غالبا ما يمقت المجتمع المرأة ويعاملها بدونية، بل يتجاهل أفكارها، ومن الأدلّة على ذلك ما عانته السيدة رحمة عندما فكّرت في إنشاء مؤسّسة في إطار الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية «أونساج سابقا»، لكنها انتصرت وحقّقت حلمها رغم أنف المثبطين، وأصبحت صاحبة مؤسّسة يشتغل بها 30 رجلا، ونموذجا لامرأة يحتذي بنجاحها، غير أنّ الأزمة المالية حالت دون استمرار سعادتها بالنّجاح، وجعلت أحوال مؤسّستها تتدهور جرّاء جائحة كورونا التي ضربت البلاد.
دخلت السيدة عرابي رحمة، 39 سنة (أم لطفلين)، عالم الشغل وهي مؤمنة بأنّها ستضيف قيمة لبلادها، وفكّرت في إنشاء مؤسّسة ذات الشّخص الوحيد المسمّاة «عدّة لخدمات سيارات الأجرة طاكسي راديو» للمساهمة في تنمية الولاية وتطويرها، وتغطية مشكل النقل.
بداية صعبة
بدأت رحمة مشروعها سنة 2010، عندما كانت عاطلة عن العمل «فكّرت في الاندماج في المجتمع، وقرّرتُ إنشاء مؤسّسة مصغّرة في إطار مساعدة الدولة للشباب، فكانت فكرة إنشاء مؤسّسة نقل فردي، وهو حسب رأيي مشروع ناجح وطريقة أنجع لخدمة ولايتي نظرا لما كان يعانيه السكان جراء أزمة النقل، خاصة في فصل الصيف وانعدام وسائل نقل تعمل بالراديو.. تحافظ على راحة، أمن وسلامة المواطن وتقدّم خدمات جديدة ومتطوّرة، خصوصا أنّها تعتبر فكرة جديدة في ولاية بشار».
تضيف السيدة رحمة: «انطلقتُ في جمع الملف، وخلال تلك المدة واجهتني عدة صعوبات كانت بدايتها بعبارات الإحباط والفتاوى الغريبة ونظرة ساخرة من المجتمع أرادوا بها تحطيم معنوياتي، لم أسمع منهم كلمة تشجيع على المواصلة لا لشيء إلا لأنّي امرأة حاولت تقديم شيء للمجتمع، وبالرغم من كل هذا لم أستسلم لأفكارهم، وقابلتها بمزيد من الجهد والعمل لتحقيق هدفي».
« قاتلتُ من أجل حلمي»
تحدّثت السيدة رحمة عن بعض العراقيل التي وقفت في طريقها قائلة: «اعترضت طريقي الكثير من العراقيل تسبّبت في تعطيل انطلاق المشروع، أذكر منها تماطل الإدارة ومشاكل مادية كوني عاطلة عن العمل، وتحمّلتُ أعباء كراء مقر للمؤسسة وحظيرة سيارات تفوق مساحتها 200 متر مربع مدة أربع سنوات قبل بداية النشاط سنة 2015، بذلتُ خلالها كل ما بوسعي، وأنفقتُ الملايين لكي لا أفقد المحل والحظيرة، وأتمكّن من تغطية مصاريف المشروع، حيث ترتّبت عليّ ديون كبيرة مازلت أسدّدها إلى اليوم».
تضيف رحمة: «نجاحي لم يكن عشوائيا وإنما كان نتيجة كفاح وإصرار، فقد تفاجأتُ في أحد الأيام بدعوى قضائية رفعت ضدّي بتهمة عدم الإشهار بالبيانات القانونية، بمعنى أنّي لم أقم بإيداع الحسابات الاجتماعية للسنة المالية، ظنّا من مديرية التجارة، صاحبة الدعوى، أنّ مؤسّستي تمارس نشاطها، في حين كانت لا تزال اسما على ورق فقط، فسجّل اسمي ضمن البطاقة الوطنية للغشّاشين، وبعد معاناة كبيرة دفعت بي اللجوء إلى وزارة التجارة من أجل سحب اسمي من هذه القائمة».
