طباعة هذه الصفحة

مطلوب مرونة في الإنتاج لتلبية ارتفاع الاستهلاك

زيادة مرتقبة في الأجور برفع النقطة الاستدلالية

فتيحة كلواز

تنفّس المواطن البسيط الصعداء بعد قرار رئيس الجمهورية، في اجتماع مجلس الوزراء الأخير، بتخفيض الضريبة على الأجر الإجمالي ورفع النقطة الاستدلالية التي صنعت غُبنه وهوت بقدرته الشرائية إلى الحضيض، خاصة بعد ما عرفته العجلة الاقتصادية من ركود بسبب الجائحة المستجدة.
وثمّن المختص في المالية والقراءات الاقتصادية بجامعة المسيلة عبد الصمد سعودي، القرار، لما له من أثار إيجابية على تحسين المستوى المعيشي للمواطن، مؤكدا ضرورة إيجاد بدائل جديدة حتى لا تتحمل الخزينة العمومية عبء الزيادات التي سيتضمنها قانون المالية 2022.

يرى المختص في المالية والقراءات الاقتصادية بجامعة المسيلة عبد الصمد سعودي، في اتصال مع “الشعب”، أن أمر رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء الأخير بتخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي وتعديل النقطة الاستدلالية برفعها في الوظيف العمومي، إجراء مهم سيجعل المواطن البسيط يتنفس الصعداء، بعد ما عاشه في الفترة السابقة بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار، ما سينعكس إيجابا على أجور العمال.
في نفس الوقت أرجع الارتفاع الكبير في الأسعار إلى زيادة عالمية، فبحسب منظمة الغذاء العالمي ارتفعت الأسعار بـ28٪ عالميا في مختلف أسعار السلع، لذلك هو مشكل لا يتعلق بالجزائر فقط، بل بمختلف دول العالم، بسبب مشكل هيكلي مرتبط بالأزمة الصحية العالمية لفيروس كورونا منذ سنتين، حيث عرفت الأسعار، خاصة أسعار المواد الغذائية، ارتفاعا كبيرا في الأسواق الدولية.

أُجراء الوظيف العمومي
 المستفيد الأول
بالنسبة لأجراء الوظيف العمومي، شرح سعودي أنهم سيستفيدون من الزيادة في النقطة الاستدلالية التي لم تعدل منذ 2007 وتخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي أي أثر مضاعف، معتبرا في نفس الوقت أنهم الطبقة المستهدفة من الإجراء، حيث يبلغ عدد موظفي الإدارات العمومية في الجزائر حوالي 2.3 مليون عامل، أغلبهم في قطاع التربية والتعليم والصحة والأمن، تخصص لهم الدولة سنويا في الموازنة حوالي 3000 مليار دينار أي 60% من نفقات التسيير.
أما المؤسسات الاقتصادية العمومية -بحسب المتحدث- فسيستفيد عمالها من التخفيض في الضريبة على الدخل الإجمالي، وينتسب لهذه المؤسسات أكثر من 1.7 مليون عامل في الجزائر، على غرار “سوناطراك”، “نفطال”، البريد، “سونلغاز” والصناديق، حيث تحتكم هذه المؤسسات إلى شبكة خاصة بالأجور بعيدة عن قوانين الوظيف العمومي. وهنا يجب التفريق بين نوعين من المؤسسات، فهناك مؤسسات تحقق أرباحا، بينما تتعرض مؤسسات أخرى للخسارة، ما يجعلها تستفيد من دعم الدولة، وهنا الخطر – بحسبه- إذ من غير المعقول زيادة الأجور لهكذا مؤسسات والبحث عن حلول أخرى لحوكمتها، في حين أن الكثير من هذه المؤسسات سبق وأن أقدمت على زيادة في الأجور.
يبقى القطاع الخاص الذي يمثل أجراؤه حوالي 7 ملايين عامل بين المؤسسات والأعمال الحرة في القطاع الرسمي، وشرح سعودي في هذا الصدد أنه مبدئيا يستفيد عمال هذه الشريحة من زيادة في الأجور، بسبب خفض الضريبة على الدخل الإجمالي، ما سيرفع أجورهم هم كذلك.
وقال الأستاذ، إن المرسوم الرئاسي 2007-304 المتعلق بالشبكة الاستدلالية لمرتبات الموظفين، الذي عدل مرسوم سنة 1985 وأقر برفع قيمة النقطة الاستدلالية إلى 45 دينارا، آخر تعديل شامل للأجور، وبالرغم من التغييرات التي عرفها الاقتصاد الوطني بسبب التضخم لم تعدل النقطة الاستدلالية، ما أدى الى انهيار القدرة الشرائية.

