وصل الرجل الثاني في حركة طالبان الملا عبد الغني برادر إلى كابول أمس السبت لإجراء محادثات مع قياديين في الحركة وسياسيين آخرين حول تشكيل حكومة جديدة في أفغانستان.
إلى ذلك قال مسؤول بحركة طالبان إن الحركة ستكون مسؤولة عن أفعالها وستحقق في تقارير عن قيام أعضاء بالحركة بارتكاب أعمال انتقامية وفظائع. وأضاف المسؤول، الذي تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته، أن الحركة تخطّط لإعداد نموذج جديد لحكم أفغانستان خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
مرّ أسبوع فقط منذ استكمال طالبان سيطرتها السريعة على البلاد ودخولها في نهاية الأمر كابول الأحد الماضي دون إطلاق رصاصة واحدة.
ومنذ ذلك الحين، أبلغ مواطنون أفغان وجماعات إغاثة دولية عن أعمال انتقامية قاسية ضد الاحتجاجات واعتقال أولئك الذين شغلوا مناصب حكومية سابقا أو انتقدوا طالبان أو عملوا مع الأمريكيين.
وقال المسؤول «سمعنا عن ارتكاب بعض الفظائع والجرائم ضد المدنيين. لو كان أعضاء طالبان يفعلون هذه المشاكل المتعلقة بالقانون والنظام فسيتم التحقيق معهم».
سعي لتقديم وجه أكثر اعتدالا
وأضاف «يمكننا تفهم حالة الذعر والتوتر والقلق، الناس يعتقدون أننا لن نخضع للمساءلة لكن هذه ليست الحقيقة». وعلى الرغم من سعي طالبان لتقديم وجه أكثر اعتدالا منذ سيطرتها السريعة على السلطة الأسبوع الماضي لكنها حكمت أفغانستان بقبضة من حديد من عام 1996 إلى عام 2001 قبل أن تطيح بها قوات كانت تقودها الولايات المتحدة لإيوائها إرهابيي القاعدة الذين دبروا هجمات 11 سبتمبر.
نموذج حكم يحمي الجميع
وأضاف المسؤول أن الإطار الجديد لحكم البلاد لن يكون ديمقراطيا بالتعريف الغربي لكنه «سيحمي حقوق الجميع».
وقال إن «خبراء قانونيين ودينيين وخبراء في السياسة الخارجية في طالبان يهدفون إلى طرح إطار حكم جديد في الأسابيع القليلة المقبلة».
تجاوز الفراغ وتسهيل الإجلاء
وعن عمليات الإجلاء القائمة في مطار كابول، ذكر المتحدث باسم طالبان أن «الفوضى في مطار كابول لم تسببها طالبان وكان يمكن للغرب ترتيب خطة أفضل للإجلاء».
وأضاف أن «الحركة تناقش خلال محادثات كيفية ضمان مغادرة القوى الغربية لأفغانستان بشروط ودية».
وفي سياق متصل، ذكر المتحدث أن الحركة «ستحقق في المشكلات القانونية والتجاوزات التي سببها أعضاء (في الحركة) بعد علمها بارتكاب بعض الفظائع والجرائم ضد المدنيين».
تشبّع قاعدة أمريكا بقطر باللاجئين
هذا وفي خضم تدفق آلاف الأفغان الراغبين في مغادرة البلاد، تتواصل عمليات إجلاء المدنيين من مطار كابول بعدما كانت قد توقفت لساعات عدة الجمعة جراء عدم قدرة القاعدة الأمريكية في قطر على استيعاب المزيد من الأشخاص.
في السياق، أوضح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي أن «المرافق (المخصصة) للاستقبال في قطر كانت ببساطة قد بلغت كامل طاقتها. لم تكُن هناك أماكن إضافية لإرسال مزيد من الناس إلى هناك».
وتشهد المناطق المحيطة مباشرة بمطار العاصمة الأفغانية حالة من الفوضى، إذ يسعى الآلاف منذ يوم الاثنين إلى الفرار من البلاد التي باتت تحت سيطرة حركة طالبان.
وقد حصلت واشنطن على ضوء أخضر من برلين، من أجل إرسال بعض ممن تمّ إجلاؤهم، إلى ألمانيا، حيث تمتلك الولايات المتحدة قواعد عسكرية عدة.
وقال تايلور «نشكر حلفاءنا الذين يتعاونون معنا في هذا الجهد العالمي، بما في ذلك ألمانيا التي ستهبط على أراضيها رحلات جوية اليوم».
ووصل أكثر من مئة أفغاني إلى مدريد بعد ظهر الجمعة على متن رحلة إجلاء هي الثانية التي تنظمها إسبانيا.
تحديات تواجه حركة طالبان
مع سيطرة حركة طالبان على الأراضي الأفغانية واستيلائها على العاصمة كابول بعد هروب الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني في 15 أوت الحالي،بدأت مرحلة جديدة في مسيرة الحركة، حيث تحوّلت من جماعة مسلحة مقاتلة إلى جماعة من المتوقع أن تستلم زمام الحكم في أفغانستان التي دمرتها الحرب وأنهكتها الانقسامات الداخلية.