ثلاثون رجلا يعملون في مؤسّستها
«بالرغم من محاولات الإحباط والصّعوبات التي اعترضت طريقي» ـ تقول السيدة رحمة ـ «استطعتُ أن أنشئ مؤسّسة وفّرت ثلاثين منصب شغل، ووظّفتُ مجموعة من الرجال في إطار المساعدة على الإدماج المهني، وبعضهم في إطار عقود العمل المدعّمة وكذلك العقود الكلاسيكية، وبذاك ساهمتُ في امتصاص البطالة وإعمار منطقة صحراوية بمجموعة من سيارات النقل الفردي طاكسي راديو». ووضعت لمسة خرّيجة جامعة طاهري محمد، رحمة، التي كانت في 2010 تبحث عن عمل، ها هي اليوم صاحبة مؤسّسة تساهم في التنمية في ولايتها الصّحراوية.
فيروس كورونا ضاعف مشاكلها
«تقدّمتُ للأمام ثم تراجعتُ للخلف جرّاء وباء كورونا الذي ضرب البلاد، فضاعف من حجم معاناة المؤسّسة، ففي شهر مارس توقّف النّشاط وغادر العمال المؤسسة وتدهورت حالة العتاد وأصبحت السيارات في حاجة إلى إصلاح، وتضاعفت الديون على عاتقي، على الرغم من استيفاء كل المستحقّات اللازمة، من ضرائب جبائية وضمان اجتماعي للأجراء وغير الأجراء وغيرها».
تتابع رحمة حديثها: «تقدّمتُ بطلب الحصول على قطعة أرض في إطار الاستثمار، لكنّي لم أحظ بها، كما قدّمت عدة طلبات من أجل منحي محل تجاري في مقر الولاية، وحتى مقر الفرع المحلي للوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية.. لكن؟».
«أطالبُ بدعمي لإنقاذ مؤسّستي وعمّالها»
تقول رحمة بنبرة حزينة «لم يعد لي خيار، إلاّ أن أطلب من الدولة أن تساعدني من أجل التخلص من مشكل الكراء الذي أعاق تسيير المؤسّسة، وكان سببا في تعطيل تسديد القرض لدى البنك والوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية، ومن أجل مساعدتي في إنعاش مؤسّستي والنّهوض بها، فأنا أموت حسرة على ضياع مناصب شغل من ورائها عائلات قد تعاني كثيرا نتيجة توقف مداخيل أربابها.
وأضافت، «كما أني تعبتُ كثيرا من أجل تحقيق هذا الحلم، الذي بدأ ينهار بعدما تمّ طردي إلى الشارع في ديسمبر الماضي، ما جعلني أتقدّم بطلب من الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية (أونساج سابقا) والسّلطات المحلية من أجل مساعدتي، كما أطالب الدولة أن تخفّف من الضّرائب والسّماح بعدم التقيد بدفتر الشروط، الذي ليس في مصلحة شاب بطال في بداية مجاله المهني، إلى جانب الالتفاتة إلى أصحاب المؤسسات المصغرة التي تدخل في إطار دعم وتنمية الشباب بغية مساعدتها على الحفاظ على اليد العاملة خاصة المؤسسات الملتزمة بأداء مستحقاتها الجبائية، والتي لا زالت تعمل وتوفر مناصب شغل ولا تزال تملك العتاد، كما أتمنى أيضا من الدولة أن تمدّ يد العون لأصحاب المشاريع في الولايات الجنوبية التي تعاني التهميش.
دراسة المشروع يعني نجاحه
«وقدمت نصيحة للشباب قائلة: «أتوجّه إلى كل شاب مقبل على مشروع في إطار الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية، بنصيحة مختصرة مفادها أن يختار المشروع المناسب ويدرسه من كل الجوانب، وأن يجري تكوينا لأن التأهيل مهم في نجاح مشروعه، والذي لا يكون عشوائيا وهدفه هو الربح المادي فقط، فيندم في يوم لا ينفع فيه الندم، وإنما لابد من التفكير السليم والدراسة الجيدة، ومن هنا يمكن أن ينجح المشروع ويحقّق الشاب حلمه ويسعد نفسه وأهله.
وختاما، «أقول إنّ نجاح مشروعي راجع إلى قدرتي على تخطي العقبات، والتحدي من أجل ولوج العنصر النسوي عالم المقاولاتية، وتحقق ذلك بفضل الله تعالى ومساعدة الدولة ومساندتها لأصحاب الأفكار والمشاريع التنموية، وأتمنى
أن تزاح كل العقبات التي تعترض طريقي ليتوسّع مشروعي، ويستقطب أكبر عدد من مناصب الشغل».
المصدر : مجلة التنمية المحلية : العدد 3 بتصرف