طباعة هذه الصفحة

من أجل الاقتراب من المناعة الجماعية

صنهاجي يدعو لتلقيـح 400 ألـف شخـص في اليـوم

جمال الدين بوراس

 يجزم البروفيسور صنهاجي أنّ الحل لتفادي موجة التفشي الرابعة التي ينتظر أن تضرب مع فصل الخريف، هو تسريع وتكثيف حملة التلقيح في كل مناطق الوطن، بحيث يجب - حسبه - تلقيح ما بين 200 ألف إلى 400 ألف شخص في اليوم للاقتراب من المناعة الجماعية، وعليه سيقل عدد الأشخاص المصابين الذين يدخلون مصالح الإنعاش بسبب تدهور حالتهم، كما سيقل الضغط أيضا على المنظومة والأطقم الطبية التي تكافح الفيروس منذ سنة ونصف.

 يؤكّد المتحدّث أنّ الإشاعة التي مفادها أنّ التلقيح في وقت ذروة انتشار الفيروس قد يؤدّي إلى تدهور صحة الملقّحين لا أساس علمي لها، إذ يقول «بالعكس، وجب علينا تلقيح أنفسنا الآن حتى نكتسب الوقت والمناعة، أمّا بخصوص الأعراض التي قد تصاحب عملية التلقيح فلا علاقة لها بأعراض الإصابة بالفيروس».
ويؤكّد البروفيسور أنّ رئيس الجمهورية يأخذ بعين الاعتبار الاستشارات والحلول العلمية التي تقدّم له لمجابهة تطوّر وتفشي الفيروس، من بينها مقترح اللجوء إلى «الحجر الكلي» في حال تدهور الوضع وتزايد أعداد الإصابات، رغم التّأثيرات المنهكة لهذا الإجراء الذي «يصب في منفعة المواطنين».
تعد الوكالة الوطنية للأمن الصحي، التي أنشئت بمقتضى مرسوم رئاسي، مؤسّسة للرّصد والتّشاور واليقظة الإستراتيجية والتوجيه والإنذار في مجال الأمن الصحي، وقد أسندت لهذه الوكالة التي يرأسها البروفيسور كمال صنهاجي، جملة من المهام، حيث «تكلّف بإعداد الإستراتيجية الوطنية للأمن الصحي والسّهر على تنفيذها»، وهذا بالتّشاور مع الهياكل المعنية.
تضمن وكالة الأمن الصحي تنسيق البرامج الوطنية للوقاية من التّهديدات وأخطار الأزمات الصحية ومكافحتها، إضافة إلى أنّها تتولى مهمّة المستشار العلمي لرئيس الجمهورية في مجال الأمن الصحي وإصلاح المنظومة الوطنية للصحة العمومية.
ويدير الوكالة رئيس برتبة مستشار برئاسة الجمهورية يساعده نائب، وهو المنصب الذي تولاّه المختص البارز في الأمراض المعدية إسماعيل مصباح، بالإضافة إلى مستشار خاص برتبة مكلّف بمهمّة برئاسة الجمهورية، يعيّنون كلّهم بمرسوم رئاسي.
للوكالة أجهزة للاستشارة والتّوجيه العلمي واليقظة الإستراتيجية، تتشكّل من شخصيات علمية وخبراء ومتخصّصين مشهود لهم بالكفاءة في مجالات اختصاصهم.
يشخّص رئيس الوكالة الوطنية للأمن الصحي البروفيسور كمال صنهاجي، في لقاء أجراه مع مجلة «الشعب الاقتصادي» حال المنظومة الصحية بعد عام من توليه منصب رئيس الوكالة، ويستعرض جملة الإصلاحات الاقتصادية التي يمكن أن تمس قطاع الصحة، إضافة إلى دور الوكالة «الاقتصادي» في مسعى إعادة هيكلة المنظومة الصحية الجزائرية.

