طباعة هذه الصفحة

بومرداس

تحدّيات كبيرة لتحســين الخدمـات

بومرداس: ز. كمال

كشفت مرحلة ما بعد كورونا معطيات جديدة مسّت عدد من القطاعات الاقتصادية الحسّاسة المنتجة للثروة على رأسها قطاع السياحة ببلادنا الذي تعرض لانتكاسة كبيرة جراء توقف النشاط بالمؤسسات الفندقية والمخيمات العائلية بسبب التدابير الصّحية، لكن بحسب المثل القائل ربة ضرّة نافعة، حقق القطاع أكبر مكسب بقي صعب المنال لسنوات، ويتعلق بتحوّل سلوك السائح الجزائري وبداية التفكير بتغيير الوجهة الخارجية نحو الداخلية التي بدأت تكشف عن ثروة كبيرة غير مستغلة ومقوّمات هائلة مجهولة، مقابل تحدي نوعية الخدمات وهياكل الاستقبال.    
هذه المتغيرات الجديدة تحدّث عنها خبراء قطاع السياحة وتدخلات الباحثين في مختلف الندوات والملتقيات التي عالجت إشكالية قطاع السياحة بالجزائر ومكانة الوجهة الداخلية كخيار بديل أملته الظروف الصحية الاستثنائية، كان آخرها الملتقى الذي احتضنته جامعة بومرداس حول سبل ترقية النشاط وتغيير وجهة السائح الجزائري، منها المنطقة الصحراوية بالنظر الى المقوّمات الكبيرة التي تزخر بها بلادنا أهمها الحظائر الكبرى لمنطقة التاسيلي ناجير، تيميمون، تاوات، غرداية وغيرها من المقاصد العالمية المعروفة.
وإذا أخذنا الموضوع من جانب المنطق الفلسفي ما ينطبق على الكل ينطبق على الجزء، فإن ولاية بومرداس لا تخرج عن هذا الاستثناء من حيث الإمكانيات والقدرات السياحية المتنوّعة ما بين الساحلية بشاطئ خلاب يمتد على مسافة 80 كلم من بودواو البحري غربا إلى بلدية اعفير شرقا ينتشر به 44 شاطئا مسموحا للسباحة، خلال هذا الموسم الصيفي الجديد من أصل 57 شاطئا رمليا وصخريا، مقوّمات طبيعية وفضاءات غابية واسعة أهمها غابة قورصو، زموري، مندورة، بوعربي، الى جانب السياحة الجبلية والمسالك المتواجدة بالمناطق الجبلية المقترحة للتوسعة والتهيئة كمنطقة «كحلة زيمة» ببلدية الأربعطاش، ومنطقة حمام «»ثلاث» بعمال، وأخرى بأعالي قدارة.                                           كما تزخر الولاية أيضا بمواقع أثرية هامة بإمكانها أن تصبح مصدر جلب سياحي واستغلال اقتصادي أهمها قصبة دلس التي بدأت تستقطب منذ بداية فصل الصيف أسبوعيا الكثير من القوافل والرّحلات المنظمة من قبل الوكالات السياحية بهدف اكتشاف المنطقة، لكنها محدودة في يوم واحد فقط بسبب غياب كلي لهياكل الاستقبال ما عدا نزل طريق صغير بالمخرج الشرقي بسعر يتعدى 5 دينار لليلة الواحدة، بعد تدهور وضعية فندق «الشاطئ الجميل» التاريخي المغلق وسط المدينة.                                                                                                                                                      

