موقعها الاستراتيجي وامكانياتها المادية والبشرية جعلتها تُعدّ من أغنى مناطق العالم من حيث مواقعها السياحية، هذه التحفة تُعدّ من المتاحف الغنية بالتراث العريق ومحطات للرسومات والنقوش الصخرية، ومواقع الأدوات الحجرية والمغارات والكهوف الثمينة، توارثتها عن الشعوب القديمة، إنها تيوت احدى بلديات ولاية النعامة والتي تبعد عنها بـ88 كلم جنوبا، تعتبر مدينة غنية بالنقوش الصخرية الأزلية، تعود الى عصور قديمة جدا ومن بين المناطق السياحية القديمة ذات مناخ معتدل وموقع جغرافي ممتاز. يعتمد سكانها على الفلاحة وتربية المواشي المورد الوحيد لأهاليها تحتوي على مؤهلات سياحية تستحق الوقوف عليها والاهتمام بها، خاصة أنها تقع في منطقة تتربع على الواحات والنخيل، كما تزخر بكنوز طبيعية خلابة ونقوش صخرية، تستهوي الزوار والضيوف من كل ارجاء الوطن وحتى أجانب، إلا انها مازالت تعاني قلة الاهتمام والتهميش.
لعلّ من اهم هذه الكنوز السياحية نجد محطة الصخور المنقوشة أول اكتشــاف في العالم للنحت الحجري أو ما كان يسمى بالحجرة المكتوبة الاسم الأول الذي أطلق عليها من السكان الأصليين لهذه المنطقة والمكتشفين الأوائل لها، حيث تمّ اكتشافها في الحقبة الاستعمارية الفرنسية عند وصول قوات الاحتلال لمنطقة تيوت على يد الباحث فيليكس جاكو الذي كان يرافق بعثة الجنرال السفاح كافينياك بتاريخ 24 / 04/ 1847، والذي نشر في بحثه أن تيوت تعدّ المحطة الأولى للرسومات الصخرية أو الصخور المنقوشة في منطقة الأطلس الصحراوي.
الرسوم الموجودة على صخور هذه المنطقة ذات تقنيات كبيرة وتشمل مجموعة من الحيوانات التي عاشت بالمنطقة منذ زمن بعيد، كما تبين هذه الرسومات حضارات ماقبل التاريخ، تاريخ الانسانية القديم، وصراع الانسان مع الطبيعة. فهي من أكبر المتاحف المفتوحة على الهواء في العالم، كما تعبر تعبيرا على الحياة المعيشية وعادات وتقاليد قاطنيها عبر العصور الغابرة، فهي بمثابة شهادات ذات قيمة تاريخية لا تقدر بثمن، توارثتهـا شعوب متعاقبة، تبرز نمط عيش الإنسان الأول وطقوسه وتقاليده.
وقد يعتبر سكان تيوت هم من اكتشفوا هذا المتحف غير أنهم لم يجدو له تفسيرا ولا لهذه الرسومات الموجودة به ولا تحديد تاريخ هذه الحفريات أو اسباب وجودها، بل كل ماعرفوه هو صور للحيوانات الموجودة عندهم كالحيوانات الاليفة وحتى المتوحشة، خاصة التي يصادفونها بجبلي عيسى ومكثر أو حيوانات أخرى يجهلونها، ومن هذه الحيوانات: الأسد، الغزال، النعامة، النمر، البقر.. وغيرها..
هذه الروسومات تقع على هضبة صخرية رملية ذات لون أحمر شمال قصر تيوت وبعضها الآخر يقع في مواقع متفرقة هنا وهناك بهذه المنطقة. حيث عرفت محاولات عديدة لقراءتها وتقديم تفسيرات تاريخية وحضارية لها من طرف علماء فرنسيين اهتموا بها وتوصّلوا إلى نتائج تمثلت في أن تاريخ هذه الرسومات الصخرية بقصر تيوت يعود إلى العصر الحجري الحديث وهي لا تتجاوز الألفية الثالثة قبل الميلاد، وتعكس هذه الرسومات أنواع الحيوانات التي كانت موجودة في ذلك العصر، كما أنها لا تزال تحتاج إلى دراسات معمقة وقراءات متعدّدة لفهم أبعادها الدينية والفنية، ومن هنا يمكن القول، إن هذه الرسومات تعتبر جزءا من حضارة إنسانية واسعة عالمية وليست رسومات ذات طابع محلي فقط، خاصة وأنها أصبحت محل اهتمام عدد كبير من العلماء والباحثين عبر العالم.
