طباعة هذه الصفحة

«الشعب ويكاند» ترصد آثار الحرائق في خنشلة

برمجــة إنجــاز 300 كيلومتر من المسالـــك الغابيـة

ريبورتاج: اسكندر لحجازي

 برنامج للتّشجير واسع النّطاق وتعويض الفلاحين

تعيش ولاية خنشلة مرحلة ما بعد الحرائق التي أصابت غاباتها، تحصي من خلالها الخسائر المسجّلة العمومية والخاصة، وتتأهّب لإعادة الإعمار من جديد عبر التحضير لعمليات تشجير ضخمة ستشهدها المساحات المحترقة بالمحيط الغابي، وكذا انجاز مشاريع جديدة تصب في خانة الحفاظ على الثروة الغابية مع تكفل الدولة بتعويض الفلاحين وسكان الغابة من المتضررين من اكبر حريق شهدته المنطقة.
تنقل «الشعب ويكاند» من خلال هذا الريبورتاج القرارات المتخذة والإجراءات الجارية في هذا المجال، وتبرز جوانب مهمة مما حدث.

 في آخر حصيلة جديدة ومحيّنة كشف عنها والي ولاية خنشلة علي بوزيدي، فقد التهمت النيران أزيد من 7000 هكتار من الغطاء الغابي، 75 بالمائة منها صنوبر حلبي و25 بالمائة متنوعة بين أشجار البلوط وأحراش وأصناف حراجية أخرى، إلى جانب العديد من البساتين المثمرة لسكان يقطنون بجانب هذه الغابات وأبقار وأغنام وحيوانات برية أخرى تعيش في الغابة.
وأكّد الوالي أنّ «عمليات الحرق هذه مدبرة ومقصودة لزرع الفتنة في البلاد، لكن الشرفاء كانوا ولازالوا بالمرصاد رغم كيد الكائدين»، كاشفا في هذا السياق عن توقيف 10 أشخاص جاري التحقيق معهم لمعاقبة كل من تورط من قريب أو من بعيد في هذه الجرائم، مشددا على تطبيق قراره المتمثل في منع التجوال نهائيا داخل غابات عين ميمون، شليا، بوحمامة لمدة 06 أشهر حماية للغابة باستثناء الأسلاك المعنية بالدخول إلى هذه المناطق.
وسجّل أول حريق بتاريخ 4 جويلية على الساعة 11 و45 دقيقة، بغابة عين وصفان التابعة للكتلة الحراجية عين ميمون بإقليم بلدية طامزة، لتندلع في نفس اليوم 7 حرائق أخرى بمناطق متفرقة من الغابات لتنطلق عمليات الإخماد وفقا للقوانين المعمول بها بمشاركة الحماية المدنية وأعوان الغابات لكن درجة الحرارة المرتفعة تلك الأيام مع هبوب رياح قوية زاد من حدة الحرائق وسرعة انتشارها، ما استدعى طلب الدعم من الولايات المجاورة، والتي أرسلت الدعم إلى مناطق الحريق فيما تواصلت ألسنة اللهب تاتي على ما في طريقها.
وفي اليوم الثالث وصل المدير العام للغابات رفقة المدير العام للحماية المدنية، حيث تقرّر تسخير دعم 18 ولاية، موازاة مع الهبة التضامنية من مواطني كافة بلديات خنشلة وعدة ولايات مجاورة كباتنة وأم البواقي وتبسة وولايات من الوسط شاركوا بقوة في عمليات الإطفاء جنبا إلى جنب مع عناصر الحماية المدنية والغابات.

الجيش كان الفيصل في إخماد الحرائق

صعّب تواصل ارتفاع درجة الحرارة من مهمة إخماد النيران التي كانت تنذلع باستمرار من مكان إلى آخر، فكلّما أخمدت جهة نشب حريق في جهة أخرى، ما تطلب تدخل افراد الجيش الوطني الشعبي بحضور قائد الناحية العسكرية الخامسة بتاريخ 7 جويلية بتسخير عدد معتبر من المركبات والآليات الضخمة والقوة البشرية مشكلة الفيصل في العملية، حيث تم فتح مسالك جديدة داخل الغابات مكّنت من الولوج بسهولة ودون خطر داخل الأماكن المشتعلة وإخمادها، إلى جانب حفر خنادق ضخمة في محيط عدة أماكن للحيلولة دون وصول النيران إلى مساحات غابية أخرى. وهكذا تواصلت العملية بتنسيق محكم بين مختلف الأجهزة الحاضرة لمدة يومين آخرين، مما سمح بإخماد جميع البؤر المشتعلة.
وأمام حجم الخسائر المسجلة في البساتين والحيوانات والأراضي الفلاحية الخاصة استجابت الدولة بحضور وزيري الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية والفلاحة والتنمية الريفية بعين المكان إلى مطالب السكان، حيث تقرّر تشكيل لجنة تحقيق والتي باشرت عملها لإحصاء المتضررين بغية تعويضهم بمن فيهم غير المؤمنين على فلاحتهم، على أن يعوض الصندوق الوطني للتعاضد الفلاحي الفلاحين المنخرطين.
وفي هذا الاطار، تمّ تسجيل مشاريع تخص 300 كيلومتر من المسالك الغابية (200 كلم منها لإعادة تهيئة المسالك و100 لفتح مسالك جديدة داخل الغابات)، مع إنجاز آبار جماعية للسكان المجاورين للغابة مع ربطها بالكهرباء، إضافة إلى انجاز مشتلة من طرف المؤسسة الجهوية للهندسة الريفية في إطار عمليات إعادة التشجير مستقبلا للغابات المحروقة بمشاركة كل الفاعلين من جمعيات الأحياء ومتطوعين وإداريين وغيرهم.
كما تقرر في هذا الشأن دعما لسكان البلديات الغابية بالمنطقة الجبلية للولاية، إعادة تأهيل سد «فم القايس» ببلدية قايس لما له من مردود على تلك الجهة، وكذا إعداد بطاقة تقنية لدراسة وإنجاز سد ملاقو ببلدية بوحمامة، وهو المشروع الذي ظل لسنوات مطلب السكان هناك.
وباشر المجلس التنفيذي للولاية حسب ما أورده مصدر مؤكد لـ «الشعب ويكاند»، تنفيذ هذه القرارات من خلال برمجة مشاريع تهيئة وفتح المسالك الغابية على عاتق ميزانية صندوق الضمان والتضامن التابع لوزارة الداخلية، حيث سيتم بصفة مستعجلة انجاز المسالك الضرورية على مستوى تلك المناطق درءا لأي إخطار أخرى، على أن تتم برمجة الانجاز الكلي للبرامج المذكورة في الميزانيات الملحقة للصندوق المذكور.
وكمرحلة أولى لإزالة مخلفات الحريق وتنظيف الغابة، باشر أمس عمال مركز الردم التقني لولاية خنشلة عمليات وضع حاويات القمامة لجمع مخلّفات الحرائق، على أن تعقبها في الأيام المقبلة تحت تأطير مديرية الشباب الرياضة ميدانيا حملة كبرى يجري التحضير لها لتنظيف واسع النطاق لأماكن الحريق بمشاركة جمعيات ومواطنين ورجال أعمال ورياضيين وغيرهم من الفئات.

