وضع مراكز خاصة بعملية التلقيح على مستوى كل مؤسسة جامعية
الحوار البنّاء والخطاب المتزن من دعائم السير الحسن واستقرار المرفق
اقتربت (الشعب) من البروفيسور مسعود عمارنة الأمين العام للاتحادية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي لرصد معالم المشهد المتعلق بهذا الدخول موازاة مع مناخ يطغى عليه الوضع الصحي، ويجيب ضيفنا في هذا الحوار عن تساؤلات تخصّ معالم الحدث خاصة عملية التلقيح ضد فيروس كوفيد 19 لتأمين وتيرة نشاط جامعي منتظمة استداركا للوقت كما يتوقّف عند الحوار الاجتماعي بين الشركاء معرجا على اسهامات المنظمة النقابية التي يرأسها في تنمية افاق الحلول للمشاكل المطروحة على غرار اصلاح القوانين الأساسية وتوفير السكن، مرورا بالتعليم عن بعد والرقمنة كجسر للعبور إلى تعليم عصري يتجاوز كل العوائق، وهذا مضمون الحوار كاملا:
- «الشعب»: ما هي معالم الدخول الجامعي الجديد، من الجوانب الصحية (كوفيد) والمهنية؟
البروفيسور مسعود عمارنة: في هذا الصدد، يمكن القول إن ما خاضته الجامعة الجزائرية من تجربة إيجابية في ظرف غير مسبوق في تسيير السنتين الجامعيتين 2019- 2020- و2020-2021، وفي سياق تشاركي ظلّت حريصة عليه، قد مكّنها ذلك؛ الإلمام الكافي لمتطلّبات دخول جامعي ناجح ومستتب يراعي مختلف الجوانب سواء على مستوى ما يقتضي الظرف الصحي من تناول عملي سديد، أو على المستوى البيداغوجي وما يدخل في طياته من إلزامية التنظيم الملائم لمختلف النشاطات والمهام.
في سياق ذلك، فإن ما تمّ وضعه عمليا من ترتيبات مختلفة استعدادا للدخول الجامعي بعنوان السنة 2021-2022، قد تضمّن أساسا الوقوف على الإجراءات اللازمة لتسيير الشأن الجامعي بما يتماشى ومؤشرات الوضع الصحي؛ مع الحرص على متطلبات الحفاظ على النوعية البيداغوجية واستمرار السير الأمثل لمرفق التعليم العالي.
بالنسبة للاتحادية، وبحكم أهمية هذا المسعى، إلى جانب اهتماماتها بالشأن الاجتماعي والمهني، فإنها لم تتأخّر عن المشاركة الفاعلة بطروحات ورؤى تخدم ديناميكية الجامعية واستمرارها لاسيما على الصعيد البيداغوجي والعلمي في ظلّ الظرف الصحي، والذي رغم أنه أقل حدة من ذي قبل؛ إلا أن مواصلة العمل بنفس الحزم واليقظة أمر مطلوب إلى غاية الانفراج الصحي الكلي إن شاء الله.
تبعا لنفس الإطار، فقد تمّ وضع بروتوكول خاص بتسيير السنة الجامعية 2021-2022، والذي ومن الناحية الصحية، يحرص على التدابير الوقائية والتي ندعو إلى عدم التراخي في تطبيقها على مستوى المؤسسات الجامعية والبحثية. من جهة أخرى، يقوم البروتوكول المعتمد بتنظيم العملية البيداغوجية من خلال سيناريو عملي مرن تعتمده المؤسسة تبعا للبروتوكول الإطار، والذي يتبنى في شقّ هام منه؛ مبدأ الفعل البيداغوجي اليقظ؛ وهو ما لاَزَمَ خطاب الاتحادية بالنظر إلى ضرورة الحفاظ على نوعية التكوين وضمان انجاز المقررات البيداغوجية. كما أن هذا المسعى يعوّل على التكفل الضروري بشتى المتطلبات من أجل ضمان حجم معتبر من التعليم الحضوري المرفق بالدعائم البيداغوجية لفائدة الطلبة. هذا فضلا عن ترتيبات لازمة كتخفيف مدة العمل حضوريا والاستغلال الأمثل لوتيرة استعمال الفضاءات البيداغوجية. بالإضافة إلى اعتماد مختلف التدابير على مستوى الإقامات الجامعية والتي يجب أن تتماشى وتقسيم الدفعات المعتمد في تنظيم الدراسة؛ مع الاحترام الصارم للإجراءات الصحية المقرّرة.
