تجـريم الحـرق بـ30 سنـة سجنـا نافذا أو المؤبـد «قرار حــاسم»
يصف المدير العام للغابات علي محمودي، قرار رئيس الجمهورية رفع العقوبات ضد مرتكبي حرائق الغابات إلى 30 سنة بـ «الحاسم والمهم»، واعتبره بداية لتعديل قانون الغابات الذي تجاوزه الزمن ولم يعد صالحا بعد 37 سنة، ويحتاج إلى تكييف مع التغيرات المناخية وإدخال الاقتصاد الغابي بصفة مستدامة، وتشديد العقوبات لأنه لا يعقل أن تحرق مساحات واسعة أو تستنزف ويقابل مرتكبو هذه الأفعال بـ6 أشهر حبسا أو البراءة لغياب الأدلة المادية.
وتحدث محمودي في حوار لـ «الشعب»، عن تغيير استراتيجية حماية الغابات، والانتقال إلى استعمال الدرون في المراقبة بداية من الصائفة المقبلة، بعد تسليم المشروع من قبل مركز الأبحاث التابع لوزارة التعليم العالي.
- «الشعب»: خرج مجلس الوزراء الأخير بقرار مهم كان مطلب مديرية الغابات منذ سنوات لتوفير حماية أكبر للفضاءات الغابية، هل رفع العقوبات ضد مرتكبي الحرائق سيسمح بتأمين هذه الفضاءات أم الأمر يحتاج إلى إجراءات أخرى؟
علي محمودي: قرار رئيس الجمهورية برفع العقوبات ضد مرتكبي حرائق الغابات إلى 30 سنة، والمؤبد في حال خلفت الحرائق قتلى، قرار حاسم ومهم للغاية. فنحن منذ سنوات نطالب بإعادة النظر في قانون الغابات 84-12 الذي تجاوزه الزمن في كل المجالات، فهو يعود إلى 37 سنة، لذلك يجب تحيينه فيما يخص تأثيرات التغييرات المناخية والاحتباس الحراري، وإدخال الاقتصاد الغابي بصفة مستدامة، بالإضافة إلى تعديل العقوبات لأنها ليست رادعة، بل العكس عندما يتقرب الحراجي (حارس الغابة) من أي شخص من بعيد يخرج له بطاقة التعريف الوطنية ويقول له أعمل عملك ودعني، لأنه يعلم أن القانون لا يسلط عقوبات كبيرة.
لذلك القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية فيما يخص حرائق الغابات مهم جدا، ونحن سنغتنم الفرصة لتعديل القانون. وكان وزير الفلاحة سبق وصرح في المجلس الوطني الشعبي أن القانون سيحين سنة 2021.
- وما هي أهم التعديلات المقترحة حتى يكون القانون عمليا وفعالا؟
من بين مقترحاتنا ضرورة أن يتلاءم القانون الجديد مع الظروف الحالية للبلاد، وأن يأخذ بعين الاعتبار التغيرات المناخية فيما يخص تهيئة الغابات. فالغابة الجزائرية لا تستطيع أن تمدنا بالحطب ولكن يمكن أن تمنحنا الموارد الغابية غير الخشبية، لذلك يجب أن تساهم بصفة مستدامة في الاقتصاد الوطني مثل النباتات العطرية والطبية والفلبين، الذي يجب أن يسترجع مكانته المتقدمة ضمن السبع بلدان المتوسطية التي يتواجد فيها، فحاليا الجزائر تأتي خلف البرتغال وإسبانيا ودول أخرى كانت تتقدمها في السنوات الماضية لذلك يجب العمل على استعادة مكانتها. أما فيما يخص العقوبات فيجب أن تكون ردعية.
30 سجنا أو المؤبد كفيلة بردع من تسول له نفسه حرق الغابات؟
كافية وهي أحسن مما هو موجود في القانون الحالي، في الفترة الأخيرة تم الحكم على شخص وجد في حالة تلبس بحرق الغابة في البويرة بـ6 أشهر سجنا، ومقارنة بما جرى في ولاية خنشلة المتهمون الذين قدموا من طرف الدرك الوطني أطلق سراحهم لغياب الدليل المادي.
بالرغم من حملات التحسيس والتوعية، واستنفار وزارة الفلاحة لجميع الفاعلين في اجتماع وطني ولقاءات جهوية بعد حريق خنشلة، إلا أنه تم تسجيل عدة حرائق أخرى اتضح أنها بسبب إهمال المواطنين بعد خرجات شواء.
