عروس «زكار» قبلة الباحثين عن الراحة والاستجمام
لاتزال منطقة مليانة بولاية عين الدفلى حاضرة بتاريخها القديم والحضارات المتعاقبة عليها وإمتدادها الثوري في العصر الحديث من ضمن المحطات التي عاشتها، الأمر الذي جعل سكانها متمسكين بعروس «زكار» الأشم كقلعة من قلاع التاريخ، يتمتع بها الزوار على مشارف أصوارها وأبوابها التي يحرسها الولي الصالح سدي أحمد بن يوسف، هادئة بفضاءاتها المرتفعة التي تحبذها العائلات خاصة في موسم الإصطياف.
هكذا هي صيفيات مدينة مليانة التي كان يطلق عليها «زوكابار» كمستعمرة رومانية قديمة التي أسسها أوغسطين في سنة 27 ق.م وجددها بلكين ابن الزيري الصنهاجي سنة 972 إذ أصبحت عاصمته السياسية، ثم أول قيادة عثمانية بناحية الجزائر بالنظر إلى المواصفات التي تميزها كقلعة غارقة بين غطاء نباتي يعانق مرتفعات جبل «زكار» التي يستأنس بها الزوار الذين يحجون إليها مع كل موسم صيف بما فيهم أبناء الولاية الذين يجدون مشقة في الانتقال إلى ولايات أخرى تتوفّر على شريط ساحلي يقول بعض الشباب ممن التقينا بهم برحبة علي عمار المدعو «علي لابوانت».
هذا التميز كان منذ أن قدم أهل الاندلس النازحون حيث ساهموا في ازدهارها وتطوّرها، لتعرف مشهدا آخرا تمثل في دخول الأمير عبد القادر إلى مرابعها سنة 1835م أثناء المقاومة الشعبية، حيث اتخذ منها مقرا آمنا لخلافته ليشيد بها مصنعا للأسلحة مازال هيكله شامخا رغم تعاقب الأعوام كإحدى نقاطا تحظى بالزيارة والمعاينة والاطلاع على عتاد المصنع بمنطقة أسفل صور المدينة، وبعد مقاومة شرسة من طرف أبناء المنطقة سقطت مليانة في يد الاحتلال الفرنسي سنة 1840.
هذه الرحلة المقتضبة في تاريخ مليانة التي ظلت محافظة على عاداتها وتقاليدها وبالمقابل خضوعها لعمليات توسيع وبناء بمناطق عدة كسدي السبع والحمامة وقرقاح والبابب الغربي ورأس العاقبة وحي العناصر وغيرها من الجهات التي شهدت توسعا عمرانيا مكّن من توسيع المدينة دون المساس بالمواقع الأثرية بساحة على عمار
(المعروف بعلي لابوانت) والحديقة العمومية وفضاء المتحف وساحة الساعة العملاقة المعروفة برناتها الجرسية التي مازالت شاهدة تجلب الزوار على مدار السنة ولكن في فصل الصيف فطقوسها وسهراتها تصنع الحدث.
هذا التناغم في إرث مليانة الحضاري والجمالي ألهم فناني المنطقة من مسرحيين كفرقة محفوظ طواهري والرسامين وموسيقى الطرب الأندلسي الذي ازدهر بفضل ظهور عدد كبير من الفنانين المولعين أمثال الشيخ الطيب مجبر والبرازي وعبد الصمد في طابع الزرنة الذي شاع استعمالها مع قوافل من فنانين تعاقبوا على هذا النوع من الطرب أمثال الشيخ أحمد بن مراد، ولخضر بوعداين، وعبد الزاق جزار قموري وبولنوار وغيرهم ممن ولعوا بهذا الفن الراقي الذي أسست بشأنه جمعيات، ورفع لواءه كثير من الفنانين أمثال جزار عبد الرزاق المدعو زازاك وبوعبد الله زروق وعزايزية بغدادي وهي أسماء لامعة في التاريخ الفني لمليانة، حسب ما تضمنه كتاب صدر عن الجمعية الزيرية الأندلسية لمدينة مليانة بتاريخ 2010.
هذا المسار التاريخي والحضاري الحافل لعاصمة عروسة زكار الأشم جعل من مدينة مليانة شامخة وبمجتمعها المحافظ على تقاليده وانتمائه وتجذّر سكانها الطيبين الذين يرحبون بكل وافد على مدينتهم في كل الظروف، خاصة في موسم الإصطياف والسياحة التي مازالت مع الأسف بحاجة إلى دعم وعناية كونها من المناطق التي لها طابع عيد المولود النبوي متميز خاصة لدى طقوس مزار الولي الصالح سدي أحمد بن يوسف الذي لازال قبلة للزوار والوافدين.