طباعة هذه الصفحة

أغرق قرى بتمنراست

الصّـرف الصحي جحيم يؤرق السكان

تمنراست: محمد الصالح بن وحد

تقرمبايت، إيدكل، تقناوين وتبربيرت..،أسماء لقرى ومناطق منتشرة بمنطقة الأهقار، منها القريبة من عاصمة الولاية والبعيدة عنها، قاسمها المشترك نشاطها الفلاحي الذي يتميّز به سكانها، في نفس الوقت المشاكل والأضرار التي أصبحت تعاني منها هذه القرى في السّنوات الأخيرة، بسبب تدفّق مياه الصرف الصحي بالقرب منها، ممّا شكل قلقا وهاجسا كبيرا للسكان خاصة ما يتعلق بالآثار الناجمة عن تعرّض التّجمّعات السكانية والفلاحية لأضرار صحية تمسّهم، أو بيئية لمحيطاتهم نتيجة تلوّث المياه الجوفية، لأنّ السكان بهذه المناطق يعتمدون على الآبار سواء في الشرب أو السقي، ممّا يتطلّب الوقوف عند هذه المشكلة وإيجاد حلّ لها.


يؤكّد النّاشط الجمعوي وأحد سكان قرية تاقرمبيت، 13 كلم عن عاصمة الأهقار، أنّ سكان قرى تمنراست تحوّلت حياتهم إلى جحيم بسبب تدفّق مياه الصرف الصحي بالقرب من التّجمّعات السكانية، وكذا المحيطات الفلاحية التي تعد أحد أنشطتهم ومورد رزقهم، فالمعضلة أصابت منتجاتهم الزّراعية بالوهن، بسبب تخوّف المواطنين من اقتنائها في الأسواق.»
يحدث هذا يضيف المتحدّث في وقت أصبحت الآبار تعرف تلوّثا نسبيا وتغيّرا واضحا في لون وطعم المياه بسبب امتزاجها بمياه الصّرف الصحي، كون الآبار التي يتم بها السقي الزّراعي تتواجد بنفس المكان الذي تتدفّق به مياه الصرف الصحي، الأمر الذي شكّل قلقا من إمكانية تلوث المياه الباطنية للقرى الفلاحية، المجاورة لها على غرار إيدكل وتقانوين، وبالتالي عدم استعمال مياه الآبار في الشرب والاعتماد على الصهاريج القادمة من عاصمة الولاية.

أمراض متنقلة عبر الماء أو الحشرات
ويشير أحمد بريكات، إلى أنّه بالرغم من تواجد محطة تصفية المياه بالقرب منهم، إلاّ أنّ هذه المياه لا تزال تشكّل قلقا لهم، خاصة وأن الأمراض بدأت تنتشر بين المواطنين (الجلدية والتّنفسية) لم يسلم منها حتى الحيوان، سيما الأمراض المتنقلة عبر الماء أو عبر الحشرات، ما جعل السكان يحتجون في الكثير من الأحيان، رغم الانطلاق في تجسيد مشروع تحويل مصب مياه الصرف الصحي عن القرية، والذي شهد توقّفا في الأشغال بسبب نقص الغلاف المالي.
في نفس الوقت، يعاني مواطنو قرية تبربيرت بدائرة تازروك 140 كلم عن عاصمة الأهقار، من وضعية مماثلة أصبحت تشكّل قلقا كبيرا يوما بعد يوم للسكان خاصة الحي المحاذي للمحطة، الأمر الذي سبّب لهم متاعب يومية، في ظل عدم اتخاذ حلّ جدي وجذري للوضعية، وإنهاء مسلسل تسرّب مياه الصرف الصحي التي أضحت تشكّل منظرا مشوّها للمكان، وكذا تهديدا لحياتهم البيئية، وينبئ بكارثة وبائية جراء تفاقم الوضع وانبعاث الروائح الكريهة في أرجاء الحي.
خطوات لإنهاء معاناة السكان يقول رئيس مصلحة التطهير بمديرية الموارد المائية بعاصمة الأهقار، محمد بلوافي، أنّ العمل جار بخطوات متتابعة ومنتظمة من أجل وضع حدا لهذه الوضعية، مؤكدا في هذا الصدد أنّ مياه الصرف الصحي التي تحوّلت إلى هاجس ومصدر قلق لمواطني قرية تاقرمبايت والقرى المجاورة لها ليس لها تأثير كبير على المياه الجوفية، لكون هذه المياه يتم تصفيتها ومعالجتها على مستوى المحطة التي تتوفر على مخبر يتابع عملية التصفية وتقليل درجة تلوث المياه، ما يجعل هاته المياه - حسبه - صالحة لسقي بعض المزروعات.