هل سنصل إلى منع ارتياد الفضاءات الغابية؟
بعد الاجتماع الذي عقده وزير الفلاحة بتاريخ 12 جويلية الماضي، استدعى له كافة الفاعلين والمتدخلين بما فيهم الكشافة وممثلو المجتمع المدني والمنظمات والصيادين، نظمنا 7 تجمعات جهوية في كل من باتنة وتيزي وزو وتيارت وتلمسان، وآخر ببرج بوعريريج وعنابة والبليدة، وقد أشرفت شخصيا على تجمع برج بوعريريج واستدعينا لهذه التجمعات كل مكونات المجتمع التي لديها علاقة بحماية الغابات من مربي المواشي، صيادين، الكشافة، اللجنة الأمنية، الباحثين، الجمعيات التي تنشط محليا لنقول لهم، إن هذه الثروة ليست ثروة الحراجيين بل ثروة الجزائريين مكرسة دستوريا.
فالغابة تراث وطني يشترك فيه 45 مليون جزائري، ولديه المسؤولية في حمايته وهي ثروة ضئيلة جدا 4,1 مليون هكتار من ضمن 238 مليون هكتار، أي ما يقارب 1,7 بالمائة من المساحة الوطنية، لذلك يجب المحافظة عليها، لأنه إذا كل عام تتقلص مساحة المحيطات الغابية ستصبح مساحة الجزائر بعد سنوات قليلة كلها صحراء.
ففي العشرين سنة الأخيرة فقدنا 34 ألف هكتار، وهذا سيقضي على كل التراث الغابي وتصبح مساحة الجزائر كلها صحراء، لأن المساحة الحالية 80٪ تمثل الصحراء الكبرى و20٪ المتبقية إذا استمررنا على هذا المنوال سنقضي عليها بأيدينا.
صحيح، مثلما قلت، سجلنا العديد من الحرائق، لأن الناس تتعمد ذلك. ففي الحريق الذي شبّ في بلدية أحنيف، جنوب شرق ولاية البويرة، اتضح أن أناسا تركوا الشمع مشتعلا بعد مغادرتهم المكان، كيف لا يخطر على بال هؤلاء أن من يترك الشمع مشتعلا بعد ساعتين سيذوب ويلتهم كل شيء، هذا هو الإشكال لا ندري الهدف من وراء هذه الأفعال الإجرامية أو ما الذي يحركها.
- ثقافة حماية الغابة يجب أن تترسخ عند المواطن وهنا دور برامج التحسيس والتوعية بإشراك الجمعيات والإعلام، أليس كذلك؟
فيما يخص التحسيس والتوعية طول السنة نقوم بهذا البرنامج، بمعية مصالح الحماية المدنية، حيث ننظم قوافل تحسيسية وأبوابا مفتوحة على إدارة الغابات، بالإضافة إلى تنظيم حملات تحسيسية في اليوم العالمي للبيئة، اليوم الوطني للهجرة، اليوم العالمي للطيور المهاجرة، اليوم العالمي لمكافحة التصحر، وعلى هذا الأساس نحن متواجدين في الميدان طوال السنة ونعمل بالتنسيق مع الجمعيات ونستهدف الفضاءات التي تعرف إقبالا من العائلات وكذلك في الجامعات والثانويات، نقوم بمحاضرات ولدينا برامج في الإذاعات المحلية.
وفي إطار اللجنة الوطنية لحماية الغابات، نعمل بالتنسيق مع وزارات عديدة، من بينها وزارة الشؤون الدينية، التي تقوم بالتحسيس عبر المساجد لتربية الناشئة على حب الشجرة.
- ما هو حجم الخسائر التي لحقت بالمحيطات الغابية وكيف يمكن استخلاف الثروة الضائعة؟
حريق خنشلة الذي أسال الكثير من الحبر أتلف 8500 هكتار ضمن 12 بؤرة حريق تمتد على مسافة 19 كلم طولا و9 كلم عرضا، ونشير إلى أن نفس المنطقة شهدت اندلاع حرائق يوم 4 أوت 2012 تم إخمادها يوم 2 سبتمبر 2012 أي في ظرف شهر وضمن بؤرة حريق واحدة أتلفت 15 ألف هكتار، ولم يتنقل يومها لا مدير الغابات ولا وزير الفلاحة ولم تتحدث عنها وسائل الإعلام.