أقل من 3 آلاف سرير

تناقض كبير دخلت فيه ولاية بومرداس السياحية التي تستقبل سنويا أزيد من 14 مليون مصطاف الرقم الذي أحصته مصالح الحماية المدنية لسنة 2018، وما بين طاقة الاستيعاب في المؤسسات الفندقية التي لم تقف على عدد متفق عليه من حيث النشاط من قبل ممثلي مديرية السياحة والصناعة التقليدية ما بين 20 و18 مؤسسة توفر أقل من 3 آلاف سرير، بحسب ما كشف عنه ممثل المديرية مؤخرا في الملتقى السياحي، وهو رقم ضئيل جدا مقارنة بمكانة الولاية بالنظر الى الطلب المتزايد على الفنادق والمخيّمات العائلية، خلال فترة الصيف بهدف قضاء العطلة والاستمتاع بنسمات البحر.                                 ورغم دخول مؤسستين فندقيتين تابعة للخواص حيّز الخدمة قبل جائحة كورونا، إلا أن طاقة الاستيعاب بعيدة كل البعد عن الطلب الكبير، وهو ما يكشف حالة التردّي التي يعيشها قطاع السياحة منذ سنوات، وتعطل انجاز الكثير من المشاريع الطموحة وأخرى تبخرت بسبب تأخر التهيئة القانونية والقاعدية لمناطق التوّسع السياحي الرئيسية على الشريط الساحلي أهمها منطقة صالين بالجهة الشرقية.             
كل هذه الظروف انعكست سلبا على نوعية الخدمات المقدّمة وتزايد شكاوي المواطنين من ارتفاع الأسعار بالفنادق نتيجة غياب المنافسة والبدائل أمام العائلات وقلّة عدد الأسرة المحجوزة طيلة الوقت تقريبا بحسب تصريحات بعض الزوار ومتعاملين اقتصاديين عهدوا نزول هذه المؤسسات.  

حاول تدارك العجز..    

ارتفع مؤخرا عدد المخيمات الصيفية العائلية إلى 15 مخيما، بولاية بومرداس بعد استلام مخيم صخور البحر بمنطقة المرملة بالمدخل الشرقي لعاصمة الولاية، وقبله مخيم النجمة الجميلة والمخيم العائلي المتواجد بمنطقة صغيرات، وعدة مراكز عائلية منتشرة بغابة زموري، وهي أغلبها فضاءات وبيوت مشيدة من الخشب والمواد المعالجة ليصل اجمالي عدد الأسرة المفترضة إلى 7320 سرير بإمكانها تعويض النقص وتخفيف العبء على الفنادق.    مع ذلك لم تستطع هذه المخيّمات تكسير أسعار الفنادق التي يشتكي منها الجميع، حيث تبقى بنظر الزوار والسياح وحتى مواطني الولاية مرتفعة جدا، بل هي أكثر يقول زائر مقيم مؤقتا بالولاية مع عائلته، فقد وصلت حتى 20 ألف دينار لليلة واحدة في»بنقالون» من ثلاث غرف، 15 ألف دينار لشالي مهيأ، ما بين 8 آلاف دينار إلى 18 ألف دينار بالنسبة لأسعار المركب السياحي «اديم» بزموري البحري، في حين تبقى الخدمات متفاوتة وأحيانا غياب وسائل الترفيه بالنسبة للأطفال.                                      
هذه الأسعار غير التنافسية وغير المعقولة بنظر الزبائن، دفعت بالكثيرين الى اختيار الوجهة الخارجية لدول الجوار ومنها تونس قبل كورونا بالنظر إلى نوعية الخدمات وتنوّع الخيارات لدى السائح، ما بين الفنادق المصنّفة وغير المصنفة، أو تفضيل كراء شقق مفروشة ومكيفة بسعر لا يتعدى 3500 دينار جزائري بحسب تصريحات بعض المواطنين الذين اعتادوا على مثل هذه الخرجات، على عكس ما يحدث في الجزائر.

