عرفت بجاية منذ القدم بكونها قبلة العلماء وطالبي المعرفة، فقد استطاعت أن تكون لأكثر من أربعة قرون قبلة العلماء ومهبطًا لأفئدة طالبي العلم وساحة لتبادل الأفكار والآراء وميدانًا للإبداع العلمي، حيث راجت حركة نشطة للتأليف في الفقه والتاريخ والرياضة والفنون والنحو.
وصفت المدينة قديمًا بأنها دار هجرة العلماء، فقد استقبلت رجال الفكر والأدب والعلماء والمحدثين من الأندلس الفارين بدينهم من محاكم التفتيش والاضطهاد الإسباني بعد سقوط دولة المسلمين هناك، كما استقبلت العلماء من العديد من الحواضر الفكرية، ما جعل منها مركزًا للإشعاع الفكري في المنطقة.
كما كانت المدينة مقصد طلاب العلم من كل مكان، قاصدين علماءها ومعاهدها التي بلغت شهرتها الآفاق، فجامعة «سيدي التواتي» التي أسسها الشيخ العلامة سيدي محمد تواتي بداية القرن الـ15 الميلادي، كانت تحتضن المئات من الطلبة خاصة البنات منهم.
فضلاً عن استقبالها الأدباء، خرَّجت المدينة العلماء، وأنجبت المفكرين والمبدعين رجالًا ونساء، ونجد من العلماء البجاويين الذين صنعوا الوعي العربي الإسلامي فقيهها وقاضيها ومؤرخها أبو العباس الغبريني، صاحب كتاب «عوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية».
يقول أبو العباس أحمد بن عبد الله الغبريني في كتابه «عنوان الدارية»: «أدركت ببجاية ما ينيف على تسعين مفتيًا»، إلا أنه لم يأت عليهم جميعًا، واكتفى بأن قال بعد أن أورد مجموعة منهم: «وقد بقي خلق كثير من أهل المئة السادسة، ممن لهم جلال وكمال، ولكن شرط الكتاب منع من ذكرهم.
من هؤلاء العلماء أيضًا، الفضيل الورتيلاني (1900 - 1959)، الذي يعتبر من أبرز أعلام الحركة الإسلامية في الجزائر وكان له دور مهم وفاعل في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931، حيث كان من أقرب الشخصيات للإمام عبد الحميد بن باديس والإمام البشير الإبراهيمي رحمهما الله، وقد كلّفه الإمام حسن البنا بملف اليمن، وجمعت بعض مقالاته في كتاب بعنوان الجزائر الثائرة.
من بينهم أيضًا، أبو علي حسن بن علي بن محمد المسيلي الذي كان يسمى أبا حامد الغزالي الصغير، فقيه وإمام جمع بين العلم والعمل والورع، وبين علمي الظاهر والباطن، له المصنفات الحسنة والقصص العجيبة المستحسنة، درس بمدينة بجاية، وولي القضاء بها.
صيت المدينة وصل المشرق كذلك، ومن العلماء الأجلاء الذين صدّرتهم المدينة نجد، عبد السلام الزواوي الذي عرف باسم عبد السلام سيد الناس البجائي، ولد بباجة سنة 589 هجريًا، وانتقل في شبابه إلى مصر، ثم عاد واستقر بدمشق سنة 617 هجريًا وتوفى بها سنة 681 هجريًا.
هذا الصيت وصل أيضًا القارة الأوروبية، ففي مدينة بجاية الجزائرية تعلم المهندس والرياضي الإيطالي ليوناردو فيبوناتشي (الذي يعتبر «أكثر رياضياتي غربي موهوب في العصور الوسطى)، العلوم الرياضية وخاصة علم الجبر والمقابلة وأدخلها إلى أوروبا.