طباعة هذه الصفحة

خلفيات العمل الإجرامي المدمر

ألا تبّت أيديكم...

هيام لعيون

وصفتها وزارة الدفاع الوطني بـ»العمل الإجرامي»، وقال عنها الجزائريون إنها «دبرت بليل»، تفرقت فيها دماء كلّ الجزائريين، وقد خلّفت مشاهد مروّعة أدمت القلوب وأسالت الدموع، وتعالت أصوات الحناجر، ورسمت صورا للتضامن لا مثيل لها، هي الحرائق المدمرة التي اجتاحت غابات الجزائر عبر 18 ولاية خلال الأسبوع الجاري، أخطرها التي وقعت بولاية تيزي وزو، وكلها كانت بفعل فاعل حيث وُثّقت بعض الأعمال عبر كاميرات «المجرمين» وشوهدت تلك الأيادي الملطخة بدماء الجزائريين، وهي تُشعل الغابات، عبر فيديوهات تداولت عبر نطاق واسع عبر منصات التواصل الإجتماعي.

عانت الجزائر خلال السنوات الأخيرة الماضية، من إشعال الغابات. غير أنّ الجريمة هذه المرة كانت أكبر وأخطر. وبدأ مسلسل اندلاع حرائق الغابات، بداية شهر جويلية المنصرم، عندما اشتعلت جبال الأوراس وما تحمله من رمزية تاريخية، موازاة مع احتفال الجزائر بتاريخ الخامس من جويلية تاريخ استقلالها المفدّى، وها هي تستعر اليوم من جديد بعد مرور شهر، حيث وصلت نيران الأوراس إلى جبال جرجرة، متزامنة مع حرائق مدمرة وغير مسبوقة طالت العديد من الغابات في حوالي 18 ولاية عبر الوطن، أخطرها حرائق غابات ولايات تيزي وزو وخنشلة وبجاية، وفقدت الجزائر في آخر حصيلة لحرائق أوت الجاري 65 شهيدا بين جنود ومدنيين، ما جعل الرئيس عبد المجيد تبون يعلن الحداد لمدة 3 أيام.
الداء أو الوباء
أمام هذا الحدث الجلل وغير المسبوق، الذي استنفرت له الدولة كافة إمكاناتها للسيطرة على الأعمال الإجرامية، التي استهدفت ترويع الجزائريين في أمنهم وغذائهم، وأتت وبشكل وحشي على كل ما هو حيّ من نباتات وحيوانات أيضا، يُطرح التساؤل الذي برز منذ حرائق نوفمبر 2020 التي استهدفت 14 ولاية في وقت متزامن، من عمد إلى إشعال أجزاء من هذه الغابات؟، مستغلا الظروف البيئية في سياق التخريب والتحريض وإخضاع الاقتصاد الوطني، وهي تحذيرات كان الرئيس تبون قد أطلقها بعد حرائق الأوراس الماضية ووعد بالضرب بيد من حديد، من خلال تجريم الفعل وملاحقة الفاعلين.
كما أن المجرمين ومن خلال إشعال الجزائر يريدون إحداث أزمة وتحميل الدولة المسؤولية عن الخسائر الفادحة التي وقعت في الأرواح والممتلكات وعلى مستوى المصالح والقطاعات المختلفة، في وقت تواجه الجزائر أشرس فيروس على أرض المعمورة، المتحور «دلتا» وهو في أوجّ شراسته، فهل التصدي لـ «الداء أم الوباء أم الغباء»؟. ومع أن الجزائر تواجه سنويا حرائق في بعض الغابات، إلا أن اتساع نطاقها وتزايد أعدادها في أوقات متقاربة ومتوازية كان مختلفا هذه المرة، مما رفع علامات الاستفهام حول أسباب تزامن هذه الحرائق واتّساع نطاقها.
 
تلاحم منقطع النظير
كما أن الحرائق التي دمرت غابات الجزائر يمكن أن يستغلّها أولئك «المجرمون»، الذين من مصلحتهم زعزعة استقرار الجمهورية من خلال إثارة البلبلة، غير أن مخططاتهم أفشلها تلاحم الجزائريين منقطع النظير، وهم الذين هبّوا لنجدة إخوانهم، حيث أظهرت فيديوهات تداولت عبر منصات التواصل الإجتماعي سلسلة شاحنات تقل مئات الشباب حاملين المعاول التي أطفأوا بها نار خنشلة، ليخمدوا بها لهيب غابات تيزي وزو وبجاية في مشهد عكس صورة رائعة تختزل التلاحم والتضامن غير المسبوق للشعب الجزائري، الذي أعطى درسا منذ أيام قليلة من خلال تحويل الجزائر إلى «تليطون» كبير لجمع الهبات والتبرعات لمواجهة وباء كورونا.
وانطلقت المساعدات عبر قوافل، تحركت من مختلف ولايات الوطن لتوزيع المواد الغذائية على المتضررين، بل أن هناك من أعلن عن فتح منزله لمن يريد الإحتماء به، عبر ولايات مجاورة لتيزي وزو وبجاية، ريثما يتم تعويضهم من قبل السلطات التي وعدت بذلك.
وصنع الجزائريون بذلك مشهدا رائعا وهم يتنقلون بإمكاناتهم الخاصة إلى مواقع اشتعال النيران، مشاهد ردت على من كان يريد استهداف الوحدة الوطنية وهو مشهد يغني عن ألف كلمة وعن ألف رد على المخططات القادمة من الحدود، فالمحنة أبانت عن تلاحم الجزائريين في الشدائد ورسمت صورة رائعة تحت عنوان «بلد واحد وشعب واحد»، كما صدحت إحدى حناجر المتنقلين إلى ولاية تيزي وزو، وهو على متن شاحنة قادما من باتنة «النار ولا العار».

لماذا اليوم؟
نطرح اليوم تساؤلا مهمّا، ينحصر حول لماذا هذه الحرائق اليوم في وقت تعرف الدبلوماسية الجزائرية عودة قوية لها، استطاعت مواجهة محاولة تغلغل الكيان الصهيوني في الإتحاد الإفريقي، بعدما حاول أن يجد موطئ قدم على الحدود الغربية للبلاد، وبتزكية من المخزن المغربي. هي تساؤلات لا يمكن إغفالها أيضا، في وقت تبقى جهود الجزائر مستمرة للدفاع عن المبادئ التي حاربت المستعمر الفرنسي من أجلها،في حق الشعوب في تقرير مصيرها، وشرعت في كسب حلفاء لها في القارة السمراء لمواجهة المدّ الصهيوني.
وأمام احتمالات كبيرة لقيام جهات معادية بالوقوف خلف هذه الحرائق، خصوصا في ظل التجارب السابقة خلال السنوات الماضية، ومع ذلك تنتظر نتائج التحقيقات التي ستكشف لنا في قادم الأيام عمن يريد «إحراق الجزائر».