تعتبر قرية «القليعة» وهو تصغير لعبارة القلعة شمال برج بوعريريج والتي تقع بالتحديد في اقليم بلدية تسامرت دائرة زمورة، من أهم المعالم السياحية المحافظة على الطابع العمراني للسكنات والأزقة والمحافظة أيضا على تقاليدها وحياة سكانها، ما جعل منها مقصدا سياحيا للزوار من كل ربوع الوطن، وحتى من خارجه.
تتميز المنطقة بالطابع السياحي، بالإضافة إلى الطابع التعليمي الذي توفره الزاوية القرآنية الممول من طرف المحسنين، حيث عرفت توسعة وتطورا ملحوظا بسبب العدد الكبير من المريدين وحفظة كتاب الله.
بالنسبة للجانب السياحي فتزخر قرية القليعة بعدة اثار مكّنت الانسان القديم من تحدي قسوة الطبيعة نجدها في المنازل المبنية بالحجارة والطين والقرميد مكنتها من تحدي قسوة الطبيعة، كما صمدت بجمالها في وجه التطور والبناءات الجديدة التي غزت أغلب قرى الجزائر.
تمتد القرية من وادي سحيق يقود إلى تلة تحيط بها الجبال، شيدت فوقها هذه القرية الجميلة، بطراز مغاربي شمال إفريقي ككل القرى الأمازيغية في المرتفعات والجبال، ببيوت متناسقة تقود أزقتها جميعا إلى أعلى التلة أين يقع المسجد وزاوية القرآن.
يحتفظ البيت بتفاصيله التاريخية، ويُمنع على أي واحد مهما أوتي من غنى أن يهدم البيت ويبني بيتا حديثا، عليه فقط أن يرممه محتفظا بالطابع المعماري والتاريخي للبيت العتيق، البلدة تفتح قلبها لكل زائر بحفاوة، تمنحه لحظات من السكينة الوقار.
بالإضافة إلى العين التقليدية التي كانت ولا زالت تموّل سكان القرية بالمياه العذبة، حيث جعل الوادي من القرية جنة خضراء، إذ تحتوي على كم هائل من انواع الاشجار كالتين، الزيتون، الرمان، المشمش، العنب، الصنوبر، البلوط، الصفصاف والدفلة.
الى جانب طبيعتها الأسرة وحفاظها على تقاليدها العريقة، نجد المعلم التاريخي الواقع وسط القرية يقف بشموخ وثبات، المسجد وزاويته القرآنية ذات النظام الداخلي تمول من ذوي البر والإحسان، تستقبل طلبة القرآن من مختلف ولايات الجزائر، تمكنت رغم نقص الامكانيات من تخريج عدد الباس به من طلبة القران، لتكون احدى اهم معالم السياحة الدينية في المنطقة.
أنشأت هذه القرية حسب الروايات المتعاقبة لشيوخ وكبار القرية، من طرف أحد الرجال الصالحين وهو أول من استوطن فيها عندما كان يبحث عن مكان في المنطقة للاستقرار فيه، فاختار المكان المرتفع الذي يتوسط القرية وهو عبارة عن قاعة صخرية سميت بالقليعة تصغيرا لكلمة القلعة.
أقام منزله بالمغارة التي كانت موجودة داخل صخرة القلعة وبعد مدة من الزمن قام هذا الولي الصالح ببناء أول مسكن على الصخرة التي لازالت اثاره موجودة الى حدّ الآن، ومع مرور الوقت ذاع صيت هذا الولي الأرجاء المجاورة فأصبح قبلة لكثير من الزوار قصد التبرك والاستئناس به.
بعد ذلك، انحدر إلى المنطقة سكان من قرى ومناطق مجاورة على غرار قرية لصفاح التي كانت متواجدة في أعالي جبال شرق قرية لقليعة حاليا، حيث لا يزال اثار بناياتها شاهدة على تلك الفترة، إضافة إلى قرية سيدي ذياب المتواجدة في أعالي جبال غرب لقليعة حاليا ما يزال أثر بنيانها متواجدا، وكذا قرية تامست الموجودة حاليا ببلدية قنزات وقرية تيزي وغرة المتواجدة في أعالي جبال بوخميس شمال غرب لقليعة.
«تاجماعت».. تكافل وتماسك
قرية القليعة، لا تزال شؤونها تسير تحت نظام «تاجماعت» الذي يحتكم لحكم الجماعة في كل شيء، بقوانين صارمة ومحترمة بالرغم من أنها غير مكتوبة، لفض خصام، أو ميراث أو خلاف زوجي، أو عقاب لأحد ارتكب مخالفة، هنا الكلمة الأخيرة لشيوخ القرية وللإمام تعظيم وحرمة، بهذه الأعراف والقوانين السارية والتكافل الاجتماعي، فلا يخالف أحد من سكان المنطقة تلك القوانين التي كانت سببا في الحفاظ على البنيان والعادات والتقاليد، ولا أحد يستطيع انتهاك هذا القانون المقدس، كل الناس تجمعهم رابطة عائلية ومصاهرات.
كما يعد تقديم خدمة عمومية فرض على كل افراد القرية، فكل حرفي يقدم في الأسبوع خدمة مجانية للقرية، فيما لا يزال التطوع هو السبيل لخدمة المرسة القرآنية والمسجد والقرية.
ساهمت السلطات المحلية أيضا في دعم هذا الموروث المادي واللامادي، ومن آخر الإجراءات المتخذة في السنوات الأخيرة، تعليمة لرئيس البلدية على ضرورة التزام كافة زوار المنطقة احترام عادات وتقاليد القرية.
وجاءت عقب تسجيل خروقات من طرف بعض الزوار خاصة فئة الشباب، بارتكاب تجاوزات وتصرفات غير لائقة، حيث أكد رئيس البلدية أنها مسّت بحرمة القرية ما أثار غضب سكان وحفظة القرآن بالزاوية القرآنية.
وعليه تقرّر منع دخول الشباب غير المرفقين بعائلاتهم وكذا الأشخاص الذين يخالفون عادات وأعراف القرية، كما نصّت التعليمات على عدم استقبال الوفود السياحية بشكل مؤقت الى غاية التنسيق مع جمعية القليعة أصالة وتراث ومديرية السياحة.
وتبقى قرية القليعة، مزارا سياحيا كمعلم إنساني، ومقصدا للعلم وحفظ كتاب الله من كل ولايات الوطن، ملتزمة بالحفاظ على خصوصياتها ما دامت السنون والقرون، وستبقى مكانا يفتح ذراعيه لكل من أراد اكتشاف جمال الجزائر وتراثها الثمين اللامتناهي.