تفـادي مخاطر موجة أخرى في يـد المواطنـين
تلقيــح الأطفال مهم بعد استفـادة جميع الكبـار
فرض دفـتر التّلقيـح لتحسـين وتيرة التّطعيـم
أكّد رئيس المخابر المركزية والجمعية الوطنية لعلم المناعة، البروفيسور كمال جنوحات في حوار لـ “الشعب”، أنّ تلقيح الأطفال ضد فيروس كورونا مهم بعد استفادة جميع الأشخاص، الذين تزيد أعمارهم عن 18 سنة من اللقاحات، والانتهاء من تلقيح الأكثر عرضة لمخاطر الفيروس، مشيرا إلى أنّ تجنب مخاطر موجات أخرى مرهون بمدى التزام المواطنين بالاجراءات الاحترازية، والاقبال بقوة على اللقاح لتلقيح أكبر عدد ممكن يمكن من الوصول إلى اكتساب مناعة جماعية في ظرف وجيز.
- الشعب: نعيش حالة وبائية مستقرّة في جميع الولايات، هل يعني هذا أنّ خطر ارتفاع الإصابات مجدّدا مستبعد؟
البروفيسور كمال جنوحات: صحيح أنّنا نعيش وضعا وبائيا مريحا في الأسابيع الأخيرة بعد أن عرف منحنى الإصابات في وقت سابق ارتفاعا كبيرا بسبب كثرة التجمعات في الأماكن العامة وغياب تطبيق شروط السلامة، وقد نتج عنه عدة مشاكل من بينها أزمة مادة الأكسجين واكتظاظ مصالح الإنعاش بالمصابين، ولكن هذا لا يعني زوال الخطر بما أننا ما نزال نسجل يوميا حالات مؤكّدة، ولا يمكننا التنبؤ بوقوع موجة رابعة ودرجة شدّتها وخطورتها، كما لا يمكن أيضا استبعادها لأن كل الاحتمالات واردة، ومن المهم الآن استغلال هذا الاستقرار في الحالة الصحية، وتوفر اللقاحات بكميات كافية لعدم تكرار نفس سيناريو الموجة الثالثة.
بما أنّ الدخول الاجتماعي على الأبواب، فإن مخاطر انتشار العدوى يكون أكبر بسبب تواجد عدد كبير من الأشخاص في أماكن مغلقة كالمكاتب وقاعات التدريس، خاصة وأن الفيروس موجود وهو سريع الانتقال بين المواطنين، لذلك فالحذر مطلوب لاسيما في حال عدم التمكن من تسريع وثيرة التلقيح نظرا لأن عدد الملقحين إلى حد الآن لا يفي بالغرض، ولن يساهم في تعزيز الحماية وكسر سلسلة تفشي الفيروس إلا بعد تلقيح من 70 إلى 80 بالمائة، لذلك ينصح بالاستمرار في الالتزام بإجراءات الوقاية وتجنب التجمعات وإقامة الأعراس التي تتسبّب في كل مرة في ارتفاع منحنى الإصابات، وتدهور الوضع الصحي في البلاد.
- هل يعدُّ تلقيح الأطفال والنّساء الحوامل ضد فيروس كورونا من الأولويات؟
نعم من الضّروري تلقيح هذه الفئة ضد فيروس كورونا، باعتبار أنّ السلالة المتحوّرة “دلتا “تمس الأطفال خاصة الرضع، ولا يقتصر الأمر على كبار السن فقط عكس ما لاحظناه مع انتشار الفيروس الأصلي “كوفيد-19”، والذي يؤثر على الأشخاص الراشدين بصفة أكبر، وهذا راجع الى خصائص فيروس “دلتا” كونه سريع الانتقال بين الأشخاص ولا يفرق بين الأعمار. ومن أجل مواجهة مخاطره لجأت الكثير من الدول إلى تلقيح الأطفال ما بين 12 و18 سنة من بينها الصين، التي اتخذت قرار تلقيح الأطفال ابتداء من 3 سنوات فما فوق، وتختلف الآراء الآن بين الخبراء والمختصين، فهناك من يرى بأنّ تلقيح هذه الفئة يعد أولوية، وأنا أعتقد بأن تلقيح الكبار هو الأهم الى حد الآن ويكفي لحماية الأطفال من الاصابة بالفيروس.
