طباعة هذه الصفحة

عندما تعجز مكابح الموت عن الفرملة

حوادث المرور.. قتل مع سبق الإصرار والترّصد

فايزة بلعريبي

تحوّلت الطرقات في بلادنا إلى آلات حاسبة تسجّل أرقاما مخيفة تعكس عدم التمكّن من مواجهة ظاهرة حوادث المرور، ففرامل السيارات لم تتمكّن من كبح الموت، الذي أصبح من الأخبار السيئة التي لا تخلو منها يومياتنا، حيث كانت سنة 2021 سنة استثنائية بالمقارنة مع الفترة الممتدة بين 2015 و2020.
ويرجع ذلك حسب المختصّين إلى تراجع في تدابير الحيطة والحذر بالنسبة لمستعملي الطريق سواء كانوا سائقين أو راجلين، إلى جانب السلوكيات المتهوّرة لبعض الأفراد التي تعود إما إلى نقص في النضج والوعي المروريين أو إلى الضغط النفسي الذي تولّد لدى الفرد جراء حجر صحي فرضته ظروف صحية ووبائية، طالت كل بلدان العالم.
أيّا كانت الأرقام وأيّا كانت الأماكن التي سجّلت بها، فالموت واحد وغير ذلك فالإعاقة هي المصير الذي سيقضي على مستقبل عائلة كاملة، ويهدّد مسارا تنمويا بأكمله، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أغلب ضحايا حوادث المرور هم شباب في أوجّ القدرة على الإنتاج، والمساهمة في بناء الاقتصادي الوطني، وتحقيق الإستراتيجية التنموية للبلاد التي تعتمد بشكل رئيسي على فئة الشباب.

مندوبية وطنية للأمن عبر الطّـرقات
في ظلّ وضعية اللاّأمن التي نعيشها اليوم، ولأنّ أرواح المواطنين وسلامتهم تأتي في المرتبة الأولى من حيث اهتمامات الحكومة، لجأت هذه الأخيرة إلى استحداث مندوبية وطنية للأمن عبر الطرقات تابعة لوزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، كهيئة تعمل على تجسيد وتوحيد جهود كل الفاعلين في المجال، حيث تتولى المندوبية الوطنية للوقاية والأمن في الطرق مهمة التخطيط والتنسيق، ووضع الإستراتيجية الوطنية في مجال الوقاية والأمن في الطرق.

السّـداسي الأوّل.. مـؤشّـرات اللاّأمن المروري
تمّ تسجيل 12490 حادث مرور جسماني خلال السداسي الأول لسنة 2021، وهي الوضعية التي أثّرت بشكل واضح على باقي مؤشرات الأمن عبر الطرق على المستوى الوطني، حيث أسفرت حوادث المرور على تسجيل 1567 قتيل و16573 جريح.
وتعتبر الفئة العمرية للسائقين الشباب، الذين تتراوح أعمارهم ما بين (18 و29 سنة) الأكثر تورّطا في حوادث المرور المسجّلة خلال السداسي الأول لسنة 2021، حيث تسبّبت هذه الفئة في وقوع 4403 حادث مرور جسماني، أي بنسبة 35.25 ٪ من مجموع الحوادث المسجلة. كما يتصدّر الأطفال والشباب الأقل من 29 سنة قائمة ضحايا حوادث الطرق.
تشير التحريات إلى تورّط فئة السائقين المتحصّلين على رخصة سياقة أقدميتها أقل من خمس (05) سنوات في 5340 حادث مرور جسماني خلال السداسي الأول لسنة 2021، وهو ما يعادل 42.76 ٪ من إجمالي السائقين المتورطين.
يليها تورّط أصحاب الدراجات النارية في 2625 حادث مرور جسماني خلال السداسي الأول لسنة 2021، أي بنسبة 21.02 ٪ من إجمالي حوادث المرور، للتذكير، فإن الدراجات النارية لا تمثل سوى 03,08 ٪ من إجمالي مركبات الحظيرة الوطنية، أي ما يعادل 287932 دراجة نارية.

مناطق يفضّـلها الموت عن أخرى
تعتبر باتنة الولاية الأكثر عرضة لحوادث المرور، حيث احتلت صدارة الولايات في عدد الحوادث بتسجيلها لـ 538 حادث مرور جسماني خلال السداسي الأول لسنة 2021.
بينما نجد في المرتبة الثانية ولاية المسيلة، التي سجلت بدورها 476 حادث، تليها في المرتبة الثالثة ولاية الجزائر العاصمة، التي سجّلت بدورها 470 حادث مرور جسماني خلال نفس الفترة.
بالنسبة للأسباب، تتصدّر السّرعة المفرطة أسباب وقوع حوادث المرور في الجزائر خلال السداسي الأول لسنة 2021، حيث تسبّبت في وقوع 1886 حادث جسماني، أي بنسبة 15.10 ٪، كما سجل 1834 حادث مرور جسماني بسبب نقص الحيطة والحذر من طرف السائقين، أي 14.68 ٪ من مجمل أسباب الحوادث المتعلقة بالعامل البشري، بينما كان عدم انتباه الراجلين وراء تسجيل 856 حادث مرور، أي ما يعادل 6.85٪.