ويندرج كذلك في هذا المحور، دور الخلية المركزية والخلايا المحلية لمتابعة سير السنة الجامعية المكونة من ممثلي الإدارة وممثلي أعضاء الأسرة الجامعية المنشأة بموجب القرار رقم 918، والتي تضطلع بمهمة السهر على احترام التدابير المقرّرة في البروتوكول ومتابعة تطبيقها على مستوى المؤسسات، وتقييم ذلك بالتواصل مع الخلية المركزية عبر أرضية رقمية مخصّصة لذلك.
وإذ تشغل الاتحادية دورا بارزا كطرف فاعل في هذه الخلايا فإنها بالإضافة إلى ذلك، تسعى بكل جهد إلى متابعة الوضع في المؤسسة الجامعية والبحثية ليس خلال الدخول الجامعي فحسب ولكن طوال السنة الجامعية في مختلف مراحلها ومن خلال فروعها عبر كل المؤسسات الجامعية والبحثية في الوطن، وذلك ما عهدت تكريسه من أجل السير البيداغوجي وأداء الأساتذة مهامهم في ظروف مثلى.
- يشكل تلقيح الأسرة الجامعية ومن بينها الأساتذة بوابة موسم جامعي أكثر استقرارا ونجاعة، هل كان هذا مطلبا للأحادية أيضا؟
من منطلق ما أكد عليه رئيس الجمهورية خلال اجتماع مجلس الوزراء في 15 جويلية 2021، مؤكدا على ضرورة التلقيح كوسيلة أمثل في مجابهة الوباء، فإن الاتحادية أيّدت هذا المسعى وساهمت بالجهود الفعلية مؤكدة على ضرورة وضع الترتيبات اللازمة لتسهيل عملية التلقيح وتنظيمها لفائدة المنتسبين للقطاع، من خلال وضع مراكز خاصة بعملية اللقاح لفائدة الأساتذة وكل الأسرة الجامعية على مستوى كل مؤسسة جامعية وبحثية في الوطن؛ تأمينا للسلامة الصحية وتحضيرا لدخول جامعي في ظروف أمثل.
وفي هذا تثمن الاتحادية ما تمّ مباشرته من خطوات عملية من طرف الوزارة بخصوص التلقيح على مستوى المؤسسات الجامعية والإقامات الجامعية بالتواصل مع مديريات الصحة، ومرافقة هذه العملية بتكثيف إعلامي وإجراء إحصائي للراغبين في التلقيح وتسخير الامكانيات المناسبة لإنجاح العملية. إلا أنه ومن جهة أخرى لا تزال الجهود مطلوبة لبلوغ نسبة التلقيح المرجوة. من أجل ذلك، تعمل الاتحادية على تكثيف التحسيس في أوساط الأسرة الجامعية والتنبيه إلى أهمية التلقيح كأحسن أداة وقائية ضد الوباء تكفل العودة السريعة إلى ظروف عادية.
- الحوار الاجتماعي عنصر التوازن والاستقرار، كيف هي العلاقة بين الشركاء وأساسا الوزارة. في هذا الإطار هل يمكن التعرّف على أهم إسهاماتكم في إثراء النقاش لصياغة حلول قابلة للتجسيد تُنهي معالجة ملفات عالقة.
لقد كانت الاتحادية ولا تزال ثابتة على مبدأ الحوار البناء والشراكة المثمرة؛ وهو المسعى الذي لا تحيد عنه في ممارستها النقابية الوطنية الصحيحة ضمن الاتحاد العام للعمال الجزائريين المنضوية تحت لوائه. بالإضافة إلى ذلك، فإن ما تتبناه من مقاربة تشاركية صادقة وهادفة، جعلت دورها يمتد إلى الاسهام في القضايا الوطنية المصيرية؛ إذ تبادر في كل سانحة بما لها من رؤى واقتراحات تخدم ما يطرح من مسائل ترتبط بالشأن العام.
