تعتبر ظاهرة التصحر من أخطر المشاكل التي تتفاقم بسبب تغير المناخ، لأنه يهدد جميع الأنظمة البيئية الطبيعية عن طريق الحد من الإمكانات البيولوجية، واختلال التوازنات الإيكولوجية والاجتماعية والاقتصادية، حيث ازدادت المساحات الأكثر عرضة للتصحر بالجزائر بنسبة 41٪ خلال 15 سنة. علما أن ظاهرة التصحر تمس أكثر من 480 مليون شخص في العالم أغلبهم يقطنون بالبلدان الفقيرة.
وقد حمل شعار الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة التصحر بولاية الجلفة: “أرضنا هي مستقبلنا فلنحمها من التغيرات المناخية”، يبرز الشعار المختار لهذه السنة العلاقة بين التصحر وتدهور الأراضي والجفاف والتسيير المستدام للموارد المائية. كما اطلع وزير الفلاحة والتنمية الريفية، عبد الوهاب نوري، ووزيرة البيئة دليلة بوجمعة، على التوجيهات المبرمجة لتهيئة المجال الطبيعي لمجبارة - سنالبة، ويعد هذا الفضاء المدمج في محيط السد الأخضر أداة فعالة واستراتيجية لمكافحة التصحر، ووسيلة مقاومة الأنظمة البيئية السهبية الخاصة بالهضاب العليا وسط للتغيرات المناخية.
في هذا الصدد، قامت إدارة الغابات وجمعيات حماية الطبيعة بإطلاق عمليات توعية بولاية الجلفة، وتحسيس الجمهور حول وظائف وفوائد النظم الإيكولوجية للغابات والغطاء النباتي الطبيعي والممارسات الفلاحية الجيدة، بغرض الحماية المستدامة للأجيال القادمة.
تتضمن برامج مكافحة التصحر عدة دراسات خاصة لإعادة تأهيل بعض الأنواع الغابية المتكيفة مع الجفاف والتغيرات المناخية، بحسب ما أفادت به زهرة غازي، ممثلة المديرية العامة للغابات، موضحة في حديث لـ«الشعب” أن هذه الدراسات الخاصة تدور حول إعداد تشخيص البيئة التي تتواجد بها، أشجار الفستق بالأطلس وأشجار أقاسيا راديانا، وحول اقتراح مخططات عمل لإعادة تأهيلها وتوسيعها.
وأكدت ممثلة المديرية العامة للغابات بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التصحر، المصادف 17 جوان، أن التغيرات المناخية الملموسة منذ بضع سنوات تفرض تفكيرا، من حيث اختيار أنواع غابية لحماية الثروة الغابية ومن ثمة الموارد الطبيعية، التي تضمن بدورها الأمن الغذائي. وترى زهرة غازي، أن اختيار الأنواع الغابية المتكيفة مع الجفاف، وإعادة تأهيلها هي عوامل استراتيجية من أجل نجاح عمليات التشجير بالمناطق الجافة وشبه الجافة.
وذكرت في هذا الإطار، أنه منذ الاستقلال واجهت الجزائر ظاهرة التصحر بإنجاز السد الأخضر، لكن بالنظر إلى التجارب السابقة، لاسيما على مستوى إشراك السكان والتنسيق متعدد القطاعات، تم اعتماد مخططات قطاعية مثل المخطط الوطني لتهيئة الإقليم ومخطط العمل الوطني للبيئة، كما حظيت إعادة تشكيل الثروة الغابية باهتمام وطني من خلال المخطط الوطني، لإعادة التشجير الذي يتضمن أزيد من 1.2 مليون هكتار، منها 700.000 هكتار من عمليات إعادة التشجير تمت منذ إطلاق المخطط سنة 2000.