تيوت هذه المدينة الصغيرة أو التحفة السياحية كانت ولا تزال تسقطب أجانب من جميع الجنسيات للوقوف على أثارها كهذه الصخور المنقوشة، بشكل عجيب يدعو إلى الدراسة والتأمل، طبعا لا يخفى أن من أكبر الباحثين في هذا المجال الذي اكتشف هذه المنطقة بعد الاستقلال وطرد الاستعمار الفرنسي من بلادنا الأستاذ الفرنسي الباحث المعروف بإيليو الذي تأثر بالثقافة العربية وشغف بالتراث الجزائري الذي وقف على عدة محطات تراثية قديمة بهذه المنطقة. فهذه الرسومات تعتبر إحدى أقدم التعابير المرئية للإنسـان في المنطقـة، والأولى من نوعها على مستوى شمال إفريقيا التي تمكن الغرب من التعرف عليها. في سنة 1888 قام أعضاء مؤتمر علمي فرنسي، بزيارة نقوش تيوت والمحيصرات (7 كلم عن العين الصفراء)، حيث قام أحدهم، عام 1889، وهو الدكتور بوني، بإصدار كتاب علمي مرجعي يحمل عنوان «النقوش الصخرية في الجنوب الوهراني». حسب أحد كتّاب المنطقة، وقد أحصى القس كوميناردي، الذي عاش في المنطقة، وأنجز دراسات ميدانية مهمة جدا، نحو 150 محطة في الجنوب الغربي سنة 1980. من بينها 67 محطة بالنسبة لمنطقة العين الصفراء ولعلّ أبرزها محطات: العين الصفراء، درمل، مغرار التحتاني، عسلة، بوسمغون، شلالة، تيوت، كدية عبد الحق، المحيصرات، عين القطيطير. حسب الاستاذ والباحث بن عمارة خليفة.
وحسب أحد الباحثين العرب في علم الآثار، فإن علماء الآثار الفرنسيين والباحثين الجزائريين لم يتمكنوا من تحديد أصول العناصر البشرية التي قامت بنقش هذه الرسومات على الصخور، كما انهم لم يفسروا هذه الرسومات الصخرية تفسيرا دينيا أو اجتماعيا، وإنما ركزوا في أبحاثهم على الجانب الكرونولوجي وعلى تقنيات الرسم، وعلى وصف الرسومات الموجودة، ولكن في الواقع هذه الرسومات كانت تعبر عن دلالات دينية واجتماعية وفنية، وربما كانت تدل على المعتقد الديني لتلك الأقوام، وعلى بداية التجمع البشري، واستمرار مرحلة الصيد، وما يلاحظ من خلال السهام التي كان يحملها الإنسان أنه كان في صراع مع هذه الحيوانات خاصة المفترسة كالأسود، لذا فالرسومات الصخرية بتيوت تحتاج إلى دراسات معمقة وقراءات متعدّدة لفهم أبعادها الاجتماعية والدينية والفنية.
وبالرغم من أن هذه التحفة الفنية السياحية التي من شانها أن تكون فضاء ومكسبا هاما لهذه البلدية، بل الولاية ككل لو عرفت كيف تستغل أو تستثمر استثمار فعال، لربما كانت موردا هاما للمنطقة. إلا أنها للأسف الشديد لا تزال تتعرض للإهمال والتخريب والنهب والسرقة، خاصة من طرف بعض الطفيليين من خلال الكتابات الحديثة التي انتشرت على واجهتها وشوّهت منظرها ومحتواها. فبعض الزوار يتركون بصماتهم السلبية وغير الاخلاقية من خلال بعض الكتابات الشاذة سواء بالدهن أو بالنقش على هذه الصخور والتي انتشرت على واجهتها شوهت منظرها ومحتواها، كما أن النعامة متواجدة بالاطلس الصحراوي الذي يتميز بطقس خاص بارد شتاء تصل درجة حرارته الى تحت الصفر (مابين 0 درجة الى ـ 10 درجة) وحار صيفا (تصل احيانا الى 45 درجة او اكثر) وهذه التحولات المناخية أثرت سلبا على الطبيعة وعلى هذه المحطات الصخرية، كما أن كثير من هذه الكنوز الأثرية تعرضت للسرقة في وقت مضى من طرف زوار، خاصة القادمين من خارج الولاية، وبالتالي وجب دق ناقوس الخطر ووضع برنامج استعجالي لحمايته من الاندثار خاصة وانها متواجدة وسط مواقع سياحية هائلة، كما أن سكان تيوت يتطلّعون إلى عودة الانتعاش الذي عرفه النشاط السياحي بهذه المنطقة في السابق، والعناية بالمواقع الأثرية وتثمين المنتوج السياحي المحلي، وترقية مرافق الاستقبال، لاسيما أن منطقة تيوت تحصي 67 محطة للصخور، ومعالم أثرية غير محمية، بالتالي يمكن القول بأن بلدية تيوت بحاجة إلى مخططات تستهدف بعث المواقع السياحية والتراثية، من خلال تهيئتها وحمايتها وإعداد مخطط شامل، لتهيئة منطقة التوسّع السياحي وإعطاء القيمة التاريخية والسياحية للبلدة القديمة خاصة الصخور المنقوشة، كل ذلك من أجل إنعاش المورد الاقتصادي وتقليص البطالة بالمنطقة.