وبالنسبة للنساء الحوامل، فإن هذا الفيروس المتحور أصبح يشكّل خطرا كبيرا على صحتهن، وقد تسبّب في إصابات خطيرة لدى الكثير من الحوامل، ما جعل الخبراء يتّخذون قرار التلقيح لتعزيز الحماية من مخاطر الاصابة بعد استثناء هذه الفئة من خطة التلقيح المضادة لفيروس كورونا خلال التجارب السريرية للقاح، ولكن بعد ظهور سلالات جديدة وإجراء بعض الدراسات تمّ التأكد من أهمية تلقيح الحوامل والمرضعات من أجل تجنب المضاعفات في حال الاصابة بالفيروس.
ولكن يجب أن نشير إلى نقطة هامة، وهي أنّ عملية تلقيح الأطفال والحوامل والمرضعات في الكثير من الدول تمت بعد استفادة جميع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 18 سنة من اللقاحات، والانتهاء من تلقيح الأكثر عرضة لمخاطر الفيروس، وهو ما يجب أن نقوم به في الجزائر بتلقيح أكبر عدد ممكن المواطنين، الذين لديهم الأولوية في أخذ اللقاح، وبعدها نمر إلى مرحلة تلقيح هذه الفئة لبلوغ الأهداف الرئيسية، والمتمثلة في تحقيق المناعة الجماعية التي تمكّننا من كسر سلسلة انتشار العدوى.
- هل على السّلطات الصحية اتّخاذ إجراءات استباقية لتجنّب مخاطر موجة رابعة من الوباء؟
إنّ تفادي مخاطر موجة أخرى لا يرتبط بالإجراءات التي تتّخذها السلطات المعنية في إطار مكافحة انتشار الفيروس، وإنّما مرهون بمدى التزام المواطنين بالقواعد الوقائية من خلال عدم التراخي في احترام الإجراءات الاحترازية، خاصة ما تعلق بارتداء الكمامة والحفاظ على مسافة التباعد الاجتماعي، مع الإقبال بقوة على اللقاح المضاد لفيروس كورونا لأنّه بالرغم من الجهود التي تبذلها وزارة الصحة لتسريع وتيرة التلقيح، إلا أن استجابة المواطنين ما تزال ضئيلة على مستوى المراكز المخصّصة للتلقيح، ولا يمكن أن تساعد على بلوغ الأهداف المسطّرة بتلقيح على الأقل 70 بالمائة في أقرب الآجال.
أعتقد أنّ أهم الحلول التي تساعد على تحقيق الهدف الرئيسي والمتمثل في الوصول الى المناعة الجماعية، هو المرور الى فرض دفتر التلقيح، الذي سيغير المعطيات ويجبر جميع المواطنين على تلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا من أجل دخولهم إلى أماكن معينة، وهو الاجراء المطبق في أقوى الدول كالولايات المتحدة الأمريكية، والذي أعطى نتائج إيجابية.
- ما مدى فعالية اللقاح المضاد لفيروس كورونا ضد الفيروسات المتحوّرة؟
أفضل وقاية من هذه الأزمة الصحية التي نعيشها حاليا هي أخذ اللقاح المضاد للفيروس، وأن يتحمّل كل شخص المسؤولية حتى لا يعرض الآخرين إلى الخطر لأنّ تهاون المواطنين في التلقيح يعرقل الوصول إلى اكتساب مناعة جماعية تمكّننا من تجنّب مخاطر وعواقب الفيروس المتحوّر، خاصة وأنّ خطورته تكمن في سرعة تفشيه وانتشاره.