ولا شكّ أن ثمة فرقا كبيرا بين الجماعة المقاتلة التي لها أهداف محددة وتركز نشاطها ونضالها على القتال، وبين الحركة التي سيطرت على البلاد وباتت أمام مسؤوليات إدارة شؤون الدولة كلها وينتظر المواطنون منها الحكم الراشد وتوفير ظروف حياة كريمة.
ومن البديهي في هذه المرحلة أن تجد حركة طالبان -قيادة وقاعدة - نفسها أمام مسؤوليات كبيرة وتحديات تتطلب منها قدرا كبيرا من الوعي والحنكة والحزم في التعامل مع الواقع الجديد وإفرازاته.
وكان الملا عبد الغني برادر نائب زعيم الحركة للشؤون السياسية يشير إلى هذه الحقيقة عندما قال في كلمته عقب دخول حركة طالبان مدينة كابول «من اليوم بدأ الاختبار الحقيقي للحركة».
أبرز التحديات
يمكن إجمال أبرز التحديات التي تواجه حركة طالبان بعد سيطرتها على أفغانستان في الوضع الراهن في النقاط التالية:
1 - المصالحة الوطنية
بدأت حركة طالبان مباشرة بعد سيطرتها على كابول مشروع المصالحة الوطنية والتفاهم مع الخصوم والمعارضين لبناء الدولة والقضاء على احتمال نشوب الحرب والتمرد من جديد وقيادة البلاد نحو الاستقرار السياسي.
ولا شكّ أن الاستقرار السياسي أساس لبناء الدولة القوية وإعادة إعمار أفغانستان والتنمية الاقتصادية وبدونه لا يمكن تحقيق الاستقرار في بقية مجالات الحياة.
ولعل قادة حركة طالبان يدركون حقيقة مهمة وهي أن سيطرة الحركة بقوة السلاح على أفغانستان لا تعني بالضرورة القضاء على احتمالات نشوب الحرب وعودة الاضطرابات، فبلد مثل أفغانستان يعيش الحروب والاضطرابات منذ 40 سنة أو أكثر يحتاج لسنين من السلام والاستقرار حتى يتم القضاء فيه على أسباب نشوب الحروب الداخلية والاضطرابات، وتعد المصالحة الوطنية الصادقة والشاملة الضمان الحقيقي لسير البلد نحو الاستقرار.
2 - الملف الأمني
استتباب الأمن في كافة أرجاء البلاد، خاصة العاصمة كابول، لأن الأمن أهم أولوية بالنسبة للمواطنين الأفغان وقد حرموا منه طوال 4 عقود ماضية.
ولا شكّ أن نجاح حركة طالبان في توفير الأمن للمواطنين سيكون مفتاحا لنجاحات أخرى يؤدي إلى ترسيخ أقدام الحركة في حكم أفغانستان وزيادة ثقة الشعب بها.
3 - الحكم الانتقالي
إقامة حكومة تدير البلاد في المرحلة الانتقالية وتتمتع بقبول الشعب الأفغاني وتمثل المجتمع الأفغاني بتنوعه العرقي والثقافي والجغرافي والمذهبي وتشتمل على أهل الاختصاص والكفاءات ولا تكون الوظائف فيها حكرا على أعضاء وعناصر حركة طالبان.
وهنا يرى مراقبون أن على قادة حركة طالبان أن يدركوا روح العصر وأن يكونوا قادرين على تفهم احتياج أفغانستان لحكومة عصرية تتمتع برضا الشعب الأفغاني في الداخل، وتحظي بقبول المجتمع الدولي في الخارج.
4 - الدستور الأفغاني
تهيئة الظروف والمناخ المناسبين لتدوين دستور لأفغانستان يشكل الإطار المناسب لبناء الدولة وقيام نظام سياسي حديث ودائم للبلاد يقود أفغانستان نحو الاستقرار السياسي، ويغلق باب الفوضى وعدم الاستقرار.
يضاف إلى ذلك، التخطيط لتحسين الوضع الاقتصادي المتدهور لأفغانستان وجلب المساعدات الدولية لإعادة الإعمار وتلبية الحاجات الأساسية للبلد.
5 - تغيرات المجتمع
التعامل المناسب والحذر مع الواقع الجديد الذي ظهر في أفغانستان خلال السنوات الـ20 الماضية، حيث إن المجتمع الأفغاني اليوم يختلف عما كان عليه الحال خلال فترة حكم طالبان الأول في التسعينيات من القرن الماضي.
6 - العلاقات الدولية
من أبرز التحديات أمام حكومة طالبان هو كيفية التعامل مع ملف العلاقات مع الدول والمنظمات الدولية بصورة توطد الثقة وتبني الجسور ولا تترك مجالا لدفع أفغانستان إلى العزلة والقطيعة مع العالم مثل الذي حصل أثناء الحكم السابق لحركة طالبان، حيث لم تعترف بحكومتها إلا 3 دول هي باكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.