عملية لتطوير محطة التصفية
 وفي خطوة منها لضمان تخفيف درجة تلوث المياه عن طريق معالجتها بالمحطة، كشف بلوافي عن عملية لتطوير محطة التصفية للرفع من قدراتها الحالية المقدّرة بـ 70 بالمائة من التصفية إلى 85 بالمائة ما يجعل مردودها أحسن، وبالتالي التقليل من درجة تلوّثها، ومنه المحافظة على المياه الجوفية التي تعد نسبتها قليلة في المنطقة، وغير المستغلة أصلا منذ دخول مشروع القرن (أنبوب الماء عين صالح تمنراست) حيز الخدمة سنة 2011  .
ويطمئن المتحدّث مواطني القرى المتضرّرة من مياه الصرف الصحي، أنّ العمل جار من أجل إنهاء معاناتهم، حيث تمّ منح عملية إستعجالية جديدة تقدّر بـ 35 مليار سنتيم لإنجاز مشروع قنوات على طول 11 كلم، بعد العملية الأولى التي قدّرت بـ 25 مليار سنتيم، والتي أنجز على إثرها 16 كلم، مما يسمح بإنجاز أزيد من 35 كلم قنوات يتم من خلالها إبعاد مياه الصرف الصحي عن التّجمّعات السكانية والمناطق الفلاحية.
  ويشير إلى أنّ العمل جار لإنجاز مشروع ربط قريتي تاقرمبايت وامسل بقنوات المياه الصالح للشرب، في إطار مشروع القرن، حيث تمّ تخصيص غلاف مالي قدر بـ 38 مليار سنتيم، في خطوة من الدولة لتلبية مطالب سكان هذه القرى. وفيما يخص قرية تبربيرت بدائرة تازروك، قال رئيس مصلحة التطهير بمديرية الموارد المائية، إنّه تمّ تسجيل عملية أخرى من أجل وضع حدّ لتدفق مياه الصرف الصحي، والعمل جار من طرف مكتب الدراسات لاحتواء المشكل.
 معالجة المياه المستعملة أمر حيوي ترى الدكتورة في البيئة والتنمية المستدامة، وهيبة الخير، أنّ تطوير محطة التصفية المتواجدة بعاصمة الأهقار لمعالجة المياه المستعملة وبطريقة فعّالة «ضرورة مستعجلة»، وهي عملية حيوية يجب أن تأخذ بعين الإعتبار التطور الصناعي الذي من الممكن أن يحدث في المنطقة، من أجل تفادي التلوث الذي قد يضر بالبيئة، خاصة في قرية تاقرمبايت والقرى المجاورة لها.

الإدارة المستدامة للبيئة
وتقول الدكتورة وهيبة الخير أنّ وعي السكان والسلطات على حد سواء بأهمية معالجة المياه المستعملة، جعل الدولة تتّخذ قرار بناء محطات معالجة مياه الصرف الصحي في جميع مناطق البلد، لأنّ معالجة مياه الصرف الصحي تمثل تحديًّا كبيرًا للبيئة والمستقبل، وتشكّل حصة لا يستهان بها في سياسة الإدارة المستدامة للبيئة، وهو الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة الـ 17. وعدّدت في حديثها الآثار الناجمة عن عدم تصريف المياه المستعملة غير المعالجة أو المعالجة بشكل غير كاف، صنفتها إلى ثلاث مجموعات؛ الآثار الضارة لصحة الإنسان المرتبطة بالنوعية المنخفضة للمياه؛ ممّا يحتّم معالجة المياه بشكل جيد، يؤدّي ذلك إلى السيطرة على الأمراض التي من الممكن أن تنجم عن هذه المشكلة بما فيها الكوليرا، وبعض الأمراض المدارية المهملة والديدان المنقولة بواسطة التربة، والآثار البيئية السلبية الناجمة عن تدهور المسطّحات المائية والنظم الإيكولوجية، التي من الممكن أن تؤثّر على نوعية المياه وكمية الموارد المائية المتاحة للإستخدام المباشر، والآثار المحتملة على الأنشطة الاقتصادية، كالإنتاج الزراعي مثل القرى والمناطق الريفية وشبه الحضرية والإنتاج الصناعي، في نفس الوقت تؤكّد وهيبة الخير أنّ المياه المستعملة المعالجة بشكل أنسب يمكن أن تكون ذات قيمة إيجابية لكل من ينتجها ويستهلكها.
وتشدّد وهيبة الخير على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار وضعية المستشفيات بمعالجة المواد الناجمة عنها، أولا على مستوى محطّة المعالجة المتواجدة بالمؤسّسات الصحية، ومن ثم إعادة معالجتها عند وصولها لمحطّة التصفية الرئيسية بالمدينة، للحد من خطورتها على صحة السكان.