أضحت المواهب الكروية الجزائرية تستقطب اهتمام أكثر من بطولة عربية وأوروبية، بعد الهجرة التاريخية للاعبين المحليّين خلال سوق التحويلات الصيفية المنصرم، إذ عرفت انتقال 26 لاعبا للاحتراف خارج الوطن، ولم تقتصر تعاقدات الفرق الأجنبية على المواهب الكروية الصاعدة، بل حتى على اللاعبين المخضرمين في صورة الثنائي قدور بلجيلالي وأمير سعيود، ما يؤكد قيمة اللاعب الجزائري الفنية التي تحتاج إلى اهتمام ورعاية أكثر لتفجير قدراتها، ولفت أنظار الناخبين الوطنيين جمال بلماضي ومجيد بوقرة، مثلما قام به النجم الصاعد آدم زرقان الذي تمكن من نيل أول فرصة للظهور بقميص المنتخب الأول خلال تربص شهر سبتمبر المنصرم.
باتت البطولة الجزائرية تجلب اهتمام كشّافي عدة بطولات عالمية للميركاتو الثالث على التوالي، وتحديدا منذ تتويج الفريق الوطني بكأس أمم أفريقيا 2019 بمصر، أين توجهت بوصلة الأندية العربية والأوروبية نحو الجزائر، من أجل خطف العصافير النادرة لتعزيز صفوفها، خصوصا بعدما فرض الكثيرون منطقهم وأسالوا الكثير من الحبر على الفرق التي مروا عليها، على غرار ما يقوم به كل من بن سبعيني، عطال، بوداوي، فرحات، درفلو، عسلة، زغبة، بدران، بن عيادة وآخرون.
نادي بارادو وتقليد “تسويق” اللاّعبين
انتقالات لاعبي البطولة الجزائرية دشّنها متوسط الميدان المتعدد المناصب آدم زرقان، الذي تعاقد مع فريق شارل لوروا البلجيكي يوم الفاتح جويلية المنصرم، وحلّ ببلجيكا بتاريخ 22 جويلية أي يومين قبل انطلاق بطولة جوبيلير برو ليغ، ليصبح حاليا قطعة أساسية في النهج التكتيكي لمدربه إدوارد ستيل، الذي تأكّد بأنّ خريج أكاديمية بارادو كنز وجب استغلال امكانياته، خصوصا بعدما اكتشف بأنه لاعب متعدد المناصب ويطبّق التعليمات فوق المستطيل الأخضر عن حذافيرها.
نادي بارادو الذي يعد المسوّق الأول للاعبين الجزائريين بخارج البلاد، وكما جرت عليه العادة في السنوات الأخيرة لم يقتصر سوق تحويلاته الصيفية على لاعب واحد، بل تمكّن من تحويل لاعبين آخرين إلى أوروبا، يتعلق الأمر بالموهبة الثانية لفريقه في وسط الميدان عبد القهار قادري، الذي انتقل إلى فريق كورتريه البلجيكي، بعدما تيقن الإخوة زطشي أن البطولة البلجيكية تمنح للاعبيه أفضلية التطور السريع للانتقال إلى تحد أكبر، مثلما كان الأمر مع الثنائي بن سبعيني وعطال في بداية تجربتهم الاحترافية.
كما تمكّنت إدارة الطواحين من إيجاد فريق جديد لهداف البطولة لموسم (2019 - 2020) زكريا نعيجي، الذي أعارته لمدة سنة مع أحقية شراء العقد لفريق بو الناشط في دوري الدرجة الثانية الفرنسية، بهدف بعث مشواره الاحترافي من جديد بعد فشله في تجربته الأولى بأوروبا رفقة نادي جيل فيسانتي البرتغالي، وبعده النادي الأفريقي التونسي الذي لم يتمكّن من تأهيله بسبب العقوبة المفروضة عليه الموسم المنصرم، قبل أن يقرّر العودة إلى البطولة الجزائرية من بوابة فريق اتحاد العاصمة معارا لمدة 6 أشهر، أين تمكّن خلالها ابن مدينة برج بوعريرج من خوض 19 مواجهة بمختلف المنافسات سجل على إثرها 5 أهداف، ليعود من جديد للاحتراف مع نهاية الموسم المنصرم من “الليغ 2” الفرنسية، هو الذي يصر على النجاح في آخر فرصة له، خصوصا أنه سيبلغ عامه السابع والعشرين شهر جانفي المقبل.