وقد شدد وزير الفلاحة على أهمية الحفاظ على إنجاز السد الأخضر من خلال تسجيل برامج جديدة لغرس مساحات إضافية في إطار إعادة التأهيل، والتوسع الذي سيمكن من المحافظة على الغطاء النباتي والغابي الذي يعتبر مصدر الحياة بالنسبة لسكان هذه المناطق، ويحافظ أيضا على الموارد الطبيعية المعروفة بهشاشتها جراء الاستعمال المفرط من طرف الإنسان.
ولهذا الغرض، ولمواجهة هذا النوع من الأخطار وللحفاظ على التسيير العقلاني للموارد الطبيعية في إطار التنمية المستدامة، فإن هذا الملف أصبح يشكل أحد الاهتمامات الرئيسية للسلطات العمومية من خلال تكييف استراتيجية التنمية الريفية بإشراك سكان هذه المناطق في التدابير والإجراءات المتخذة في هذا الشأن.
وقد تم أيضا بعث وإنجاز تسعة آلاف مشروع تنمية ريفية بإشراك سكان هذه المناطق، حيث تندرج هذه البرامج ضمن برامج تنمية المناطق الجبلية والسهبية والصحراوية، مما سيساهم بصفة ملموسة في الحد من تأثيرات انجراف التربة وبالتالي مكافحة التصحر.
وفي هذا الصدد، برمجت عدة نشاطات لاسيما ندوة اختتام مخطط تهيئة فضاءات البرمجة الإقليمية للهضاب العليا وسط، الذي يغطي ولايات الجلفة والمسيلة والأغواط، حيث شكلت هذه الندوة فرصة للفاعلين المعنيين، لاسيما الجماعات المحلية والقطاعات والمجتمع المدني والباحثين لمناقشة التوجيهات الاستراتيجية للمخطط والمصادقة عليها.
ويشكل مخطط تهيئة فضاء البرمجة الإقليمية للهضاب العليا - وسط، أداة لتنفيذ السياسة الوطنية لتهيئة الإقليم وتنميته المستدامة، فهو يقدم رؤية شاملة عن الإقليم ويبرز أهم العناصر والأخطار والرهانات والفرص الواجب اغتنامها، كما يحدد التوجيهات العامة والسيناريوهات المتعلقة بتهيئة الفضاء المعني ويقترح التعديلات اللازمة من خلال مخططات أعمال إقليمية.
لخضر بوخاري: يجب مراجعة قانون السهوب الرعوية
وفي هذا الشأن، دعا لخضر بوخاري، مدير المحافظة السامية لتطوير السهوب، إلى إعادة النظر في قانون السهوب الرعوية الجزائرية لـ11 مليون هكتار، الذي لا يخلو من غموض حول مصير هذه المناطق، مع تواصل الإتلاف المستمر للغطاء النباتي وبشكل واضح من الإنسان، ومن جهة أخرى إلى ممارسة التربية الحيوانية بما لها من آثار سلبية على الطبيعة والسهوب. مؤكدا في حديث لـ«الشعب”، أننا نتواجد اليوم في وضعية صعبة، قائلا: “فقط قانون صارم سيمكننا من الحفاظ على المناطق السهبية المهددة بتطهير الأراضي والرعي الجائر”، مضيفا: “مهمتنا هي تنفيذ سياسة وطنية بشأن التنمية المتكاملة في البادية والمناطق الرعوية، أين نجد الكثير من المشاكل مع المربين”.
وفي هذا الإطار، أشار لخضر بوخاري إلى أن هؤلاء المربين، يحتلون مساحات من الأراضي بطريقة غير نظامية ويدّعون ملكيتها وهي في الحقيقة ملك للدولة، مما يشكل أحد العراقيل في القضاء على ظاهرة التصحر.
وأوضح محدثنا، أن هذه الحالة لا رجعة فيها، مع قليل من الانضباط من جانب المزارعين، وبعض أعمال التطوير، يمكن عكس الوضعية نحو الأفضل، وبحسبه فإن الأولوية هي تطوير القانون الذي يحدد ممتلكات كل شخص لتكون الدولة قادرة على تسوية الأراضي، وخاصة لضمان حسن سير العملية التي سطرتها المحافظة السامية لتطوير السهوب. علما أن السهوب لدينا هي منطقة قاحلة كبيرة تمتد لأكثر من 15 مليون هكتار، حيث تذبذب تهاطل الأمطار وانخفاضها بالتدريجي كلما اتجهنا نحو الجنوب.
