دول شمال إفريقيا ستعاني من شحّ المياه
تختلف أسباب الهجرة والنّزوح، التي قد تكون بسبب الحروب وعدم الاستقرار السياسي، أو ضعف التنمية، أو مجرّد البحث عن معيشة أفضل. والتّغيّرات المناخية أيضا من مسبّبات الهجرة، ولنا في التاريخ أمثلة كثيرة عن ذلك. وفي هذا الصدد، نشر البنك الدولي، قبل أسبوع، تقريرا جاء فيه أن تغيّر المناخ قد يجبر 216 مليون شخص في ست من مناطق العالم على الارتحال داخل حدود بلدانهم بحلول 2050. كما ستشهد دول شمال أفريقيا، بما فيها الجزائر، من شحّ في المياه.
توصَّل تقرير البنك الدولي المُحدَّث، الذي صدر بعنوان «Groundswell» إلى أن تغيّر المناخ، باعتباره أحد عوامل الهجرة التي تزداد قوة كل يوم، من شأنه أن يجبر 216 مليون شخص، في ست من مناطق العالم، على الارتحال داخل حدود بلدانهم بحلول عام 2050.
وأضاف التقرير، الذي نشر البنك الدولي جزءاً منه، بحر الأسبوع الماضي، أضاف أنّه قد تظهر بؤر ساخنة للهجرة الداخلية الناجمة عن تغيّر المناخ بحلول عام 2030، وتواصل انتشارها وتفاقمها بحلول 2050. وممّا خلص التقرير إليه أنَّ «التحرك سريعا لاتخاذ إجراءات فورية ومُنسَّقة، للحد من الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة ودعم التنمية الخضراء الشاملة للجميع والقادرة على الصمود، قد يحد من نطاق الهجرة بسبب تغير المناخ بنسبة تصل إلى 80 %».
إفريقيا وشرق آسيا الأكثر تضرّرا
لاحظ المؤلّفان الرّئيسيان للتّقرير، وهما «كانتا ريغود» و»فيفيان كليمنت»، أنّ «تغير المناخ، ولا سيما تداعياته من زيادة شحّ إمدادات المياه، ونقصان إنتاجية المحاصيل وارتفاع منسوب مياه البحر بسبب الأعاصير العاتية، قد يجبر الناس على الهجرة للخلاص من البؤس وضيق العيش. وقد تشهد البلدان ظهور البؤر الساخنة للهجرة الناجمة عن تغيّر المناخ بحلول عام 2030 ثم تشتدّ وتيرتها ويتّسع نطاقها».
ويشتمل التقرير على تقديرات جديدة من ثلاث مناطق: شمال إفريقيا، وشرق آسيا والمحيط الهادئ، وشرق أوروبا وآسيا الوسطى. وهو يبني على الإصدار الأول لتقرير «Groundswell» سنة 2018، الذي غطَّى مناطق إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية.
وبالجمع بين هذين التّقريرين، خلصت التّوقّعات في جميع المناطق حتى عام 2050، إلى أنَّ منطقة إفريقيا جنوب الصحراء قد تشهد اضطرار ما يصل إلى 86 مليون شخص، إلى الهجرة الداخلية بسبب تغير المناخ، وسيبلغ عددهم في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ 49 مليونا، وفي جنوب آسيا 40 مليونا، وفي شمال إفريقيا 19 مليونا، ووفي أمريكا اللاتينية 17 مليونا، وفي شرق أوروبا وآسيا الوسطي 5 ملايين شخص.
كما يُتوقّع أن تزداد الهجرة الداخلية الناجمة عن تغير المناخ خلال العقود القليلة القادمة، ثم تتسارع وتيرتها في النصف الثاني لهذا القرن، في حال ما إذا فشلت الدول في تخفيض الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة وبناء القدرة على الصمود في وجه الآثار الحالية والمستقبلية لتغير المناخ، وهو ما من شأنه أن يخلق، بحلول 2030، ما يُسمَّى «البؤر السّاخنة» للهجرة بسبب تغير المناخ داخل البلدان، مع حدوث الهجرة إلى الخارج في المناطق التي تتعرّض فيها سبل كسب الرزق للخطر بسبب تغيّر المناخ، والهجرة الداخلية في المناطق التي توجد فيها فرص أفضل للعيش وكسب الرزق.
ونتطرّق هنا إلى بعض النتائج الرئيسية من مناطق التركيز الفرعية الجديدة في هذا العدد الثاني من التقرير، الذي سلّط الضوء على كيفية التخطيط لمواجهة الهجرة الناجمة عن تغير المناخ، على اختلاف ما تشهده المناطق من سياقات مناخية وسكانية وإنمائية وارتحال. ويقترح التقرير نظرة فاحصة على أنماط الهجرة الداخلية الناجمة عن تغير المناخ في ثلاث مناطق فرعية.