ويترسخ في اعتقادنا، أن العمل النقابي المبني على تكريس الحوار البناء والخطاب السلمي المتزن؛ من دعائم السير الحسن والاستقرار للمؤسسات، وهي الممارسة التي تكفلها الدولة حتما، لتناول شتى القضايا المهنية والاجتماعية في سياق شراكة متفتحة ومثمرة. وفي هذا فإن الاتحادية تثمن العناية البالغة للسيد رئيس الجمهورية الذي أسدى بتوجيهاته المتضمنة ضرورة اعتماد الحوار مع الشريك الاجتماعي وذلك خلال اجتماع المجلس الأعلى للأمن بتاريخ 04 / 08 /2021 . وإيمانا بذلك، فإن الاتحادية لن تتوانى عن الاستمرار في تكريس هذا النهج كمكسب يخدم المؤسسة والأسرة الجامعية والصالح العام.
وصلا بذلك، تسجل الاتحادية ارتياحها الكبير للارتقاء المتميز والنقلة النوعية التي باتت تعرفها المقاربة التشاركية في كنف المسعى القويم للسيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي عبد الباقي بن زيان وإطارات الوزارة؛ لإرساء الشفافية والتناول المتفتح لمختلف القضايا، وعزمه الأكيد على تكريس الحكامة والتدبير المبني على النتائج في تسيير الشأن الجامعي، وهي الرؤية التي المطلوبة؛ لما تحمله من توجه عملي سديد؛ لا غنى عنه للسير الأمثل والنوعي لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي.
وتدعو الاتحادية من جهة أخرى، إلى تعميم الممارسة التشاركية والحوار المتفتح في كامل المؤسسات، وتحذر في ذات الوقت، من الانغلاق الذي يتصف به بعض المسؤولين سواء في مديرية الجامعة أو الكليات أو مراكز ووحدات البحث، لأنه فعل سلبي يؤدي إلى ضرب استقرار المؤسسة ويغذي حالات التشنج وعدم الاستقرار فيها.
- الشقّ الاجتماعي للأستاذ والباحث غالبا ما يعود إلى المشهد، ما هي مساهمتكم في تعزيز حصيلة المكاسب خاصة السكن والقانون الأساسي. (عاتقها : مساهمات الاتحادية)؟
عرفت الاتحادية في مسيرتها الطويلة التناول الفعّال لعدة ملفات اجتماعية ومهنية محلّ اهتمام الأساتذة الجامعيين والباحثين الدائمين ومستخدمي دعم البحث، وتعتز بما انبثق عن ذلك من مكاسب. وفي الحاضر، لاتزال الاتحادية ترافع عن ملفات راهنة أهمها ملف مراجعة القانون الذي تعكف عليه من خلال ورشات عملية جادة؛ لعلّ أهما؛ ماهي مقبلة عليه من ملتقى وطني حول مراجعة القوانين الأساسية للأساتذة الباحثين والباحثين الدائمين ومستخدمي دعم البحث والأساتذة الاستشفائيين.