إضافة إلى أن أكثر من 3500 ألف هكتار تدهورت منذ 1975، لغاية اليوم. ولمواجهة ذلك، واصلت المحافظة العليا لتطوير السهوب وضع سياسة مرتكزة على التنمية المتكاملة للمناطق السهبية والرعوية. علاوة على ذلك، فقد أظهرت الدراسات الحديثة أن هذه المنطقة تخضع إلى تدهور بطيئ في المناخ، مما يؤدي إلى الجفاف. ويقول خبراء إن مستوى الجفاف قد يزيد ليس فقط من خلال تأثير المناخ غير المواتية ولكن أيضا ظاهرة الإفراط في النشاط الرعوي.
وبالموازاة مع ذلك، نفذت المحافظة السامية لتطوير السهوب عدة برامج في اختصاصاتها تنتشر عبر 440 بلدية، موزعة عبر 25 ولاية، يتعلق الأمر بثماني ولايات سهبية و14 أخرى زراعية رعوية. ومن بين أهداف المحافظة، استهداف نحو ستة ملايين هكتار بتدابير الحماية، كل هذه العمليات سوف تخلق حوالي 3 آلاف وظيفة، بحسب ما أفاد به مدير المحافظة السامية لتطوير السهوب.
وقال أيضا، إنه فيما يتعلق بالمناطق الحساسة فإنه من بين سبعة ملايين هكتار، 2.9 مليون هكتار وضعت للرعي، كل هذه المساحة من المناطق القاحلة وشبه القاحلة هي الفضاء المفضل لتربية الأغنام بشكل واسع، مشيرا إلى أن هذا الإقليم لتدخل مديرية المحافظة يتعلق بمساحة قدرها 32 مليون هكتار يقطنها حوالي 8 ملايين نسمة.
وفيما يتعلق بالمشاريع قيد الإنجاز، نبّه بوخاري إلى مسألة تكثيف مزارع الأعلاف على مساحة 43.000 هكتار، وإنجاز وتهيئة 6.900 نقطة مياه لسقي الماشية، لاسيما تحسين الظروف البيئية من خلال تقليل تآكل التربة على مساحة 2.6 مليون هكتار.
وبالنسبة لظاهرة التصحر، أشار بوخاري، إلى أن تجربة زراعة نبات الحلفاء جارية الدراسة بشأنها مع الباحثين الجامعيين، حيث أن النتائج الأولى المعلنة مشجعة. مضيفا، أن هذه التجربة بإمكانها إعادة تأهيل المناطق السهبية على المدى الطويل، خاصة مع توفر الغلاف المالي بشكل كاف، حيث وفرت الدولة ميزانية معتبرة لتنفيذ هذه البرامج، مجددا دعوته إلى مراجعة قانون الأراضي السهبية.
وبالموازاة مع ذلك، دعا المختصون إلى حماية الحيوانات النادرة من الصيد العشوائي، مع تخصيص فضاءات لإعادة تأهيل طائر الحبارى والأروية والغزال، حيث ستسمح عمليات التأهيل بتطوير نشاطات السياحة الإيكولوجية على مستوى المناطق الموفرة لمناصب العمل الخضراء، ومن جهة أخرى ستعرض الخطوط الكبرى لتهيئة المنطقة الرطبة لزهزة الشرقي، التي تعتبر واحدة من بين عشر مناطق رطبة ذات الأولوية بالجزائر.
