يلاحظ كل من يتجول في شوارع وأسواق ولاية باتنة ، خلال الأيام الفارطة حركة غير عادية للسيدات من مختلف الأعمار ، حتى أن المرور على بعض الأحياء التي بها محلات تجارية متخصصة في بيع الأواني والتوابل ، أصبح من المستحيلات بالنسبة لفئة الرجال ، أو يحتاج على الأقل إلى مرافقة من زوجة أو أخت أو أم ، بسبب “الاكتظاظ” غير المسبوق للسيدات و«تهافتهن” على اقتناء مختلف المشتريات المتعلقة بالتحضير لشهر رمضان الكريم ، واستقباله كضيف عزيز وغال ،خاصة وأن المائدة الأوراسية معروفة وطنيا بغناها في شهر رمضان بفضل ما تبدعه أنامل سيدات باتنة اللائي يفضلن التحضير لشهر رمضان خلال النصف الثاني من شهر شعبان حتى يتفرغن في رمضان الكريم لتحضير مختلف الأطباق التي لا تشاهدها على موائد سكان باتنة سوى في رمضان المعظم .
وأكدت، بعض السيدات بولاية باتنة لجريدة “الشعب” ، خلال جولتنا الاستطلاعية لعدة أسواق ، أن التحضير لشهر رمضان بباتنة له نكهته الخاصة ، على غررا باقي ولايات الوطن ، حيث تدخر عديد العائلات مبالغ مالية هامة طيلة أيام السنة لاستغلالها خلال شهر رمضان كما تقول السيدة “فتيحة” التي التقينا بها بسوق عبود بوسط مدينة باتنة والتي رغم مكوثها بالبيت إلا أنها أجبرت زوجها على تخصيص مبلغ مالي شهري من راتبه لشهر رمضان لإنفاقه على إعادة طلاء المنزل ليبدو جديدا خاصة وأن منزلها يتحول إلى قبلة مفضلة لعائلتها وعائلة زوجها ،حيث شرعت رفقة ابنتيها حسب ما أكدت لنا منذ مدة في تنظيف المنزل وكل محتوياته، أما السيدة “م .ر” فترى أن التحضير لشهر رمضان حرمها وعائلتها من قضاء عطلة الصيف خارج باتنة ، مفضلة إنفاق مبلغ عطلة الصيف في شراء أثاث جديد للمنزل والمتمثل في أرائك جديدة وأفرشه مميزة خضراء وأضافت قائلة أنه لا يفصلنا الكثير عن عيد الاستقلال لذا قررت تزيين منزلي باللون الأخضر ، عسى أن يعود علينا شهر رمضان لهذا العام بالخير واليمن والبركات ، ونفس الرأي ذهبت إليه الحاجة “خوخة” التي أشارت إلى جرح بسيط في يدها اليمنى بسبب إجهادها لنفسها رفقة زوجة ابنها الوحيد في تغير ديكور المنزل قبيل شهر رمضان وهي الهواية المفضلة للحاجة “خوخة” رغم تقدمها في السن ، حيث تحوّلت فكرة تنظيف المنازل وطلائها إلى عادة قارة في استعدادات الباتنيات لاستقبال شهر رمضان وهي الظاهرة التي لا تروق لبعض الرجال خاصة الذين يجبرون على طلاء المنازل بأنفسهم اقتصادا للمصاريف التي تنفق منها العائلة الباتنية الكثير خلال الشهر الكريم .