في هذا الصدد، فقد بات من المتطلبات الملحة مراجعة القوانين الأساسية لهذه الشرائح بهدف تحيينها وإعادة صياغتها وتجديد محتواها، بما يتجاوب والمتطلبات الراهنة. فالقوانين الأساسية الراهنة أصبحت لا تستوعب الرؤى الجديدة حول الأدوار المتجدّدة للمرفق العمومي لقطاع التعليم العالي، إذ تندرج مراجعة هذا الإطار في سياق سياسة التجديد والترقية للأطر القانونية في الجزائر الجديدة بما يتوافق والتطلعات المنشودة للدولة بالنسبة للقطاع ككل، أهمها أن تكون الجامعة قاطرة المجتمع ومحركه الاستراتيجي من أجل الارتقاء بمجتمع المعرفة والانتقال الرقمي وتشجيع الابتكار والبحث العلمي والتطوير لأهداف تنموية. لذلك، ترى الاتحادية أنه لا ينفصل تجسيد هذه التطلّعات عن الاهتمام بالبعد الاجتماعي والمهني للأساتذة والباحثين، والذي يتحدّد من خلال ما تفرزه القوانين الأساسية والتي تؤثر في المستوى المعيشي للمعنيين. وهذا يفضي إلى مطلب تحسين الأجور بشكل يتناسب مع مستوى الشهادة ومستوى المهام المطلوبة من الأستاذ الباحث، ويلبي الحاجة ويرفع من القدرة الشرائية ويجعل الشرائح المعنية في أريحية تبعث بهم للبذل والعطاء ورفع المردودية والتفرغ للأداء. وإن تحقيق ذلك سينطبع حتما بالإيجاب في تسريع وتيرة الانتاج العلمي والارتقاء بالمؤسسة الجامعية والبحثية.
وبخصوص ملف السكن، فقد شغل هذا الأخير حيزا بارزا في مساعي الاتحادية من خلال ما ترصده من انشغالات عديدة مثل الانشغال الخاص بتفعيل الاتفاقية المبرمة بين وزارة السكن المؤرخة في 27 مارس 2014 والتي لم تتلق التسوية اللازمة، المتعلقة بتعويض السكنات التي عرفت مشاكل في الانجاز، وطلب رفع التجميد عن عديد المشاريع عبر جامعات الوطن واستكمال تلك التي لا تزال في طور الانجاز، بالإضافة إلى مسألة المشاريع المبرمجة بدون وعاء عقاري مثل حصة 650 سكن بالجزائر العاصمة، وكذا مسألة 550 سكن المبرمج منذ 2013 الممنوحة للباحثين الدائمين. ولقد عملت الاتحادية على تقديم الحلول في هذا الشأن كالتأكيد على ضرورة تمكين الأساتذة من الحصول على سكنات في صيغ سكنية مختلفة متاحة، وتناول ملف التنازل عن السكنات الوظيفية الجديدة والقديمة لصالح المستفيدين منها ضمانا لاستقرارهم الاجتماعي وأدائهم البيداغوجي والعلمي ولما فيه من عوائد مالية للخزينة العمومية. في ذات الشأن، ومن أجل تخفيف الضغط ومجابهة الطلب المتزايد على السكن، قدمت الاتحادية الاقتراحات في ذلك مثل إمكانية تخصيص الوعاء العقاري لفائدة الباحثين الراغبين في إنجاز سكناتهم بشكل خاص؛ كبديل يساهم في تلبية الحاجة ويخفف الضغط.
- وماذا عن التعليم عبر الخط والرقمنة؟
في هذا الدخول الجامعي، وفي سياق الرهانات المعوّل عليها من قبل القطاع، يجدر التنويه بما قطعته الجامعة الجزائرية من شوط معتبر في بعث الثقافة الرقمية، ووضع الوسائل المتاحة لتجسيد التعليم عن بعد، مع الإشارة إلى جهود عديد الجامعات عبر ربوع الوطن والتي أثمرت عن تجارب نوعية تثبت فعالية فرقها ومستخدميها وانخراط الأساتذة التام في العملية، إلا أن بعض الجامعات تستدعي الاستغلال المطلوب للوسائل والفضاءات المتوفرة في هذا المجال لأداء دورها المنتظر خاصة في الوقت الذي تعرف فيه الجامعة منعرجا حاسما في إرساء ثقافة الرقمة.
في سياق تابع، دعت الاتحادية سابقا إلى وجوب ضبط تسير الجامعة على إيقاع التحول الرقمي الذي يجب تبّنيه كأحد أسس الحوكمــة وبعث الجودة بالمعايير الحديثة ومشاركة الأطراف في محيطها المؤسساتي لتضطلع بدورها بصفة أمثل مواكبة للشأن الجامعي ومستجداته والدفع بالديناميكية التي يرجى ترقيتها في القطاع.