شبيبة الساورة..أوّل لاعب بالقارة العجوز
وصيف هدّاف البطولة بلال مسعودي مهاجم شبيبة الساورة، هو الآخر تمكّن من الاحتراف بأوروبا بجانب زميله في المنتخب المحلي عبد القهار قادري بفريق كورتريه البلجيكي، بعد موسم استثنائي قاد فيه صدارة ترتيب هدافي البطولة منذ بداية أطول موسم في تاريخ كرة القدم الجزائرية، إلا أن المايسترو أمير سعيود تمكن من اللحاق به وتجاوزه في الجولتين الأخيرتين من عمر الرابطة المحترفة لكرة القدم، تألق ابن مدينة الأخضرية لم يمر مرور الكرام، وجعله مطلب أكثر من نادي أوروبي خلال الميركاتو الأخير، ليضمن فريق شبيبة الساورة أول صفقة تحويلية نحو القارة العجوز منذ تأسيسه، والثالثة على التوالي بعد قدور بلجيلالي الذي انتقل صيف 2014 إلى النجم الساحلي التونسي ومتوسط الميدان فرحي الذي لعب للنادي الأفريقي التونسي الموسم المنصرم.
3 لاعبين من الوفاق بأوروبا
أقوى ثنائي هجومي في الرابطة المحترفة للموسم الكروي المنصرم حسام الدين غشة ومحمد الأمين عمورة، اللذين ساهما لوحدهما في 47 هدفا لفريق وفاق سطيف، من أصل 77 هدفا تمّ تسجيله بحضورهما، انتقالا باتجاه أوروبا خلال الميركاتو الصيفي لمزاملة رفيقهما إسحاق طلال بوصوف، حيث غادر غشة مبكرا باتجاه فريق أنطاليا سبور التركي، وتحديدا بتاريخ 17 جويلية المنصرم، أين دخل في أجواء التحضيرات للموسم الجديد وخاض لحد الآن 4 لقاءات في السوبرليغ التركية، كما خطف المهاجم الحر محمد الأمين عمورة، عقده الاحترافي الأول بمشواره الكروي بفريق لوغانو السويسري، وظهر لأول مرة الجمعة المنصرم في كأس سويسرا.
من جانبه، انتقل الجناح الأيسر لفريق شبيبة سكيكدة وليد حميدي إلى فريق “أف - سي” شكوبي المقدوني، ليصبح بذلك أول لاعب في التاريخ يلعب بالبطولة المقدونية من خريجي البطولة الجزائرية، ولعب لحد الآن خمسة مباريات ببطولة الدرجة الأولى المقدونية، وتمكّن من تسجيل هدف وحيد.
هجرة إلى البطولة التّونسية
من جهة أخرى، عرفت البطولة التونسية غزوة للاعبين الجزائريين للموسم الثالث على التوالي، بعدما انتقل 10 لاعبين للاحتراف بتونس، أين خطف النجم الساحلي التونسي ثلاثة أسماء هم الظهير الأيسر لفريق وفاق سطيف يوسف أمين لعوافي، وصخرة دفاع الحمراوة بوعلام مصمودي، والعائد من العقوبة إلياس بن يوسف، كما تعاقد فريق الصفاقسي التونسي مع متوسط ميدان شبيبة القبائل رايح، ومهاجم مولودية وهران محمد هشام نقاش، والتحق زميله السابق بمولودية الجزائر نبيل لعمارة بالنادي الإفريقي التونسي، بجانب عبد النور بلحوسيني.
كما انتقل المدافع المحوري لشبيبة القبائل نسيم مقيدش إلى فريق حمام الأنف، فيما توجّه متوسط ميدان سريع غليزان محمد رضا نكروف إلى فريق الشابة، رفقة مهاجم أمل عين مليلة محمد الأمين حامية الذي تراجع عن اللعب لفريق الديوانية العراقي، وهو نفس مصير مهاجم شباب قسنطينة عبد الحكيم أمقران، الذي فسخ عقده مع فريق الشرطة العراقي، لينضم إلى الاتحاد المنستيري الذي توج معه بلقب كأس السوبر منذ 5 أيام، ضد الترجي الرياضي التونسي بضربات الترجيح، فيما التحق مهاجم وداد تلمسان طويل الهواري بفريق الزوراء العريقي وتوج معه بلقب كأس السوبر العراقي.
فرق الجارة الشرقية هي الأخرى عادت للاهتمام باللاعب الجزائري، بعدما انتدب فريق أولمبيك خريبكة المغربي مدافعين، يتعلق الأمر بالظهير الأيسر المخضرم وليد بن شريفة، والمدافع المحوري لشباب قسنطينة نصر الدين زعلاني، كما استقدم فريق مولودية وجدة صخرة دفاع شبيبة القبائل بدر الدين سوياد.
الفرق السعودية تهتم أكثر
الفرق السعودية هي الأخرى خطفت عناصر مميزة، يتقدّمها أفضل لاعب بالبطولة الوطنية في الموسمين الأخيرين أمير سعيود، هدّاف الرابطة الوطنية المحترفة برصيد عشرين هدفا، وهدّاف رابطة الأبطال الأفريقية للنسخة الماضية برصيد 8 أهداف، الذي انتقل للعب بفريق الطائي، رفقة المخضرم الآخر قدور بلجيلالي المنتقل إلى فريق بيشة، الناشط في دوري الدرجة الأولى السعودي، كما دعم الحارس ليتيم صفوف
العين، والمحورين شحرور وخليلي انتقلا إلى فريقي الخلود وأحد على التوالي.
