«الطنفة» البعد الافريقي لمشغولاتها اليدوية
هواية الطفولة وشغف الحاضر والمستقبل
تعتمد في ابداعها على مواد بسيطة قد لا يعيرها غيرها أي اهتمام، بين أناملها الرقيقة يتحول الـ «لا شيء» الى تحفٍ جميلة رائعة، بلمسة لا يعرف سرها غيرها تصنع من العدم أعمالا فنية تسحر الناظر إليها، لتتجلى بين تفاصيلها الدقيقة قوة ناعمة اسمها رقية بن مسعود تستلهم فنها من شعار أمها «لا ترمي كل القمامة».
هي حرفية من عاصمة الأهقار تمنغست، إقتحمت فن الإسترجاع (الرسكلة) لتبدع وتتفنن بأناملها الذهبية، وبساطتها والاستمرارية في نشاطها منذ طفولتها فلم تتوقف منذ سن صغيرة عن إنتاج أعمال فنية، باستعمال مواد أولية مسترجعة تنتهي بتحف فنية بين يديها.
بإبتسامتها التي لا تفارق محياها وحيويتها التي اعتادت عليها، وشغفها بالأشغال اليدوية، واكسيسواراتها التي أبدعت في إنجازها، وبحبها للاطلاع ومعرفة الأفكار الجديدة، ونظرة عصرية جعلت منها حرفية متعددة المواهب والرؤى ذات خيال واسع ومبدع.
ألبسة، إكسسوارات، سلال وحلي تقليدية ذات طابع محلي، وكذا أحذية قديمة مرسكلة بلمسة وفكرة إفريقية توحي لمن يراها صورة واضحة عن إبداع فنانة توظف البعد الإفريقي للمنطقة، في أعمالها يتجسد في لباسها التقليدي المعروف محليا بـ (قماش طنفة) الذي يميزها بإطلالتها للشابة المحلية الإفريقية، وبتلك الحلي التقليدية المصنوعة محليا والمزينة من طرفها بقماش طنفة، ما ميزها عن غيرها بعاصمة الأهقار.
هكذا كانت البداية
عملها كأستاذة للغة الإنجليزية في الطور المتوسط منذ 2009 لم يمنعها من اتباع هوايتها وتفجير موهبتها، التي تعود بذورها إلى طفولة تشكلت فيها شخصية مبدعة زادتها رعاية الام لها ثقة ونماء.
تقول رقية بن مسعود إبنة حي وجبل أدريان الشامخ بعاصمة الأهقار في حديثها مع «الشعب»: «ظهر شغفي بالأشغال اليدوية جليا منذ نعومة أظافري بفضل أمي وتقليدي لها، حيث كانت هي الأخرى تحب الأشغال اليدوية وتتقن رسكلة الأشياء المهملة واسترجاع الأشياء لأغراض جديدة، كصناعة الأفرشة اليدوية وصنع حقائب مدرسية يصفها كل من رآها بالجميلة من الأكياس البلاستيكية، كانت تتبنى شعار» لا ترمي كل القمامة» شعار رسخ وحبب رسكلة الأشياء واسترجاعها منذ فترة المراهقة».
وسردت رقية قائلة: «كانت أول تجربة لي وأنا ما أزال طالبة بالثانوية، أتذكر حينها انني كنت في رحلة بحث عن ملء فراغي بشيء مهم ومفيد، فبدأت بصناعة صناديق بعلب الكارتون وتزيينها بالجلد والقصب، بالإضافة الى صناعة تحف من أشياء بسيطة لإهدائها لأصدقائي، رغم قلتها مقارنة مع شغفي والأفكار الكبيرة التي كانت لدي لهذه الصنعة، بسبب عدم توفر المواد الأولية.»
وأضافت «مع مرور الزمن تفجرت لدي موهبة جديدة بتصميم وصناعة الإكسسوارات من (أساور، أقراط، قلائد، وغيرها) بالأقمشة لكن ليس أي قماش، فقد وقع اختياري على القماش المحلي المحبوب المعروف بإسم «الواكس» باللغة الإنجليزية أو «الطنفة» باللهجة الإفريقية، وخياطة حقائب يدوية»، في خلطة سحرية امتزج فيها فن الاسترجاع مع الهواية والحرفة الجديدة من خلال تحويل الأحذية القديمة والحقائب اليدوية القديمة وتغليفها بالقماش الافريقي، بالرغم من أنها لم تتلق أي تكوين في الرسكلة أو فن الإسترجاع، وهو ما يجعلها عصامية في هذا المجال.
لم تتوقف رقية بن مسعود عند هذه النقطة، بل حاولت ان تنقل تجربتها الى أجيال المستقبل، فبحلول 2013 أسست ناديا بيئيا أخضرا على مستوى المؤسسة التي تدرِّس فيها يضم عددا من التلاميذ، من أجل تعليمهم وحثهم على اقتحام فن الإسترجاع والرسكلة على غرار تحويل البلاستيك وإطارات السيارات إلى تحف فنية، ما جعلهم يشاركون بإبداعاتهم في مختلف المعارض على مستوى الولاية، في خطوة منها لغرس الثقافة البيئية لدى الأجيال.
المواد الأوّلية والتوصيل أهم العوائق
عن معوّقات حرفتها وإبراز موهبتها، كما ينبغي، اعتبرت رقية عدم الاهتمام بفن الإسترجاع والرسكلة في الولاية تمنغست أهمها، بالإضافة الى عدم توفر العديد من المواد الضرورية والمهمة في أعمالها والتي تتطلب البحث، بل واقتنائها من خارج الوطن الأمر الذي يتطلب وقتا أطول لوصولها.
وبالرغم من تسويقها لمنتجاتها محليا، يبقى حلم رقية في كيفية توصيل منتجاتها وطنيا إلى مختلف ولايات الوطن، خاصة مع وجود عديد الطلبات على منتجاتها بعد أن قامت بالترويج لها عبر صفحتها بالفايسبوك، إلا أن خدمة التوصيل تبقى هاجسها المؤرق.
وعن طموحها، قالت رقية: «طموحي لا يقف عند حرفة واحدة، فقد أتقنت خياطة ملابس الفتيات بالقماش المحلي المذكور سلفا، وشاركت في تكوين بدار الصناعة التقليدية مرتين لنيل شهادتي تأهيل الأولى بمدرسة النحت على الاحجار الكريمة وصناعة الحلي في مقياس النقش على الواجهات 2018 والثاني صناعة وتغليف الأرائك 2021»
هذا وعبرت رقية بن مسعود عن أملها في نقل خبرتها وأفكارها لغيرها خاصة وأن العديد من المهتمين والمعجبين يرغبون في تعلم هذه الحرفة، إلا أن التزاماتها تقف حاجزا أمامها، بالإضافة إلى عدم توفر فضاء يمكنها من نقل حرفتها الى متدربين، وهو ما تتمنى تحققه في قادم الأيام.