مشكلة المياه في شمال إفريقيا
في شمال إفريقيا، من المتوقع أن تصبح التغيرات في الكميات المتاحة من إمدادات المياه الدافع الرئيسي إلى الهجرة الداخلية بسبب المناخ، إذ ستجبر الناس على ترك المناطق الساحلية والداخلية التي يزداد فيها شح إمدادات المياه، وتبطئ النمو السكاني في هذه البؤر الساخنة للهجرة الخارجية على امتداد الساحل الشمالي الغربي للجزائر، والساحل الشمالي الشرقي لتونس، وغرب المغرب وجنوبه، وسفوح جبال أطلس المتوسط التي تعاني بالفعل من شح المياه. أما في مصر، فقد تصبح أيضا الأجزاء الشرقية والغربية من دلتا النيل، ومنها الإسكندرية بؤرا ساخنة للهجرة الخارجية بسبب تناقص إمدادات المياه المتاحة وارتفاع منسوب سطح البحر.
وفي الوقت نفسه، يضيف التقرير، قد تصبح عدة أماكن ذات وضع أفضل من حيث إمدادات المياه المتاحة بؤرا ساخنة للهجرة الداخلية بسبب تغير المناخ، ويذكر التقرير من بينها مراكز حضرية مهمة مثل القاهرة والجزائر العاصمة ومدينة تونس وطرابلس ومحور الدار البيضاء ـــ الرباط وطنجة. ففي المغرب، على سبيل المثال، ستحتاج المدن الساحلية الآخذة في الاتّساع إلى إجراء تخطيط عمراني قادر على الصمود في وجه تقلبات المناخ وشامل للجميع يراعي المخاطر المناخية وآثارها على القطاعات الاقتصادية الرئيسية والبنية التحتية الحضرية.
وفي الوقت نفسه، ستظل تدابير التكيف ذات أهمية حيوية للقطاعات شديدة التأثر بالمناخ، ومنها الزراعة بالنظر لأهميتها لسبل كسب الرزق والوظائف في المنطقة.
هجرة خارجية في الحوض الأسفل للميكونغ
بالنسبة لمنطقة الحوض الأسفل لنهر الميكونغ، قد يتسبَّب ارتفاع منسوب سطح البحر والأعاصير العاتية في نشوء بؤر ساخنة للهجرة الخارجية بسبب المناخ في بعض المناطق الساحلية المنخفضة وكثيفة السكان، مثل دلتا الميكونغ في فييتنام. وهي تُشكِّل خطراً على سبل كسب الرزق المحلية الرئيسية مثل إنتاج الأرز وتربية الأحياء المائية ومصائد الأسماك. ومن المتوقع أن تظهر بؤر ساخنة للهجرة الداخلية بسبب المناخ في مناطق تشهد بالفعل تزايد أعداد السكان مثل دلتا النهر الأحمر والمنطقة الساحلية الوسطى لفييتنام، التي تتّسم بظروف أفضل من حيث إمدادات المياه المتاحة وإنتاجية المحاصيل. ولكن من المتوقع أيضا أن يزداد تعرُّض المنطقة لعواصف استوائية شديدة ومتكررة بشكل متزايد.
وفي فييتنام، ستحتاج المراكز الحضرية الساحلية الكبرى إلى إجراء تخطيط عمراني مراعٍ لتقلبات المناخ، وسيلزم أيضا اتخاذ إجراءات مبكرة ومُنسَّقة لإعداد المناطق الزراعية الرئيسية المنخفضة لمجابهة أثار تغير المناخ. وتعمل فييتنام جاهدة بالفعل لمجابهة مخاطر تغير المناخ، وسيكون تكثيف تلك الجهود ــ ومنها التخطيط العمراني الاستباقي متعدّد القطاعات، واعتماد الحلول التحويلية ــ ضروريا للحفاظ على المسار الإنمائي القوي للبلاد.
ترشيد التّخطيط العمراني بآسيا الوسطى
في آسيا الوسطى، سيؤدّي توافر إمدادات المياه وإنتاجية المحاصيل إلى نشوء بؤر ساخنة للهجرة الداخلية بسبب المناخ في مناطق ذات كثافة سكانية عالية بالفعل ومنتجة اقتصاديا مثل وادي فرغانة، وفي مناطق جديدة ذات فرص محتملة لكسب الرزق مثل شمال كازاخستان. ولكن المناطق الجبلية المهمة للزراعة والرعي في جمهورية قيرغيزتان التي ستعاني من زيادة شح إمدادات المياه قد تشهد زيادة الهجرة من الريف إلى الحضر. ومن الأهمية بمكان أن يراعي التخطيط العمراني في قيرغيزستان اعتبارات المناخ، وأن يضمن حصول الجميع على مساكن لائقة وفرص العمل وخدمات البنية التحتية والاتصال الشبكي. وتتخذ قيرغيزستان بالفعل خطوات لتحقيق صمود القطاعات شديدة التأثر بتقلبات المناخ، والتنويع الاقتصادي من خلال دمج أولويات العمل المناخي في الإستراتيجيات والعمليات الإنمائية الوطنية.