تشخيص لواقع المنظومة الصحية الجزائرية

 بعد عام على تنصيبه كرئيس للوكالة الوطنية للأمن الصحي التي تتولّى مهمة المستشار العلمي لرئيس الجمهورية في مجال الأمن الصحي وإصلاح المنظومة الوطنية للصحة العمومية، يرى البروفيسور كمال صنهاجي أنّ المنظومة الصحية الجزائرية الحالية ورثت جملة من المشاكل والنّقائص جعلت خدماتها لا ترقى لمستوى تطلّعات ومطالب المواطن، حيث لم تتمكّن من توفير المتطلّبات الصحية اللازمة التي تستدعيها التطورات الاجتماعية والصحية اليوم، وقد زاد التفشي الرّهيب لوباء كوفيد-19 من متاعبها وضعفها، إذ أظهرت الجائحة العيوب والنّقائص المخفية في المنظومة تماماً كما فعلت مع سائر المنظومات الصحية العالمية.
ولم تتمكّن الإصلاحات التي أطلقت طيلة السنوات الماضية من الوصول إلى الأهداف التي سطّرتها السلطات العمومية لأسباب يقول رئيس الوكالة إنّها متعدّدة، منها الاقتصادية، حيث حالت الأزمة المالية والاقتصادية التي نجمت عن تراجع أسعار المحروقات السنوات الأخيرة، دون تجسيد العديد من البرامج الإصلاحية، في حين لم تُستغل فترة الرخاء المالي للقيام باستثمارات هيكلية كبرى ومشاريع تطوير لقطاع الصحة.

أمن البلاد الصحي من أمنها الاقتصادي

 يؤكّد البروفيسور كمال صنهاجي في حديث لمجلة «الشعب الاقتصادي»، أنّ أمن البلاد الصحي امتداد لأمنها الشّامل، لأنّ قطاع الصحة بمثابة القلب النابض الذي يمد باقي القطاعات بالحياة، فـ «المواطن المريض لا يمكن أن يساهم في بناء دولة»، ولا يمكن حسب رئيس الوكالة الوطنية للأمن الصحي حصر معنى الأمن الصحي في المستشفيات أو العناية الطبية المتوفرة بمختلف الهياكل الطبية فقط، فالمنظومة الإستشفائية مجرّد عنصر أساسي من عناصر الأمن الصحي الذي تتداخل وتؤثّر عوامل متعدّدة في تشكيلته، بدءاً بالمناخ والنظام الغذائي المعتمد في كل مجتمع، وكذا جودة ونقاء المياه وغيرها.
ويرى صنهاجي أنّ ضمان الأمن الصحي يستدعي تكييف العديد من الأنشطة الاقتصادية مع المعايير الصحية ومراقبة مدى استجابتها لها، بداية بأنشطة الاستيراد التي كثيراً ما أدخلت للبلد موادً وسلعاً لا تستجيب لأيّة معايير صحية دولية، إضافة إلى أنشطة بعض المصانع التي لا تحترم هي الأخرى قواعد السّلامة المناخية، وصولاً إلى محلات بيع الأطعمة التي باتت تؤسّس لأنظمة غذائية مضرّة، ومهدّدة لأمن البلاد والمواطنين الصحي.
يؤكّد رئيس الوكالة في ذات السياق، أنّ تعزيز أمن البلاد الصحي والاقتصادي على حد سواء، يأتي عن طريق الرفع من القدرات والطاقات الإنتاجية لبعض الحاجيات والمواد الطبية الإستراتيجية، كما أنّ بعث مزيد من الاستثمارات في المعدّات والمنتجات الكيماوية الطبية يحفظ للبلاد سيادتها الاقتصادية ويغنيها عن التبعية للخارج، حيث يقول «رأينا هذا جليّاً في أزمة وباء كوفيد-19، فقد كان لزاماً علينا في الأشهر الأولى الاستنجاد ببعض الدول الصديقة للحصول على مكوّنات بعض الأدوية التي نستطيع تصنيعها هنا في الجزائر، مثل الكلوروكين، ليس لأنّنا لا نملك مكوّناتها، بل لأنّنا تخلّينا عن تصنيعها في السنوات الماضية، ومن هذا المنطلق تحوّلنا من مصنّع لأمننا الصحي إلى مشترين له، وبعد اشتداد الأزمة رفضت هذه الدول حتى إمدادنا بالمكوّنات الرئيسية للأدوية أو اللقاحات إلاّ بعد تلبية كامل حاجياتها». ويشدّد البروفيسور صنهاجي على أنّ تجربة فيروس كوفيد-19 تملي علينا إعادة بعث الصناعات الكيماوية والطبية الإستراتيجية التي كانت مزدهرة في الجزائر في وقت مضى، مثلها مثل مراكز إنتاج اللقاحات التي أهملت هي الأخرى، فكانت نتيجة ذلك تشكّل تبعية تامة للمخابر العالمية المنتجة للقاحات اليوم. ويؤكّد رئيس الوكالة أنّ عودة هذه الصّناعات الصيدلانية سيضمن للجزائر أمنها واستقلاليتها الصحية والاقتصادية في حال حصول أزمات وبائية أو صحية أخرى في المستقبل، وعودة هذه الصّناعات من بين مقترحات المشاريع التي تكتسي أولوية بالنسبة للوكالة.

الصّـحة قطاع اقتصادي مدرّ للثّـروة

 يشدّد رئيس الوكالة الوطنية للأمن الصحي، على أنّ الإصلاحات المبرمجة في قطاع الصحة ستطبّق وفق منطق اقتصادي جديد، بحيث ستتم المحافظة على الخدمات الصحية المدعّمة من طرف الدولة، خاصة بالنسبة للأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة والخطيرة، إضافة إلى الفئات الهشّة التي تحتاج الدّعم والمساندة، وهذا حفاظاً على مبدأ «الصّحة للجميع»، وبالموازاة مع الخدمات المدعّمة، يجب على النّظام الصحي في الجزائر أن يكون مرفوقاً ومدعوماً بخدمات القطاع الخاص المدفوعة الثمن.
ويؤكّد البروفيسور صنهاجي أنّ تحدّي الرّفع من جودة الخدمات الصحية في القطاع العمومي يستوجب إدخال بعض التّعديلات، بحيث يصبح لزاماً على المواطنين الميسورين والقادرين مادياً، المساهمة في دفع ثمن قيمة بعض الخدمات، الأمر الذي سيقلّل من نفقات القطاع، ويمنحه موارد مالية يمكن استثمارها فيما بعد بهدف ترقية مستوى مرافقه وخدماته الصحية.
وسيمكّن هذا التّوجّه، القطاع العمومي حسب صنهاجي من توفير خدمات صحية ومؤسّسات استشفائية راقية تجنّب المواطنين عناء التنقل إلى الخارج لمعالجة بعض الأمراض التي سيصبح بالإمكان التكفل بها محلياً، إضافة إلى امكانية استقطاب عدد كبير من المرضى في الدول الإفريقية المجاورة للقدوم والتدواي في الجزائر مع دفع تكلفة الاستشفاء، وبهذا يمكن لقطاع الصحة أن يضمن موارده المالية، ويوفّر خدمات صحية مُرضية. وينتظر أن تتجسّد هذه الرّؤية الاقتصادية الجديدة لقطاع الصحة حسب ذات المسؤول، في مشروع مستشفى يتّسع لـ 700 سرير سيقام بالجزائر العاصمة، وتحديداً في بلدية «سطاوالي»، حيث سيكون بنفس مستوى ومواصفات المستشفيات الأوروبية التي يقصدها كثير من الجزائريّين للعلاج، وسيوفّر نفس خدماتها الطبية، بالمقابل سيكون بإمكان المواطنين القادرين على دفع ثمن استشفائهم، الاستفادة من خدمات هذا الهيكل الاستشفائي.
وتسعى استراتيجية الإصلاحات التي تعكف الوكالة الوطنية للأمن الصحي على إعدادها، لتحويل الصحة إلى قطاع اقتصادي منتج للثروة بدل كونه مستهلكاً لها فقط.

إصلاحات صحية واقتصادية

 يؤكّد رئيس الوكالة في حديثه لـ «الشعب الاقتصادي»، أنّ الإصلاحات المسطّرة التي تستهدف المنظومة الصحية، تأخذ بعين الاعتبار جانب الإستراتيجية الاقتصادية القطاعية في تجسيد المشاريع الإصلاحية، التي يجب أن تخضع لتقييم ودراسة اقتصادية واجتماعية قبل الشروع في إنجازها، فحسب البروفيسور صنهاجي، من غير المجدي لا صحيا ولا اقتصاديا - على سبيل المثال - إقامة نفس الهياكل الصحية بنفس الخدمات والتّخصّصات في 58 ولاية، بل يجب بالأحرى توزيع هذه الهياكل والتّخصّصات الطبية حسب عدد السكان، وحسب نوعية الأمراض ومدى انتشارها في كل منطقة، وبناءً على المعطيات الديموغرافية والصحية المستقاة.
عن «الشعب الاقتصادي» بتصرّف