وجدت عائلات ولاية باتنة والولايات المجاورة لها نفسها في سباق حقيقي مع الزمن لاستكمال التحضيرات الخاصة باستقبال شهر رمضان ، خاصة ما تعلّق بظاهرة جديدة طفت على السطح في السنوات الأخيرة و«غزت” عقول سيدات الأوراس ، والمتمثلة في تغيير أغلب أواني المنزل خاصة تلك التي من المحتمل استعمالها لتزيين مائدة رمضان ، وللتأكد من هذه الحقيقة قمنا بزيارة سوق 84 الشعبي بقلب باتنة ، أين وقفنا على مشاهد لعشرات النساء اللائي أثقلت الأواني كواهلهن بل ودخلن في مشادات كلامية حادة لأجل استلام طلبياتهن وكل منهن تتحجج بأنها أول من دفعت القسط الأول من تلك المجموعة المتكاملة من صحون “الفلو” وكؤوس الشاي والعصير ، غادرنا بصعوبة بالغة ذلك المحل واقتربنا من محل مجاور تحوّل بين عشية وضحاها من محل لبيع الإكسسوارات المنزلية إلى محل متخصص في بيع الأواني الفخارية التي “تجتاح” موائد الباتنية كل رمضان ، خاصة الصحون لما تضيفه من نكهة مميزة على طبق الشربة بالفريك وهي الطبق الرئيسي لكل سكان باتنة خلال الـ30 يوما من الشهر الفضيل كما تؤكد الآنسة “غنية” التي تنفق حسبها من مالها الخاص لشراء الأواني الفخارية رغم أسعارها الملتهبة هذه الأيام ، حيث يزيد سعر صحن من الفخار متوسط الحجم عن 500 دج ، وإن كان صنع تلك الأواني من الفخار سببا مقنعا للتهافت عليها ، فلا ترى السيدة “ح.ت” مبررا لشراء أواني جديدة ،إن كانت الموجودة في البيت أصلا جديدة ، ولكنها مجبرة للرضوخ لضغوط بناتها الثلاث اللواتي أجبرنها حسبها على الخروج في هذه الحرارة الشديدة لشراء مجموعة من الأواني الزجاجية لاستخدامها خلال شهر رمضان خاصة وأن منتصفه سيكون مميزا لعائلتها بتزامنه مع خطوبة ابنتها الكبرى ، وتقول سيدة أخرى أنها تغير أواني المنزل خاصة القدر تبركا بحلول الضيف العزيز والغالي وهو شهر الصيام ، وتؤكد أنه على الأقل يجب تغير القدر إيمانا منها بأهمية تميز شهر رمضان عن باقي الشهور ولا مجال للتنازل عن هذا “الواجب” تقول ذات المتحدثة .
عادت الحركة التجارية مجدّدا للظهور والنشاط بكثرة قبيل أيام من حلول شهر رمضان، فأغلبية النقاط التجارية السوداء التي حاربتها مديرية التجارة بالتنسيق مع مصالح الأمن عادت من جديد رغم الحملات المتكرّرة التي تشنها فرق وأعوان المراقبة التابعة لمديرية التجارة.
وكشفت الجولة الاستطلاعية التي قادتنا لبعض الأسواق والأماكن العمومية عن الانتشار الكبير للأسواق الموازية لاسيما تلك المخصصة لبيع الخضر والفواكه، على غرار حديقة 84 مسكن بباتنة، وكذا تزايد عدد التجار الفوضويين ما بين الأحياء. تتسابق سيدات الأوراس في التحضير لاستقبال الشهر الفضيل ، من خلال الإكثار من زيارة الأسواق الشعبية، خاصة تلك التي تشتهر ببيع أجود أنواع التوابل ، حيث قادتنا زيارتنا الخاطفة لبعض محلات بيع التوابل بمدينة عين التوتة بولاية باتنة ، إلى اكتشاف التجارة الرائجة للتوابل، حيث أكد لنا أحد التجار أن التحضير لمثل هذه الأيام استغرق منه وقتا طويلا من جمع أجود وأجدد أنواع التوابل خاصة تلك التي أصبحت العائلة الأوراسية تعتمد عليها في تحضير أطباق شهر رمضان الكريم كالفلفل الأحمر والأسود وزريعة البسباس....وغيرها من التوابل التي تحرص أغلب النسوة اللواتي تصادف تواجدنا معهن على أن تكون جدية حيث ترفض أغلبهن شراء التوابل الموجودة في الأكياس بحجة قدمها ، وانتهاء مدة صلاحيتها بل وذهبت إحدى السيدات بعيدا في عدّ مخاطر تلك التوابل على صحة الإنسان فما بالك الصائم . وتؤكد في هذا الشأن إحدى السيدات لجريدة”الشعب” ، أنها تقوم قبل شهر من قدوم رمضان الفضيل بشراء الكسبر الطبيعي وتنقيته في المنزل ثم القيام بطحنه لدى بائع التوابل ثم إعادة غربلته وإعادة طحنه مرة أخرى، حيث ترفض بشدة شراء الكسبر المطحون مباشرة لأنه حسبها مليء بالحجارة وبعض الأغصان وعديد الأمور التي تفسد نكهته الطبيعية ، ونفس الشأن بالنسبة للفريك وهو “سيد”طبق الشربة فلابد حسب ذات المتحدثة أن يتم شراء القمح بداية ثم تكرر نفس عملية تحضير الكسبر ، فلم نعد نثق هذه الأيام في كل ما يباع ، فلو كان طبق الشوربة في الأيام العادية فلا أحد من أفراد العائلة سيحتج ولكن في شهر رمضان الكريم لا أقبل أن يتناول أحد أفراد عائلتي شوربة غير التي تعودوا عليها منذ سنين خلت .كما أكد لنا أحد الباعة أن الاختصاص مهم جدا في بيع لوازم معينة على غرار مستلزمات تحضير بعض الأطباق بعينها كالطاجين لحلو كالزبيب والبرقوق والمشمش المجفف وغيرها وبالنسبة للبوراك فلا بد من توفر “الديول” لأن أغلب نساء الأوراس حاليا يرفضن صناعة البوراك من أوراق الشخشوخة كما كنّا سابقا وإن كانت هذه العادة التقليدية الأصيلة لم تندثر نهائيا بعد ، ولكن جيل الشابات اليوم يجدن صعوبة كبيرة في تحضيرها بسبب ضيق الوقت والعدد الكبير من الأطباق العصرية التي تزيّن بها المائدة.
