طباعة هذه الصفحة

بعد الرد الجزائري الحازم

الرئيس الفرنسي يوجّه دعوة “مسمومة” للتهدئة

حمزة محصول

بعد الرد الحازم وغير المتوقع من الجزائر، يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التراجع عن تصريحاته “الخطيرة”، حيث وجه، أمس، دعوة “مسمومة” للتهدئة ومواصلة الحوار بين البلدين، في خرجة تعكس “تخبّطا” لم يعد بإمكانه إخفاءه، ولا يمكن البناء عليها لاستعادة الهدوء.
لازال ماكرون، الطامح في عهدة رئاسية ثانية، يلعب على الحبلين من ارتفاع شاهق، ويبدو مرتبكا بين الحفاظ على فرنسا كدولة تحترم سيادة وتاريخ الأمم الأخرى، ومقاسمة مشاعر العداء والتقزيم لباقي الشعوب مع اليمين المتطرف الفرنسي.
حاول الرئيس الفرنسي، أمس، التقليل من حدة الأزمة التي نشبت بين بلاده والجزائر، على خلفية تصريحات “غير مسؤولة” في 30 سبتمبر، خلال لقاء جمعه بشباب من أبناء وأحفاد الحركى وجنرالات المنظمة الإرهابية السرية.ففي مقابلة مع إذاعة فرانس أنتير، قال إنه يرغب في التهدئة مع الجزائر، والحوار بشأن التاريخ “بتواضع واحترام”. وبانتقائية كبيرة، أراد ماكرون التقليل من قرار استدعاء السفير الجزائري للتشاور، مشيرا إلى أنه إجراء اتخذ في ربيع 2020، على خلفية بث وثائقي مسيئ للحراك الشعبي.وأراد الرئيس الفرنسي، تمرير فكرة خبيثة مردها، أن ردود فعل الجزائر “انفعالية” وتتشابه، على الرغم من اختلاف المواقف، ليستطرد بأنه يكنّ كل “الاحترام للشعب الجزائري والرئيس عبد المجيد تبون”.
ظهور ماكرون، كمتقبل للخلافات بين البلدين، تفضحه صحيفة لوموند، التي سمح لها متعمّدا ولوج الاجتماع الذي تطاول فيه على الجزائر، حيث أكدت في عددها الصادر، أمس، أن “كلماته خلال اللقاء، كانت مختارة بعناية، وقصد منها تسريبها ونشرها للرأي العام”.الرئيس الفرنسي الذي يتهيأ لدخول سباق الرئاسيات، بالاستثمار في الأفكار التي جعلت عنصريا مثل إريك زمور، يتصدر واجهة وسائل الإعلام الفرنسية، ماض في الاستثمار الانتهازي لملف الذاكرة والجاليات المسلمة، أملا في البقاء بمكتبه لـ5 سنوات أخرى.ومن الواضح، أن ماكرون وفريق مستشاريه يريد امتصاص صدمة “حزم” الموقف الجزائري ومشاعر الغضب والاستنكار التي عبر عنها الجزائريون. فكيف “لمن يشكك في وجود أمة جزائرية قبل 1830، أن يكنّ احتراما لشعب هذه الأمة؟ إلا إذا أمعن في سياسة التعالي والنكران والتجاهل”.
ولابد أن وسوم مقاطعة المنتجات الفرنسية، ودعوات مراجعة العلاقات مع فرنسا بشكل جذري، التي دعت إليها مختلف القوى الحية في الجزائر، وعلى رأسها المنظمة الوطنية للمجاهدين، قد أربكت باريس.
خاصة وأن قرارات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، باستدعاء السفير عنتر داود للتشاور، وإدانة تصريحات ماكرون ببيان رسمي، قدم فيه دروسا أخلاقية وقانونية لفرنسا، وغلق المجال الجوي أمام طائرات النقل اللوجيستي العسكري لقوة برخان في الساحل، قد لقيت إشادة دولية واسعة وبالأخص في إفريقيا.
توقف الرئيس ماكرون عن التوظيف المشين لملف الذاكرة والجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا في الرئاسيات المقبلة، هو أول خطوة ينبغي عليه القيام بها، قبل الحديث عن تهدئة، بعد الذي أظهره من تطاول وجهل بتاريخ الجزائر.وأكدت رئاسة الجمهورية، أنها لن تتسامح أبدا في مسائل السيادة وملف الذاكرة، معلنة، لأول مرة، أن جرائم فرنسا الاستعمارية راح ضحيتها 5.630.000 شهيد، في إعادة تحديد لأبعاد الكفاح الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي.