تصاعدت حدّة الهجمات الإرهابية ضد قوات حفظ السلام الأممية في مالي في الآونة الأخيرة، تزامنا مع إعلان فرنسا الانسحاب التدريجي من مالي ومنطقة الساحل الإفريقي، التي من المؤكّد أنّها تتجه إلى فصل جديد من فصول التوتر الأمني، بعد رفض الأمم المتحدة رفع عدد قوات القبعات الزرق، والمشاركة في مستنقع فشل على أنقاض الانسحاب الفرنسي.
باريس التي لم تجد بعد مبرّرا تقنع به المجتمع الدولي بقرار إنهاء قوات “برخان” التي تأسّست في 2014، تسعى من دون شك إلى إحداث تغييرات في توازنات الانسحاب التدريجي تزامنا مع نتائج انتخابات داخلية تراجعت فيها الأحزاب التقليدية بما فيها “الجمهورية إلى الأمام” الحزب المنتمي إليه الرئيس إيمانويل ماكرون وارتباط ذلك بفشل على مستوى السياسة الخارجية لاسيما دور فرنسا في مستعمراتها السابقة.
لكن الإجابة عن تصاعد الهجمات الإرهابية المستهدفة لمختلف العسكريّين من قوات “مينوسما” في مالي، وليس كما جرت العادة استهداف القوات الفرنسية، يستدعي فهم هذا التحول الجديد في سياق رفض الولايات المتحدة بشكل غير معلن، طلب باريس زيادة عدد قوات حفظ السلام لتعويض العسكريين الفرنسيين.
واشنطن فهمت طلب فرنسا على أنه فخ يقود إلى إقحام منظمة الأمم المتحدة في حرب مع الجماعات الإرهابية لا فائدة منها، وبالتالي الاتجاه إلى حرب بالوكالة عن المستعمر القديم، الذي يسعى للحفاظ على هيمنته في المنطقة اثر تراجع نفوذه بشكل كبير مع الانقلاب الثاني بقيادة العقيد آسيمي غويتا.
التحول الجيوسياسي المرافق لانقلاب مالي الثاني بمثابة فشل ذريع للاستخبارات الفرنسية، التي لم تتمكن من الحفاظ على قادة المرحلة الانتقالية الأولى بقيادة الرئيس باه نداو والوزير الأول مختار وان، وتمّت الإطاحة بهما بعد تعديل حكومي مباشرة بعد زيارة نداو إلى الايليزيه إثر إسقاط وزيرين شاركا في انقلاب أوت 2020.
وأمام هذا التصاعد الملفت للتوتر، يبدو أنّ باريس لم تعد قادرة على إدارة نفوذها في المنطقة، وبالتالي فهي تتجه إلى إثارة الوضع الأمني للفت انتباه المجتمع الدولي انطلاقا من “فزاعة” الإرهاب.