لكن هذه المرة بفضل تجند الجميع، خاصة سكان المنطقة الذين أعطوا درسا في التضامن والتنظيم، حيث وفروا كل ما يلزم من مياه للإطفاء والأدوية للأفراد، تم إخماد الحرائق في ظرف وجيز، بل أكثر من ذلك حينما تم الانتهاء من إخماد النيران تم تنظيف المحيطات الغابية من قارورات المياه البلاستيكة المستعملة في إخماد الحرائق حتى لا تتحول إلى مصدر يغذي النيران في حال نشوب حريق، لا قدر الله.
بالنسبة للمناطق الأخرى، من أول جوان إلى 31 جويلية 2021، سجلنا 617 حريق أتلف أكثر من 11337 هكتار، 1200 حريق أخمدت عند نشأتهت، بفضل تدخل الوحدات المتنقلة لحراس الغابات، في 34 ولاية.
فيما يخص نوعية المساحات المتلفة، لدينا 7900 هكتار من الغابات 1958 هكتار من الأدغال 1129 هكتار من الأحراش 139 هكتار حلفاء و209 هكتار أشجار مثمرة.
فيما يخص التوزيع الشهري للحرائق، شهر جوان سجلنا فيه 146 بؤرة حريق أتلفت حوالي 500 هكتار ويعد شهر جويلية أكثر خسارة وشدة حيث سجلنا فيه 471 بؤرة أتلفت 10 آلاف و840 هكتار.
الولايات الأكثر تضررا، خنشلة 8690 هكتار من ضمن 27 حريقا، تيزي وزو 528 هكتار من ضمن 81 حريقا، جيجل 285 هكتار من ضمن 31 حريقا، تبسة 277 هكتار من ضمن 22 حريقا.
وفي آخر أسبوعين، أي يومي 23 و24 جويلية 2021، ويومي 30 و31، سجلنا أكبر عدد من الحرائق 53 حريقا في كل نهاية أسبوع بـ19 ولاية.
بالنسبة لإعادة الاعتبار للمساحات الغابية المتلفة عن طريق حملات التشجير، غابات خنشلة مكونة من أشجار الصنوبر، عندما يحترق تنفجر البذور وتسقط في الأرض مما يسمح بإعادة تشجير طبيعية، أي الأشجار تستخلف وحدها، لكن هناك بعض الفضاءات التي لا تستخلف نتدخل عن طريق برامج التشجير.
وفيما يخص التشجير بصفة عامة مديرية العامة للغابات كل عام لديها برامج تشجير ابتداء من يوم 25 أكتوبر الموافق لليوم الوطني للشجرة، وإذا كانت هناك أمطار خريفية سنبدأ حملة الغرس، بمشاركة شركات ومقاولات تعمل مع إدارة الغابات.
إلى جانب الأيام التطوعية من طرف الإدارات التي تبرمج عمليات غرس ومبادرات أخرى لشركات وطنية، مثل سوناطراك، كل هذه الجهود ستعمل على إعادة الإخضرار للمحيطات الغابية، لكن ليس للمتلفة هذه السنة، لأن المساحات المتضررة من الحرائق تحتاج إلى وقت راحة، مثل غابة خنشلة، تصل إلى 3 سنوات، لكي نستطيع إعادة غرسها من جديد.
- هل سيكون التركيز على شتلات الأشجار ذات المردودية الاقتصادية؟
الغابات الطبيعية المتواجدة في الواجهتين الشرقية والغربية للبلاد لا يمكن لنا تغييرها، فكل محيط لديه الأصناف الغابية الخاص به. ولكن فيما يخص السد الأخضر لدينا دراسة لتوسيع المساحات المغروسة من 3 ملايين هكتار إلى 4,7 مليون، هناك فضاءات ستخصص للأشجار الغابية وفضاءات أخرى تخصص للأشجار العلفية، خاصة في المناطق التي تكثر فيها تربية المواشي، كما ستخصص فضاءات للأشجار المثمرة المقاومة للجفاف مثل الفستق الحلبي، اللوز والخروب.
وعلى ذكر الخروب، لدينا برامج خاصة للخروب والأرقان. المشروع الأول يتضمن غرس مليون شجرة خروب من طرف إدارة الغابات، دون احتساب مبادرات المستثمرين الخواص، مثل المستثمر بوبلنزة الذي أنشأ مشتلة خاصة ويقوم بتوزيع أشجار الخروب لكل الولايات وتوجد جمعية وطنية بولاية البليدة تقوم بمجهودات جبارة من أجل غرس شجرة الخروب.