وعلى الجميع أن يكون أكثر وعيا من السابق حتى لا يصل إلى مراحل خطيرة من الاصابة بفيروس كورونا تؤدي به إلى دخول مصالح الانعاش والحاجة الى الأكسجين، لذلك فإن مكافحة انتشار سلسلة العدوى والتقليل من الوفيات لن تكون إلا بتلقيح أكبر عدد ممكن، وهذا يتطلّب مساهمة جميع المواطنين من خلال توجّههم بقوة إلى مختلف مراكز التلقيح والفضاءات التي خصّصتها وزارة الصحة لإنجاح العملية.
ومع تكثيف نقاط التلقيح وتجنيد كافة الامكانيات المادية والبشرية، وتوفر اللقاحات بكميات كبيرة لم يعد هناك ما يمنع المواطن من أخذ اللقاح لحماية نفسه، وكل من حوله من مضاعفات الإصابة، خاصة وأن الجميع معرضين لمخاطر الفيروس ولا يقتصر الأمر على فئة معينة، فالوقاية تعد الحل الوحيد لتجنب تفشي الوباء مرة أخرى، واللقاحات المتاحة حاليا جميعها فعالة ضد مضاعفات الفيروس بنسب متفاوتة حسب نوع كل لقاح.
- وماذا عن مصير المصابين بأمراض أخرى موازاة مع التّركيز على التكفل بمرضى كورونا؟
إنّ المصابين بأمراض أخرى وأصحاب الأمراض المزمنة وداء السرطان يعانون في صمت بسبب التركيز على التكفل بمرضى كورونا، وتحويل أغلبية المصالح الطبية على مستوى المستشفيات إلى علاج المصابين بكوفيد-19، خاصة وأن الكثير من الحالات تنتظر الاستشفاء إلا أن تخصيص جميع الأسرة للمصابين بـ “كورونا” لم يسمح لهم بإيجاد أماكن شاغرة للتمكن من تلقي العلاج، لذلك علينا التكفل بهذه الفئة لأنهم بحاجة أيضا إلى العناية بتفادي مضاعفات، والأمر يتطلب تكثيف تضافر الجهود، ومساهمة الجميع في تسريع الحملة الوطنية للتلقيح التي وحدها تمكن من العودة إلى الحياة العادية والتخلص نهائيا من هذا الكابوس الطويل، فعوض أن يتم تخصيص جميع المصالح الطبية للتكفل بمرضى كورونا مقابل إهمال بقية التخصصات تكون هناك مصلحة واحدة فقط في كل مستشفى تتكفل بعلاج الإصابات القليلة من الفيروس بعد تجاوز الضغط على المستشفيات بسبب كثرة الحالات التي تتطلب العلاج الاستشفائي.
- يوجد تخوف من خطر دخول السلالة الخطيرة “مو” بعد ظهورها في فرنسا، ما تعليقك؟
ممكن أن تكون الجزائر سجّلت حالات من هذا الفيروس المتحوّر “مو”، ولكن لم يتم تشخيصها بعد من قبل معهد باستور، خاصة وأنّ ظهور هذه السلالة بفرنسا يجعل انتشارها في البلاد متوقعا، وغير مستبعد نظرا لاستئناف الرحلات الجوية الدولية، ولكن أعتقد أنّ فيروس “دلتا” هو الأكثر انتشارا وتغلّبا منذ 3 أشهر في مختلف الدول حتى في الجزائر وإلى حد الآن لم يضعف، كما أنّ خطورة هذه الفيروسات المتحوّرة تكمن في سرعة تفشيها، إلاّ أنّ اللّقاحات مقاومة لمخاطر مختلف السلالات التي ظهرت.
لا بد أن نشير إلى أنّ منحنى عدد الوفيات بسبب فيروس كورونا لا يتماشى مع عدد الإصابات اليومية لأنّ أغلبية الوفيات المسجلة حاليا هم ضحايا الذروة التي عاشتها الجزائر منذ أسابيع، ونتج عنها اكتظاظ في المستشفيات ونقص الأكسجين، والعلاج المتأخر للعديد من الحالات، ولا يرتبط الأمر بالمصابين الجدد المسجّل منذ أكثر من 20 يوما.