طباعة هذه الصفحة

باريس تغرق في أزمات دولية متعددة

الجزائر تفضح إفلاس الدبلوماسية الفرنسية

حمزة محصول

عاشت باريس، أسبوعا سيئا جدا، في العلاقات الدبلوماسية مع شركائها التقليديين، من شمال إفريقيا والساحل، وصولا إلى آسيا وأوروبا. وبدا واضحا، أن هستيريا الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، أفقدت باريس اتزانها ودفعتها لخرق المواثيق والأعراف الدولية.
لم يحدث أن وجدت فرنسا نفسها في زاوية ضيّقة، تتلقى الضربة تلو الأخرى مثلما تعيشه منذ الربع الأخير من شهر سبتمبر الماضي. ووضعها الحالي نتيجة منطقية لخطواتها الخاطئة تارة والمستفزة تارة أخرى، وأيضا لحزم الدول الأخرى في ردّ فعلها.
بعد أزمة دبلوماسية حادة مع الولايات المتحدة، استراليا وبريطانيا، بسبب صفقة الغواصات التي فاقت 60 مليار دولار، فتحت باريس بعدها بأيام قليلة النافذة الخاطئة للنظر إلى إرثها الاستعماري المشين في الجزائر.
وتأكد أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دبّر كل شيء في ذلك اللقاء الذي جمعه بأحفاد الحركى والأقدام السوداء وجنرالات الاستعمار، ليختار كلماته بعناية، مستهدفا ضرب مؤسسات الدولة وإنكار وجود الأمة الجزائرية قبل 1830، معطيا الإشارة بنشرها عبر صفحات جريدة «لوموند».
وصبّت كل القراءات التي واكبت تصريحات ماكرون، في أنه يترنح على حبال الحملة الانتخابية المسبقة تحسبا لدخوله معترك العهدة الثانية، ما جعله يخلط بين مقام رئيس الدولة المناضل في حزب يميني متطرف، ينكر على الجزائريين حقهم في الاستقلال، ويحمل كل ذلك الكم من الغل والكراهية لـ «سيادة الدولة الجزائرية».
كان عزاء الرئيس الفرنسي الوحيد، للخروج من نكسة صفقة الغواصات، الغوص، دون المعدات اللازمة، في ماضي بلاده الاستعماري في الجزائر، ما جعله يغرق في جملة من المغالطات والافتراء الخطير ضد أمة كاملة.
انتهازية مقيتة
بانتهازية مقيتة، اعتقد أن الوقت قد حان للضرب على وتر اليمين المتطرف واختراق وعائه تحسبا لرئاسيات 2022. لكن النبرة والكلمات التي تلفّظ بها بشكل لم يسبقه إليه رئيس فرنسي سابق، جعلته في موقع «الرئيس الضعيف» و»المحبط» من فشل فريقه وحكومته في ضمان مصالح فرنسا.
فشل كل المخططات التي تمت حياكتها في مخابر ودهاليز البنايات القديمة للجزائر البيضاء، ومطاعم باريس ومرسيليا، جعلت ماكرون ينزل بنفسه إلى ساحة المعركة، ليخرج ما كان في الخفاء إلى العلن.
وإلى غاية 30 سبتمبر، أكدت باريس أنها عاجزة عن فهم مسار الأحداث في الجزائر، والأصح أنها لا تريد «تقبل» هذا وتعمل جاهدة على تعطيله، معتقدة أنها تحوز على نفس القدر من وسائل وأدوات التأثير.
فبعد نكران تاريخ الجزائر، حاول ماكرون تقزيم الوزن والثقل الجيوسياسي الجزائري، باللمز إلى أنها منطقة نفوذ دول أخرى في المتوسط.
بينما يؤكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، «أن الجزائر قوة ضاربة، يعترف بها العالم كله».
من هذا المنطلق، دعا وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة، من باماكو، ليلة الثلاثاء، إلى «التحرر» من تاريخها الاستعماري، ومنطق ما تزعم أنه «مهمة نشر الحضارة كغطاء إيديولوجي للاستعمار».
واستدعت الجزائر سفيرها لدى باريس للتشاور، وأصدرت بيان إدانة واستنكار ضد تصريحات الرئيس الفرنسي، وأكدت أن جرائم الاستعمار لن تمحى، ووثقت حصيلة بـ5.630.000 شهيد، وشددت أن أفكار الهيمنة «مبتذلة» ولم يعد لها مكانة في العلاقات بين الدول.
تصريح لعمامرة، الذي كان مرفوقا برئيس الوزراء المالي، شوغيل كوكالا مايغا، بعد ساعات قليلة من استدعاء خارجية بلاده، السفير الفرنسي للاحتجاج بقوة على تصريحات الرئيس الفرنسي «غير الودية والمهينة»، عندما اعتبر أن القيادة الحالية في مالي «انقلابية»، وزعم أنه لولا بلاده لما بقيت مالي.
وفي الوقت الذي قابلت فيه فرنسا شركاءها التقليديين في شمال إفريقيا والساحل بالإساءات اللفظية، نظرا لعجزها الفادح عن وضع مقاربة ناجعة للتعاطي مع ماضيها الاستعماري، اندلعت أزمة جديدة بينها وبين بريطانيا بسبب تقاسم مناطق الصيد البحري.
باريس، التي هددت بمراجعة شاملة لعلاقاتها مع لندن، أثارت في الوقت ذاته غضب الصين، بعد زيارة أعضاء من مجلس الشيوخ الفرنسي لتايوان، الأمر اعتبرته بكين استفزازا لها.
هذا الأسبوع الذي قدم مشهدا سيئا جدا عن صورة ومكانة فرنسا، ليس وليد ظروف آنية، فله من قبله من إخفاقات كبيرة في حرب النفوذ والاقتصاد، إذ لم يعد خافيا أن نجمها بدأ في الأفول، وقد لا يظهر أبدا في النظام الدولي الذي بدأت ملامحه في التشكل، خاصة وأنها أنهت سنة 2020 بتراجع رهيب في مبيعات الأسلحة قدر بـ41 بالمائة. ومع انتقال عدوى ترامب إلى المشهد السياسي الفرنسي، وتنامي الفكر العنصري المتطرف، فإن مستقبلا حالكا ينتظر هذا المستعمر القديم.