رفع القدرة الشرائية أهم الإيجابيات
أكد الدكتور في السياق ذاته، أن رفع القدرة الشرائية للمواطن البسيط أهم الاثار الإيجابية المترتبة عن هذا الإجراء، ما سيؤدي، لا محالة، إلى تحسين المستوى المعيشي للفرد، وكذا زيادة الطلب الاستهلاكي على السلع والخدمات، مما يساهم في تحريك عجلة التنمية والاستثمار، كما ستؤدي الى زيادة الاستهلاك والإنتاج وفي رفع نسبة التوظيف، الى جانب استقطاب الاستثمارات الأجنبية.
ووصف الأستاذ الإجراء بـ “الجيد” لدفع وتحريك عجلة التنمية التي تعرف ركودا منذ السنتين أو الثلاث سنوات الأخيرة في الجزائر، فعادة ما يترتب عن خفض الضريبة جذب الاستثمارات وتوفير مناصب شغل جديدة، ما يعني زيادة في الإنتاج. كما أن زيادة الأجور بصفة عامة، ستسمح بزيادة الاستهلاك وارتفاع الطلب وبالتالي ارتفاع الأرباح وزيادة الأجور.
في المقابل، يرى سعودي أن “هناك تخوفات من أثار سلبية قد تنجم عن ارتفاع الأسعار بسبب زيادة في كمية النقود الموجودة في السوق، وبالتالي ستكون هناك زيادة في الأسعار. طبعا ستتخلص الطبقة العمالية من عبء الأسعار، لكن الفئة البطالة ستشعر بعبء ارتفاعها، لأن البطال لن يستفيد من الإجراء”، لذلك سيكون الأثر مضاعفا على فئة البطالين بسبب ارتفاع الأسعار.
في ذات السياق، تخوف سعودي من سلبيات ستكون مرتبطة بهذا الإجراء المتعلق بخفض الضريبة على الأجر الإجمالي ورفع النقطة الاستدلالية في الوظيف العمومي، فزيادة الأجور قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ما يؤدي إلى الخداع النقدي وبالتالي تبقى القدرة الشرائية ضعيفة، قد تساهم زيادة الأجور أيضا في زيادة الواردات إن لم تكن هناك مرونة في الجهاز الإنتاجي لتلبية ارتفاع الاستهلاك داخليا.

الموازنة العامة والبدائل الجديدة
أكد المختص، أن السؤال الأهم حول “مصدر تمويل هذه الزيادات الذي ستلجأ إليه الحكومة، خصوصا وأنها تعاني من عجز في الموازنة وتراجع في الإيرادات، بسبب إجراء تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي ورفع النقطة الاستدلالية، أي أن هذه الزيادات يجب ان تكون من مصادر لا تحمِّل الخزينة أي أعباء جديدة، وان تكون بعيدة عن الاستدانة”. فمن أجل تحقيق نتائج إيجابية، يستحسن أن ترافق هذا الإجراء خطط وبرامج وسياسات لتحقيق أهداف زيادة معدلات النمو والتشغيل وجلب الاستثمار وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
 لذلك يرى الأستاذ، أنه من الضروري أن تعمل الحكومة على إيجاد بدائل جديدة، من بينها الضريبة على الثروة التي ستكون في قانون المالية 2022، إلى جانب الانتعاش الذي ستعرفه أسعار البترول، ما يعني ارتفاع جباية المحروقات، مؤكدا أنهما سيكونان أهم مصدرين لتمويل هذه الزيادات.