وقاية وتحسيس طول السنة وعلى طول الطّـريق
تستثمر المندوبية في التوعية والتحسيس وترقية الثقافة المرورية لدى مستعملي الطريق، وهذا من خلال تنظيم حملات التحسيس والوقاية رغم الظروف الصحية الراهنة، حيث أطلقت الحملة التحسيسية الوطنية للوقاية من حوادث المرور خلال الصائفة الماضية، تحت شعار «معا.. لصيف دون حوادث»، وتهدف الحملة إلى توعية مختلف مستعملي الطرق بمخاطر السياقة، عن طريق تنظيم تظاهرات توعوية على مستوى كل الولايات، مع تكثيف البرامج الإعلامية (التلفزيونية والإذاعية) والومضات التّحسيسية الرامية إلى نشر ثقافة السلامة المرورية لدى مستعملي الطرق.
وتعتمد المندوبية كذلك على صفحاتها على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، للتفاعل مع مستعملي الطرق، ونشر كل ما يهم أمن الطرقات في الجزائر.

القضاء على النّـقاط السّـوداء.. أولوية تنموية
النّقطة السّوداء هي مقطع الطريق الذي تتكرّر فيه حوادث المرور بصفة مستمرة، إما بسبب عيوب في الطريق، غياب الإشارات أو لأسباب أخرى.
وفي هذا الصدد تعمل المندوبية على القضاء على هذه النقاط على المستوى الوطني، بالاعتماد على المعطيات التي توفرها الاستمارة الوطنية لجمع البيانات، خاصة المتعلقة بمكان وقوع الحادث وأسبابه، حيث فور تحديد المشكلة، يتمّ اتخاذ الإجراءات اللازمة، بالتعاون مع السلطات المعنية، كل حسب اختصاصه.
وقد أحصت المندوبية إلى غاية اليوم 817 نقطة سوداء على مستوى 27 ولاية فقط، يتمّ العمل على إزالتها بالتعاون مع السلطات المحلية، في حين يتمّ التنسيق مع باقي الولايات لرصد كل النقاط على المستوى الوطني.

استثمار في المورد البشري أولوية
التكوين وتنظيم امتحانات رخصة السياقة، ووضع برنامج وطني للتكوين، وخريطة وطنية لامتحانات رخصة السياقة، برامج على المديين المتوسط والطويل، تدخل في قلب اهتمامات المندوبية التي كشفت مؤخرا، عن مشروع وطني بين وزارة الداخلية من خلال المندوبية الوطنية للأمن عبر الطرقات، وزارة النقل ووزارة التربية من أجل وضع برنامج للتربية المرورية للأطوار الثلاثة من أجل تحقيق تربية مرورية متواصلة عبر المدارس من الابتدائي إلى الثانوي، حيث سيتقدّم التلميذ الذي يبلغ من العمر 17 أو 18 سنة إلى اجتياز امتحان الحصول على رخصة السياقة، وهو قد تلقى المبادئ الأولية في قانون المرور والثقافة المرورية، ما نعتبره استثمارا حقيقيا، هو ذلك الاستثمار في المورد البشري الذي راهنت عليه أغلب الدول الرائدة في مجال الأمن المروري، حيث استثمرت في الثروة البشرية.
كما لا يجب إقصاء دور الأولياء من هاته المعادلة التوعوية، فالطفل مقلد أعمى، ينتج ما يتعلّمه من أهله لذا لابد من التعامل مع الطفل بحذر فيما يخص تلقينه المبادئ الأولية لاستعمال الطريق التي تبدأ من الأسرة.

أخيرا
علينا أن ندرك أن حوادث المرور تحصد في الجزائر سنويا آلاف الأرواح، محوّلة فترات الذّروة التي تكثر فيها إلى مآتم تعيشها الطّرقات مع بداية كل فصل شتاء، حيث تساهم فترة التّقلّبات الجوية في إرباك السّائقين خاصة المتحصّلين الجدد على رخصة السياقة، ما يؤدّي إلى حدوث مجازر مرورية، تكشف في أغلب الحالات عن نقائص في صيانة الطرقات.
تهمة تلفق لمنظومة تنموية هشّة لم تتمكّن من التستر وراء ضباب الشتاء وحجبه للرّؤية، ما يؤدّي إلى حوادث مميتة، ولا وراء طيش شباب وجد في الطرق السّريعة متنفّسا لتفجير طاقته، واستعراض سيطرته على دراجته النارية أو التفاخر بسيارة من آخر طراز كانت هدية مناسبة عائلية ما، لم يبلغ من النضج بعد ما يسمح له تقدير سعرها ولا مخاطرها.
المصدر: مجلة التنمية المحلية (بتصرف)