أما المهاجم القوي لفريق شبيبة القبائل رزقي حمرون، قرّر خوض تجربة جديدة مع الوافد الجديد على بطولة الدرجة الأولى المصرية نادي فاركو، كما يقترب عدة لاعبين بدوري الدرجة الثانية من التعاقد مع فرق عربية، على غرار النجم الصاعد لفريق رائد القبة رضا سعودي القريب من الدوري العماني.
ذهاب “كوادر” الفرق..خدم اللاّعبين
انتقال اللاعبين الجزائريين للعب بمختلف بطولات العالم أصبح أمرا محفزا للكثير من اللاعبين في مختلف الأقسام، وهو ما جعل عددا من الشباب يبرز في الموسمين الأخيرين، بعد رحيل الكثير من كوادر فرق النخبة، الأمر الذي اضطر الفرق إلى ترقية لاعبيها الشباب، ما خدم الجيل الحالي على غرار رباعي وفاق سطيف (عمورة، قندوسي، دغموم، لعوافي)، ولاعبي شباب بلوزداد ميريزيق وبلخير وبوراس، ومتوسط ميدان شبيبة القبائل كسيلة بوعالية، ونجل الأسطورة بلومي الجناح الأيمن محمد بشير.
الهدف المقبل لأندية النخبة يبقى بناء مراكز تكوين خاصة بها، للاستفادة من لاعبي الأكاديمية بعد سنوات عند الأكابر، وبعدها تسويقهم إلى الخارج كي تستفيد منهم مختلف المنتخبات الوطنية، مثلما يحدث في كامل بلدان التي تملك تقاليد عريقة في كرة القدم الأفريقية، التي أضحت تعتمد على التكوين وتسويق اللاعبين إلى كبرى البطولات بالقارة العجوز.
الشّح المالي واللّعب لـ “الخضر” سبب آخر
كان وراء هجرة الكثير من لاعبي الرابطة المحترفة لكرة القدم، الشح المالي الذي تتخبّط فيه أنديتهم خصوصا منذ انتشار فيروس كورونا، وهو ما جعل الكثير من اللاعبين يدينون بأزيد من 14 شهرا كاملا، مثلما حدث في كل من فرق شبيبة القبائل ومولودية وهران التي عرفت نزوحا غير مسبوق للاعبيها خلال الميركاتو المنصرم، وكذا فريق وفاق سطيف الذي يحاول احتواء الوضع منذ الموسم المنصرم.
من جهة أخرى، فإنّ طموح اللاعبين الشباب المتعطشين للبروز وارتداء قميص المنتخب الوطني، على غرار ما قام به كل من (سليماني، سوداني، دوخة، بدران، بن العمري، بلايلي، عطال، بن سبعيني، بوداوي، زرقان)، أضحى أمرا محفّزا خصوصا أن مهندس التتويج القاري أكدها في أكثر من ندوة صحفية وتصريح، بأنّ الذي يرى فيه قدرة على جلب الإضافة لكتيبة المحاربين سيدعم صفوفهم، وهو التصريح الذي رنّ في أذن جميع لاعبي البطولة، خصوصا بعدما تأكّدوا بأنه عندما يصرح بلماضي بشيء بطبق أقواله ويفي بوعوده.
ومن بين أهداف اللاعبين المحترفين خارج الوطن، العمل على خطف الألقاب المحلية والقارية مع الفرق التي يلعبون لها، خصوصا المتعاقدين مع فرق عريقة على غرار الفرق التونسية (الترجي الرياضي، النجم الساحلي، الصفاقسي، النادي الإفريقي)، المتعوّدة على بلوغ أدوار جد متقدمة في المنافسات القارية، وحصد أكثر من ثلاثة ألقاب في كل عشرية، عكس الفرق الجزائرية التي لم تتمكن منذ تاريخ 21 فبراير 2015، من تذوق طعم الفرحة بالتتويجات الخارجية، وكان ذلك مع فريق وفاق سطيف الذي نال لقب الكأس الأفريقية الممتازة ضد الأهلي المصري.
ومنذ ذلك التاريخ بلغت الفرق الجزائرية ثلاثة نهائي واحد في رابطة الأبطال، انهزم فيه اتحاد العاصمة أمام العملاق الكونغولي تي. بي مازامبي، ونهائيين في منافسة كأس الكونفدرالية الأفريقية لكرة القدم، الأول نشطه فريق مولودية بجاية ضد تي. بي. مازامبي، والثاني نشّطه فريق شبيبة القبائل الموسم المنصرم وانهزم أمام الرجاء البيضاوي المغربي، وهي وضعية تشجع اللاعبين على مغادرة البطولة لمعانقة الاحتراف الحقيقي، ولو كان ذلك مع فرق صغيرة في بطولات عربية وأوروبية محترمة.