النقطة الاستدلالية لم تعدّل منذ 2007
لا يعرف الكثير من الموظفين معنى النقطة الاستدلالية التي يعتبرها المختصون سببا مباشرا في تراجع القدرة الشرائية، لذلك سيساهم رفعُها في تحسين المستوى المعيشي للموظفين، بعد أن أقرّ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون هذه التدابير الجديدة لدعم القدرة الشرائية للمواطنين، على أن تُضمّن في مشروع قانون المالية 2022، والتي كان من بينها رفع النقطة الاستدلالية التي تحتسب على أساسها رواتب موظفي القطاع العمومي.
وتحدّد قيمة الراتب الرئيسي الذي يُدفع شهريا لموظفي القطاع العمومي في الجزائر، إلى جانب التعويضات والعلاوات المرافقة له، بناء على شبكة استدلالية تسمّى “الشبكة الاستدلالية لمرتبّات الموظفين”، وهي عبارة عن جدول يتكوّن من مجموعات وأصناف وأقسام فرعية، تقابلها درجات وأرقام استدلالية، يتمّ على أساسها حساب قيمة الراتب الذي سيتحصّل عليه الموظف.
«المجموعات” و«الأصناف” و«الأقسام الفرعية” هي تصنيفات ترتّب على أساسها مستويات الأجور الممنوحة للموظفين حسب مستوياتهم الدراسية، وتبدأ من الصنف “1” الذي يمثّل حاملي شهادة التعليم الابتدائي وما دونها، إلى غاية القسم الفرعي “6” الخاصّ بمستوى التأهيل الجامعي، مرورا بالصنف “11” لحاملي شهادة ليسانس، والصنف “16” لحاملي شهادة دكتوراه في الطب العام، والقسم الفرعي “1” لأصحاب شهادات الماجستير والدكتوراه.
أمّا الأرقام الاستدلالية، فهي قيم عددية تتصاعد بتصاعد الموظف في الأصناف والأقسام الفرعية حسب مستواه الدراسي، وتُضاف إليها قيم عددية أخرى تتصاعد أيضا حسب “درجات” الأقدمية التي ينتقل الموظفون عبرها من الدرجة “1” إلى الدرجة “12”.
ويُحسب الراتب الرئيسي للموظف، عن طريق ضرب الرقم الاستدلالي للصنف، مُضافا إليه الرقم الاستدلالي للدرجة، في قيمة النقطة الاستدلالية التي يحدّدها المرسوم الرئاسي رقم 07-304 الصادر في سبتمبر 2007 بـ45 دج، كالتالي: الراتب الأساسي يساوي الرقم الاستدلالي للصنف (أو القسم الفرعي) + الرقم الاستدلالي للدرجة X النقطة الاستدلالية أي: 45 دج.
لنفترض أن الموظف “س” يعمل في إدارة عمومية كمتصرف إداري، بشهادة ليسانس في الحقوق مثلا، وقد شغل منصبه لمدّة زمنية تؤهله للارتقاء إلى الدرجة “الخامسة”، سيكون الصنف الذي ينتمي إليه هذا الموظف في شبكة الأجور هو الصنف “12”، وسيكون الرقم الاستدلالي الذي يُحتسب على أساسه راتبه الشهري هو 537 (الرقم الاستدلالي للتصنيف 12) ) + 125 الرقم الاستدلالي للدرجة الخامسة).
وبناء على ما سبق، سيتمّ احتساب الراتب الرئيسي لـ “س” كالتالي:
45x (537+125)
ما يساوي 29.790 دينار جزائري (كراتب رئيسي بدون احتساب التعويضات والعلاوات)، ومن شأن رفع قيمة النقطة الاستدلالية إلى ما يفوق قيمتها الحالية 45 دج، أن يُساهم في ارتفاع رواتب جميع الموظفين التابعين لقطاع الوظيف العمومي، حسب القيمة الجديدة لها، وهو ما سيسمح حسابيًا، على الأقل، إلى جانب تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي التي تُخصم من الأجور، في دعم مداخيل هذه الفئة من المواطنين.