تنافس في الظل  

ازدهرت في السنوات الأخيرة بمدن بومرداس الساحلية ظاهرة كراء الشقق المفروشة من قبل الخواص بالنظر إلى ما تدره من أرباح على أصحابها طيلة موسم الاصطياف، بعضها مصرّح به كنشاط رسمي مسجل، والبعض الآخر ينشط في الظل، حيث يفضل الكثيرين بحسب استطلاع الشعب التعامل مع زبائن معروفين أغلبهم من الولايات الداخلية من عائلات بسيطة لموظفين في قطاع التربية والإدارة، اعتادوا زيارة هذه المناطق كل سنة بسبب توفر الأمن والهدوء.
 وتعتبر بلدية رأس جنات من أنشط المدن الساحلية في هذا المجال، حيث يمكن للزائر تسجيل أرقام الهاتف المسجلة في جدران المحلات والفضاءات العامة، مع تخصيص صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للإشهار وعرض الامتيازات، وظهور بنايات مهيئة على طول الطريق الوطني رقم 24 خصيصا للكراء يمكن أيضا قراءة لافتات «شقق مفروشة» على مساحة 100 م من الشاطئ.   أما عن الأسعار المعروضة فهي متفاوتة بحسب حجم الشقة وعدد الغرف المحجوزة، في حين يبدأ سعر الشقق العادية التي يضعها أصحابها تحت تصرف العائلات من 4 آلاف دينار وأكثر بحسب وضعية الشقة، نوعية التأثيث، باقي الخدمات الأساسية أيضا منها خدمة الأنترنت وديمومة مياه الشرب التي تستعمل بكثرة من قبل المصطافين.
وصف الأستاذ الجامعي والباحث الاقتصادي المختص في مجال السياحة كمال حشين في مداخلته خلال ملتقى بومرداس الوكالات السياحية «بالعالة على القطاع، حيث وصفها بالوكالات التجارية التي تقتات من هذا النشاط دون أن تقدم إضافة للتعريف بالسياحة الجزائرية داخليا وخارجيا، وأهم المواقع التي تزخر بها لجلب السياح».
وبولاية بومرداس تنشط 54 وكالة لم نسمع عنها يوما تنظيم تظاهرة أو لقاء أو زيارة مبرمجة لممثلي وسائل الإعلام المحلية للتعريف بنشاطها ودورها كرافد أساسي إلى جانب مديرية السياحة، غرفة الصناعة التقليدية وباقي الفاعلين للتعريف بالمقوّمات التي تزخر بها بومرداس والجزائر ككل، وهو ما جعل الكثير من المختصين يطالبون «بإعادة النظر في دفتر شروط هذه الوكالات وتكييفه مع متطلبات الساعة والراهن الاقتصادي المتوجه حتما نحو تشجيع القطاعات المنتجة للثروة على رأسها قطاع السياحة.  

الشجرة التي تغطي الغابة  

تحوّل موسم الاصطياف بالولايات الساحلية ومنها بومرداس إلى أكبر نقمة على قطاع السياحة، حيث أصبح بمثابة الشجرة التي تغطي الغابة الجرداء ويختبئ وراءها المسؤولون المحليون من رؤساء بلديات، مديرو السياحة المتعاقبين لتجميل واقع أسود لم يتغير منذ سنوات رغم كثرة الحديث عن المشاريع المسجلة والمنجزة، من خلال تحويل المناسبة الى كرنفال وعروض فولكلورية على حساب ترقية مستوى الخدمات وتوفير المرافق للمصطافين، ومتابعة طلبات الشباب والمتعاملين الاقتصاديين الراغبين في إنشاء مؤسسات استثمارية مختصة.
    فقد حرص الجميع على تقديم موسم الاصطياف الظرفي المحصور في أيام معدودات المنتظر افتتاحه، هذا الخميس، كبديل عن قطاع السياحة المستدام وكل ما يشكله من دعم اقتصادي وموارد مالية إضافية للخزينة العمومية والمحلية للبلديات 13 الساحلية، التي عجزت عن تنظيم حملات لتنظيم الشواطئ عبر إقليمها قبل الاستنجاد بالجمعيات وأطفال الكشافة في مظهر ينّم عن مدى التهاون وعدم الاكتراث لأهمية الحدث، إلى جانب غياب التنسيق ما بين القطاعات، وبالتالي يمكن تصوّر واقع النشاط ومستقبله القريب، وأهم التحدّيات المطلوبة لإخراجه من دائرة البريكولاج نحو آفاق إقتصادية أكثر نفعية بفتح المجال أمام الخواص المحترفين.
مع الإشارة في الأخير أن موسم الاصطياف لهذه السنة سيشهد انتعاشا من حيث النشاطات المبرمجة وعودة المؤسسات الفندقية إلى النشاط بعد موسم أبيض، لكن بحذر كبير وصرامة لاحترام التدابير الصّحية سارية المفعول، لهذا الغرض قامت مديرية السياحة لبومرداس قبل أيام بتنظيم حملة تحسيسية جابت أهم الفنادق والمخيمات العائلية بالولاية للتذكير بأهمية احترام البروتكول والحفاظ على نفس الاجراءات وعدم إظهار الترّاخي مع الزبائن.