مركب ذبح اللحوم الحمراء... للقضاء على المضاربة
يعد مشروع إنجاز مركب ذبح اللحوم الحمراء لحاسي بحبح بولاية الجلفة، من أهم الإنجازات بطاقة إنتاجية تقارب 16 طنا سنويا، مجهز بأحدث التجهيزات، من غرف تبريد، ومكان تجميع الأبقار والأغنام يتسع لـ5200 رأس، وغرف اجتماعية إدارية، وكذا محطات معالجة مياه الصرف بـ800 متر مكعب يوميا، وورشة الصيانة، وحفر الآبار، وخزان المياه بقدرة ألف متر مكعب.
ومن أهداف المشروع، تنظيم وتأطير شعبة اللحوم الحمراء في المذابح، ضبط سوق اللحوم الحمراء والقضاء على المضاربين، المعالجة الخاصة للحوم الحمراء ومصلحة الخدمات، حيث يستهدف المشروع الأسواق الوطنية والخارجية، مع إمكانية التوظيف بـ113 عامل. علما أن مركب الذبح لحاسي بحبح سيدخل مرحلة الإنتاج في بداية 2015، بحسب ما أوضحه كمال شادي، رئيس مجلس إدارة شركة تسيير مساهمات الدولة للإنتاج الحيواني “برودا”.
وأضاف كمال شادي، أن هذا المركب سينتج ابتداءً من السنة المقبلة، 16.800 طن من اللحوم الحمراء سنويا. ويندرج المركب ضمن الوحدات الثلاث التي تعتزم الدولة إنجازها في حدود سنة 2016، بإنتاج إجمالي قدره 40.800 طن، أي 1.5 مليون رأس غنم و60 ألف رأس بقر. كما أن مركب حاسي بحبح سيعالج 600 ألف رأس غنم و24 ألف رأس بقر، حيث ستقدر طاقة المركبين بـ12.000 طن لكل واحد منهما.
وقال رئيس مجلس إدارة شركة تسيير مساهمات الدولة للإنتاج الحيواني أيضا، إن هذه المشاريع أنجزت في مناطق سهبية من الهضاب العليا معروفة بتربية الماشية، وتضم أكثر من 18 مليون رأس غنم. بالإضافة إلى هذه المشاريع، هناك تأهيل مذبح عنابة الذي استكملت به الأشغال حاليا بنسبة 80٪، مؤكدا أن هذه المركبات ستكون إحدى الحلقات القوية لتصنيع فرع اللحوم الحمراء الذي يواجه المضاربة في الأسعار وينقصه التنظيم.
وأبرز المتحدث في هذا الصدد، أن التحدي يكمن في رفع الإنتاج الوطني والتأثير على الأسعار من خلال تقليص المضاربين.
شبكة التسويق، غياب الكهرباء ومصانع التحويل... مشاكل مطروحة
اشتكى فلاحو منطقة البيرين من مشكل عدم توزيع الأراضي على الشباب الراغبين في ممارسة النشاط الفلاحي في إطار عقود الامتياز، وهو التوجه الذي ألح عليه الوزير الأول في أكثر من مرة، داعيا إلى توزيع الأراضي على الشباب، خاصة وأن المنطقة متوفرة على آبار تساعد على انتعاش الزراعة في المنطقة.
وفي هذا الشأن، توجه الشاب نورالدين سالم، إلى السلطات المعنية بمنحه قطعة أرض في إطار عقود الامتياز لتنفيذ مشروعه الفلاحي وتربية الأبقار والأغنام، مبديا استعداده لممارسة كل الأنشطة الفلاحية إذا توفرت لديه الإمكانات، مشيرا في شكواه لـ«الشعب” إلى أنه لم يستفد من دعم الدولة بحجة أنه لا يملك بطاقة الفلاح، هذه الأخيرة وجد عراقيل بيروقراطية في الحصول عليها.
واشتكى مسؤول معصرة زيت الزيتون “دار الضياف” بحاسي بحبح، رحال بشير بولرباح، من مشكل الكهرباء، والتسويق وكذا مشكل غياب مصانع للقيام بالصناعة الغذائية والتحويلية، نظرا لوجود إنتاج وفير في عدة أنواع من الفواكه، كما طالب بإنشاء سوق للجملة.