاع ولم يتحمّل عبء المباراة من كل النواحي .
« حضّرت الأمور منذ عدة أشهر...”
لكن رد هاليلوزيتش كان سريعا في المباراة الموالية التي كانت في قمة الإبداع أمام كوريا الجنوبية والتي لعبها الفريق الوطني بشكل هجومي مذهل، أين أجرى هاليلوزتش العديد من التغييرات التي أعطت ثمارها بخصوص اللعب الهجومي بإدخال كل من براهيمي وجابو اللذان قدما الإضافة في التنسيق الهجومي مع كل من سليماني وفغولي .. وفازت الجزائر برباعية كاملة التي فتحت الأبواب لأمل التأهل إلى الدور الثاني من المونديال .. وأيضا جاء هايلوزيتش في الندوة الصحفية والسعادة تغمر وجهه بالإنجاز الذي أهداه “ لكل الشعب الجزائري “ .. لكنه أكد عدم تقبله للانتقادات الواردة من الصحافيين بعد المباراة الأولى من خلال رده على سؤال حول التغيير في الاستراتيجية التي أصبحت هجومية مقارنة بالمباراة الأولى، قائلا : “ اختيار الخطة تم منذ عدة أشهر من خلال قراءة طريقة لعب الفريق الكوري وكذا الإمكانيات التي نملكها ولم يكن هذا الاختيار وليد نتيجة المباراة السابقة” .
وقبل مغادرته القاعة أشار إلى أن الفريق الجزائري سوف يسعى إلى تحقيق الإنجاز التاريخي في المباراة القادمة أمام روسيا التي يحضر لها جيدا للوصول إلى الهدف المسطر وهو الدور الثاني .
بكاء .. الفرحة والإنجاز
ففي ملعب كوريتيبا بدا هاليلوزيتش قلقا في نفس الوقت مع منافسه كابيلو أين لاحظنا أن كلاهما وقف طوال أطوار اللقاء ، خاصة الناخب الجزائري الذي لم يهدأ طوال المباراة ومد نصائح كثيرة للاعبين وكان جد متأثر عند تضييع الكرة في الأوقات الصعبة من المباراة التي انتهى شوطها الأول لصالح الروس الذي قدموا وجها أكثر فعالية مقارنة بأشبالنا الذين لم يكونوا في الموعد خلال الشوط الأول .. لكن في المرحلة الثانية تغيّر اللعب وأصبح الفريق الوطني أحسن بكثير، ويقال في لغة كرة القدم “ الشوط الثاني للمدربين “.. وهو ما حصل مع الفريق الوطني الذي تمكن من توقيع هدف التعادل المؤهل إلى الدور الثاني، الذي يعتبر بمثابة حلم تحقق الذي قال بشأنه هاليلوزيتش :« قلت للاعبين بعد الشوط الأول أننا سنعود في النتيجة وعليكم أن تبقوا في أماكنكم وتستمروا في الخطة التي اخترناها وكانت النتيجة كما ترون “.
“ أتركوني أفرح .. ولا أتحدث إلا على الأمور الرياضية “
وبالرغم من أن الأسئلة في المؤتمر الصحفي الذي عقده تركزت أكثر على المستقبل القريب، وهو مباراة المانيا في الدور ثمن النهائي للمونديال، فإن هاليلوزيتش رفض الرد خاصة في سؤال حول صيام اللاعبين أثناء هذه المباراة التي تأتي في اليوم الثاني من شهر رمضان المعظم، فرد “ الكوتش وحيد” : “ عملي هو الرياضة ولا أتدخل في الأمور السياسية والدينية “ وقال ذلك بحزم وأمر سليماني بعدم الرد على السؤال .. كما أنه رفض الرد عن سؤال حول مستقبله على رأس المنتخب الوطني قائلا “ اتركوني أفرح مع عناصري بهذا الإنجاز التاريخي الذي تحقق للفريق الجزائري، لا أرد على هذا السؤال “.. فرد هاليلوزيتش كان على الميدان أين حقق الفريق الوطني إنجازا كبيرا .. وطريقة تعبير هاليلوزيتش على فرحته كانت كبيرة فوق الميدان بالبكاء وعناق مع اللاعبين وجرى كثيرا فوق الميدان في تعبير مخالف لما كنا نراه من قبل كونه إنجاز كبير جدا تحقق في أرض البرازيل .
برافو “ كوتش وحيد “
والأمر الذي زاد من نجاح الاستراتيجة في مشاركة الجزائر في كأس العالم هو أن الفريق الوطني لعب مباراة كبيرة في الدور ثمن النهائي أمام ألمانيا ومر أمام إنجاز آخر في هذا المونديال .. وتبقى صور هاليلوزيتش التي كان في كل مرة يضيع لاعبيونا توقيع الهدف يعبر بطريقته، خاصة وأنها كانت محاولات عديدة أمام أحد المرشحين لنيل اللقب العالمي.. لكن الصورة التي بقيت أحتفظ بها وتابعت الناخب الوطني للحظات كتن في نهاية المباراة أين وقف مباشرة في وجهة الجمهور الجزائري بالملعب وحياه بطريقة الكبار وهي فريدة من نوعها تعني “ شكرا .. شكرا .. شكرا “ .. ربما للدور الكبير الذي قام به هذا الجمهور طوال مقابلات المونديال او كانت تلك المباراة آخر موعد لهاليلوزيتش مع المنتخب الجزائري .. ننتظر الأيام التي ستكشف لنا عن ذلك .. ومهما يكن فإن هاليلوزيتش طبع إسمه في مسيرة الفريق الوطني بأنه أول مدرب يصل بـ« الخضر “ إلى الدور الثاني من كأس العالم .. برافو “ كوتش”.