أما فيما يخص الأرقان، لدينا مشروع لإعادة الاعتبار لهذه الشجرة وتوسيع مساحتها في ولايتي أدرار وتندوف.
تأمين الغابات من الأخطار المحدقة الناجمة عن التغيرات المناخية أو الحرائق، تقتضي إعادة النظر في الاستراتيجية المتبعة. وقد كان وزير الفلاحة قد طلب منكم التخلص من الطرق التقليدية ومندوب المخاطر الكبرى اقترح استعمال الدرون في حماية الغابات،
- فهل سيتم اعتماد هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة؟
إدارة الغابات تعمل بالشراكة مع مندوبية المخاطر الكبرى منذ سنوات. أما بخصوص استعمال الطائرات دون طيار، ننسق مع المركز الوطني للأبحاث الصناعية التابع لوزارة التعليم العالي. ويوم الخميس الماضي، نظمنا اجتماعا بالتحاضر عن بعد شاركت فيه مديرية الغابات، معهد الأبحاث الغابية ومديرية الحماية المدنية ومركز البحث ومندوبية المخاطر الكبرى، وقد أطلعنا القائمين على مركز الأبحاث عن نسبة تقدم أشغال مشروع الدرون.
مع العلم، أنه سيتم تخصيص درون واحد لمهمات الحماية المدنية وآخر لمصالح الغابات. في شهر سبتمبر سيتم جلب قطع غيار وستكون أولى التجارب لاستعمال الدرون شهر فيفري 2022، ونحن نريد تجريبه أولا في الغابات ذات القمم العالية مثل الشريعة أو الغابات القريبة مثل بينام في الصائفة المقبلة.
- حماية الغابات تقتضي كذلك توفير الوسائل للحراجيين وحراس الغابات، وإنجاز حواجز مائية بالقرب من المحيطات الغابية لتسهيل مهمة الإطفاء؟
في حريق خنشلة لم يكن لدينا مشكل المياه، لأن كل الفلاحين الذين لديهم حواجز مائية وضعوها تحت تصرف حراس الغابات. وهناك ولاة اتخذوا قرارات مثل والي البليدة بعد حريق 24 جويلية لإنجاز حاجزين مائيين، واحد في أعالي جبال الشريعة والآخر في متيجة للسماح لطائرات الهليكوبتر التابعة للحماية المدنية بالتزود منها.
وهناك صاحب مصنع خاص في ولاية برج بوعريريج، تبرع بحاجزين مائيين لإدارة الغابات بالولاية، ووالي بجاية قرر إنجاز 3 حواجز مائية في الغابات لتزويد الشاحنات بالمياه.
ولكننا في كل عام، ضمن برنامج حماية الغابات، نجند 404 برج مراقبة يسيرها 940 عون و478 فرقة متنقلة، فيها 2675 عون ولدينا 28 شاحنة صهريج لحمل المياه، ولدينا 2892 نقطة مياه مهيأة في المحيطات الغابية، و878 ورشة أكثرها هي ورشات جني الفلين، لأن حملة جني الفلين تتزامن مع حملة حماية الغابات من الحرائق.
لذلك يتواجد أعوان مجمع الهندسة الريفية في محيطات غابات الفلين لجني الفلين وإذا اندلع حريق يتوقفون عن الجني ويتحولون إلى إخماد الحرائق. زيادة على ذلك، لدينا الرتل المتنقل، 20 رتلا متنقلا، ما يقارب رتل لولايتين ولدينا صفقة مع مصنع السيارات بتيارت لشراء 80 شاحنة تدخل أولي، وعليه سيصبح لدينا 30 رتلا متنقلا والعام المقبل سيزيد 10 أرتال متنقلة لنصل رتل متنقل لكل ولاية خاص بها مكون من 8 شاحنات للتدخل الأولي من نوع مرسيدس.
فيما يخص الإطار التنظيمي، وتطبيقا لقوانين الجمهورية هناك قرارات ولائية تمنع إشعال النار في المحيطات الغابية وبجوارها من 1 جوان إلى 31 أكتوبر. هذه الفترة ستمدد مع ظاهرة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، وهناك تنصيب 40 لجنة عملياتية لولايات يترأسها الأمناء العامون، و40 لجنة لحماية الغابات يترأسها الولاة، و461 لجنة عملياتية للدوائر يترأسها رؤساء الدوائر و1315 لجنة يترأسها رؤساء البلديات و1542 لجنة للسكان المجاورين للغابات أكثرها بالقرى.