وتزامنا مع “اكتساح” السيدات لمحلات بيع التوابل فوجئنا باحتكار الرجال لمحلات بيع أعمدة العطور الروحانية كالعنبر مثلا ، وهنا أكد لنا احد الرجال الملتحين أن منزله يتحول خلال شهر رمضان إلى روضة عطرة بفضل عطر العنبر الذي يغزو كل غرف المنزل بعد الإفطار مباشرة ، وعن سبب هذا الإصرار في تحويل المنزل إلى “حديقة للعنبر” أكد لنا محدثنا أن ذلك يضفي نوعا مميزا من الأجواء الروحانية التي لا تضاهيها أجواء أخرى في رمضان .
وغير بعيد عن محلات التوابل انتقلنا إلى الجهة الأخرى من الشارع بعد أن فاجأنا “صراخ” إحدى السيدات في الهاتف النقال وهي تطالب زوجها بالتريث في عدم شراء كيسي الدقيق واشترطت حضورها الشخصي لذلك ، قبل أن تحذره من تحمل العواقب في شراء دقيق لا يصلح لتحضير “المطلوع” أو “كسرة الخميرة” أو “خبزالدار” ، لتقطع المكالمة مباشرة وتتوجه بالحديث لإحدى مرافقاتها بأنها لن تتحمل هذا العام تبعات تسرع زوجها في شراء دقيق لا يصلح حسبها لكسرة الخميرة التي تعتبر ضرورية لتناول الشربة ولا يمكن الاستغناء عنها .
بدأت الأسرة الأوراسية على غرار باقي أسر الجزائر استعداداتها للشهر الفضيل ،حيث وككل سنة بقى هاجس ارتفاع أسعار المواد الواسعة الاستهلاك المسيطر الوحيد على عقول أرباب العائلات لارتباطه بضرورة الإنفاق الذي يرتبط من جهته بتزايد الإقبال على عديد البضائع مما يتسبب في ارتفاع أسعارها واختفائها من الأسواق، حيث غالبا ما تعجز ميزانية الأسرة الجزائرية في رمضان عن الوفاء بمتطلبات أفرادها نظرا لكثرة النفقات خلال الشهر الكريم، فبعض الأسر يكون كل همها شراء الكثير من متطلبات المائدة الرمضانية المتنوعة، بالإضافة إلى مبلغ إضافي لولائم رمضان، وآخر لملابس العيد إلى غيره من هموم ميزانية شهر رمضان .
8500 قفة للعائلات المعوزة
قامت مديرية النشاط الاجتماعي لولاية باتنة بضبط كل الأمور المتعلقة بهذا الشهر الكريم من خلال تقديم المساعادات المادية للعائلات المعوزة في شهر الصيام .
حيث كشف مدير النشاط الاجتماعي “خالد زاخم” أن عملية توزيع قفة رمضان على البلديات الـ61 بالولاية قد شرع فيها منذ مدة ،حيث برمج توزيع القفة على 20 بلدية في كل يوم ،أين تم تخصيص أزيد من 8500 قفة على البلديات تتضمن هاته الاخيرة مواد استهلاكية تعول عليها الأسر الجزائرية على غرار السميد والزيت والسكر ومعجون الطماطم .
وبعيدا عن التحضيرات المادية لاستقبال سيد أشهر السنة وهو شهر رمضان الكريم الذي تغلق فيه أبواب النار وتفتح أبواب الجنة ، هناك الكثير من العائلات الأوراسية التي تتفرغ للتحضيرات الروحية والمعنوية كالاستعداد لصيام رمضان إيمانا وإحتسابا ، والمشاركة في حملات تنظيف المساجد ، إلى جانب التطوع في مطاعم الرحمة ، إضافة إلى الحرص على حضور كل حلقات الذكر والدروس القرآنية التي تسبق صلاة التراويح ، التي يتنافس رجال ونساء باتنة على أدائها بالحرص على التواجد وراء إمام حافظ وجيد الصوت والتلاوة .