الأمل قائم..بشروط
ما من منطقةٍ في العالم بمنأى عن الهجرة المحتملة الناجمة عن تغير المناخ، بتأثيرها على سبل كسب الرزق في المجتمعات المحلية وفقدان صلاحية العيش في أماكن شديدة التعرض للخطر، وفقا لتقرير البنك الدولي.
بالمقابل، استدرك المؤلفان بقولهما إن الأمل ما يزال قائما، مؤكّديْن أنّ «فرصة التحرك من أجل العلاج ما تزال سانحة. وما من شكٍ في أن الحدّ من الخسائر البشرية لتغير المناخ يتطلب في المقام الأول تخفيض الانبعاثات والحرص على اتباع نهج التنمية الخضراء القادرة على الصمود والشاملة للجميع. وفي الوقت ذاته، يمكن للبلدان أيضا التنبؤ والتأهب لمواجهة عوامل الهجرة وأسبابها، وذلك على سبيل المثال بمساعدة المجتمعات المحلية على التكيف في أماكنها بتنويع سبلها لكسب الرزق أو تسهيل ارتحالها إذا اقتضت الضّرورة».
ويخلص التقرير إلى أن المسارعة إلى اتخاذ إجراءات مُنسَّقة لخفض انبعاثات غازات الدفيئة والحرص على اتباع نهج التنمية الشاملة للجميع، والقادرة على الصمود ذات أهمية بالغة، وقد تحد من نطاق الهجرة الداخلية الناجمة عن تغير المناخ بنسبة تصل إلى 80 %. وقد تؤدي مسارات خفض الانبعاثات العالمية إلى الحد من آثار تغير المناخ، ومنها تناقص إنتاجية المحاصيل، وشح إمدادات المياه، وارتفاع منسوب مياه البحر. كما يخلص التقرير إلى أن المسارعة إلى اتخاذ إجراءات مُنسَّقة لخفض انبعاثات غازات الدفيئة والحرص على اتباع نهج التنمية الشاملة للجميع والقادرة على الصمود ذات أهمية بالغة، وقد تحد من نطاق الهجرة الداخلية الناجمة عن تغير المناخ بنسبة تصل إلى 80 %.
ومن خلال استخدام نهج يقوم على السيناريوهات المتوقعة، يستكشف التقرير النواتج المستقبلية المحتملة التي قد تساعد متّخذي القرار في المستقبل. ويتيح هذا النهج تحديد البؤر الساخنة للهجرة الداخلية والخارجية.
وفي هذا الصدد، يُقدِّم الإصداران الأول والثاني من تقرير «Groundswell» توصيات بشأن السياسات لدعم الجهود من أجل إبطاء الهجرة الناجمة عن تغير المناخ والتأهب للأوضاع التي قد تشهد ارتحال الملايين من الناس بحلول عام 2050. وتنتقل الحلول من العالمي ــ بما في ذلك خفض الانبعاثات وتضمين التخطيط الإنمائي الذي يتسم ببعد النظر عوامل تغير المناخ ــ إلى الوطني والمحلي، بمساعدة المجتمعات المحلية على التكيف أو الارتحال. وتشتد الحاجة إلى اتخاذ إجراءات مُنسَّقة في مجالات تتقاطع فيها قضايا المناخ والهجرة والتنمية إذا كان لنا أن نبطئ هجرة ملايين من الناس في المستقبل، يؤكد ذات التقرير.
ويُقدِّم التقرير سلسلة من توصيات السياسات التي تهدف إلى إبطاء العوامل التي تدفع إلى الهجرة بسبب تغير المناخ، والاستعداد لمواجهة الموجات المتوقعة من تدفق المهاجرين، ومن تلك السياسات: خفض الانبعاثات العالمية، وبذل كل جهد ممكن لتحقيق المستويات المستهدفة لدرجات الحرارة في اتفاق باريس..إدماج الهجرة الداخلية الناجمة عن تغيّر المناخ في التخطيط الذي يتسم ببعد النظر للتنمية الخضراء والقادرة على الصمود والشاملة للجميع..الاستعداد من أجل كل مرحلة من مراحل الهجرة من أجل أن تؤدّي الهجرة الداخلية بسبب عوامل المناخ كإستراتيجية للتكيف إلى نواتج إنمائية إيجابية..والاستثمار في تحسين فهم عوامل الهجرة الداخلية بسبب تغيّر المناخ من أجل إثراء السياسات الموجَّهةً توجيهاً جيداً.