مشتلة خاصّة تتبرّع بـ 10 آلاف شجيرة

 أعلنت في هذا السياق عدّة جهات استعدادها للمشاركة والتبرع من أجل إعادة تشجير غابات الاوراس منها مشاتل خاصة كمشتلة خالد موسى الواقعة ببلدية الشريعة بولاية تبسة، والتي اعلنت تبرعها بـ 10 آلاف شجيرة صنوبر لإعادة غرسها موازاة مع حملة فايسبوكية واسعة تدعو إلى تنظيم عمليات تشجير كبيرة ومدروسة تمكن من استعادة غابات الاوراس المحترقة في اقل وقت ممكن عن طريق دراسات من مختصين في هذا المجال.
ويسعى النائبان الجدد بالمجلس الشعبي الوطني هشام شخاب وسليم مراح، منذ أيام في اتصال دائم مع سكان المناطق المتضررة لنقل انشغالاتهم إلى السلطات من اجل إيجاد توافق كامل بغية تعويض الخسائر والعمل على انجاز مشاريع المسالك الغابية والآبار بهذه المناطق لتفادي مثل هذه الكوارث مستقبلا من جهة، والعمل على تلبية مطالب السكان التنموية هناك، حيث يشتكون من مشكلة البطالة لأبنائهم الجامعيين خاصة والمتخرجين من مراكز التكوين المهني.
وممّا ميّز هذه الحرائق التي صنّفتها السلطات ضمن الأخطار الكبرى، هو بروز العمل التضامني لمرة أخرى أعاد للأذهان صور زمن الجائحة، وسط سكان الولاية خاصة وعديد ولايات الوطن عامة، في صورة بليغة تعبر عن غريزة حب التضامن للجزائريين والتفاهم السريع مع بعضهم عند حدوث مصائب والتحامهم منقطع النظير، كما شاهدنا خلال أيام الحرائق الحضور القوي والمستمر ليلا نهارا للسكان من خنشلة، باتنة، أم البواقي، تبسة وميلة وغيرهم، فهذا يشارك في إخماد النيران بالوسائل المتاحة، وآخر يحضر المياه بشاحنته وخلايا لتوزيع مياه الشرب والطعام ومستثمر خاص يرسل شاحنات من المياه المعدنية وغيرها من مظاهر التضامن.

«الأوراسية» في الحدث والشيف لطفي يقدّم 500 طبق كسكسي

 من بين الصور البليغة لعمليات التضامن التي وقفت عليها «الشعب ويكاند» ميدانيا، مشاركة المرأة الاوراسية في تحضير الطعام وصنع كسرة المطلوع ونقلها إلى العاملين على إطفاء الحرائق، وكذا قيام الشيف لطفي حيمر المعروف دوليا بعمل تضامني مميز، حيث تنقل إلى بوحمامة بالقرب من الغابة ونصب مطعما هناك، وقدم 500 طبق كسكسي على نفقته.
ومن المتوقع اقتصاديا بولاية خنشلة، أن تنعكس العمليات التنموية المرصودة لفتح المسالك الغابية وتهيئة القديمة وحفر الآبار الجماعية للسكان مع تزويدها بالكهرباء، بالإيجاب على السكان من حيث توفير مناصب شغل موسمية جديدة للسكان بهذه المناطق كون تنفيذ المشاريع يتطلب توفير يد عاملة موسمية متنوعة تتطلبها أشغال الحفر والبناء والتهيئة وغيرها.
وسيتم كذلك منح مشاريع تهيئة المسالك الغابية للمؤسسة الجهوية للهندسة الريفية المسماة «صفا اوراس» الواقع مقرها بدائرة قايس غربا بما سيمكّنها من تجاوز الضائقة المالية كونها تعاني من مشاكل في التسيير لعدم حصولها على مشاريع جديدة، وهي المختصة في الأشغال الغابية وتعيش منذ شهور أزمة لعدم تلقي عمالها رواتبها، وكذا تسريح عشرات العمال الموسميين.