وزير أول من الأغلبية لتنفيذ برنامج الرئيس
جرّاد سيقدّم استقالته بعد تنصيب المجلس مباشرة
يعتقد الأستاذ في القانون العام بجامعة الجزائر-1، الدكتور أحمد دخينيسة، أن أرجح السيناريوهات المحتملة بشأن تركيبة أول حكومة منبثقة عن برلمان منتحب، والتي ستتضح معالمها المقبلة بعد تنصيب الغرفة السفلى خلال قادم الأيام، تتجه في مجملها إلى خيار اللجوء إلى حكومة «توافق» مشكّلة من أحزاب عديدة، يحتفظ فيها الرئيس بالحقائب السيادية في ظلّ المعطيات المتوفرة على أرض الواقع.
قال «ضيف الشّعب» الدكتور خينيسة، إنه يتوجب على حكومة الوزير الأول عبد العزيز جراد، تقديم الاستقالة إلى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حسب ما ينص عليه الدستور، مباشرة بعد تنصيب الغرفة الثانية للبرلمان رسميا. وهو عرف متداول لم يحدد التشريع تاريخ استقالة الحكومة بعد عملية تثبيت أعضاء المجلس الشعبي الوطني.
ويظنّ دخينيسة أن حكومة التوافق التي ستنبثق من البرلمان المقبل، يتوقف على طبيعة الأغلبية المسيطرة، بحسب الدستور المعدل في نوفمبر 2020، حيث تتطلب الأغلبية في الوقت الراهن تحالفات بين 3 قوى حزبية برلمانية لبلوغ 204 مقعد لتشكيل أغلبية رئاسية.
من هذا المنطلق، يؤكد المتحدث أنّ الوزير الأول المنتظر، بحسب ما جاء في الدستور، حيث تنص المادة 103 منه على أن «يقود الحكومة وزيرا أول في حالة أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية». حيث تتشكل كتلة برلمانية تستوفي النصاب بحصولها على نصف عدد النواب زائد واحد، وتصبح أغلبية وتتوافق مع برنامج رئيس الجمهورية وتدعمه، ويتولى الوزير الأول مهمة تنفيذ برنامج الرئيس.
تحالف بين الوطنيين والإسلاميين
وأضاف نفس المتحدث قائلا، «نتوقع وزيرا أول، مشكلا من أغلبية سياسية لصالح الرئيس، حيث تتشكل الحكومة عن طريق ائتلاف بين القوى الأولى في المجلس الشعبي الوطني، للوصول إلى أغلبية، وستكون على الأرجح مزيجا من الوطنيين والإسلاميين، وهم من التيارين المسيطرين داخل البرلمان القادم حسب النتائج الأولية». واستدرك دخينيسة كلامه بالقول، «أو حتى يمكننا الذهاب إلى حكومة موسعة توافقية، بمشاركة أحزاب مثل حركة البناء الوطني، جبهة المستقبل وكل من أعلن استعداده للانخراط في جبهة دعم وتطبيق برنامج الرئيس، الذي أصبح عامل توحيد لهذا التوافق».
وبالنظر إلى مواقف مثل جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وحركة البناء الوطني، وحركة مجتمع السلم، التي أعلنت تفتّحها على برنامج الرئيس، فإننا أمام بوادر تشكل حكومي سياسي، حيث ستشهد الغرفة السفلى الجديدة أغلبية داعمة للرئيس، مشكلة من ائتلاف من الوطنيين والإسلاميين أيضا. وبالنسبة لكيفية التئامه سيحددها المعنيون مستقبلا، لأننا اليوم في أزمة تجبر الجميع على رفع التحدي.
الرئيس يحتفظ بالوزارات السيادية
في نفس السياق، أبرز «ضيف الشعب»، أن «الرئيس سيحتفظ بوزارات السيادة، حيث أن المتحالفين سيعطون الفرصة للقاضي الأول في البلاد، للاحتفاظ بالوزارات السيادية، مثل الدفاع، الخارجية وغيرهما. وفي العادة، يكون حاملو تلك الحقائب من التكنوقراط ويقع حولهم التوافق».
وحتى لو تشكلت أغلبية رئاسية ــ في منظور دخينيسة ــ فإن هذا لا يعني أنها لا تمارس الرقابة على السلطة التنفيذية، بالعكس ستتشكل حكومة أغلبية تمارس مهامها على أكمل وجه، معتبرا أن الدستور يتيح للأغلبية بأن تشكل أغلبية رئاسية، لأن هناك توجه عميق حتى في نظم أخرى، لتوحيد السلطة التنفيذية لصالح الرئيس من أجل إثبات الفعالية، وإحداث توافق بين الأغلبية الرئاسية والبرلمانية، لمواجهة التحديات والأخطار المحدقة بالبلاد، وليس البقاء فيما هو سياسوي والدخول في الصراعات الداخلية وتعطيل العمل السياسي.
وعاد دخينيسة للحديث عن التوافق المنتظر، الذي لن يقصي في منظوره حتى من قاطعوا التشريعيات، لتحقيق التوازنات الجهوية. مشددا على أننا في الجزائر «نعمل بفكرة الجماعة. قد نختلف صحيح، لكن تبقى الجزائر هي الموحِّدة للكل، وهذا في ظل تحديات خطيرة سياسية داخلية ودولية».
وردّ دخينيسة على سؤالنا المتعلق باحتمال العودة إلى فكرة التحالف الرئاسي داخل المبنى البرلماني، بالقول: «إن التحالف الجديد المرتقب ما بين القوى البرلمانية، سيكون مختلفا عن تحالفات سابقة تشكلت خلال فترة النظام السابق، حيث أننا اليوم في سياق جديد ومختلف. ففي السابق، كان هناك تحالف رئاسي يضع كل شيء تحت هيمنة الرئيس، بفكرة التحالف الرئاسي الذي همّش المعارضة وعطّل أدوات مساءلة الحكومة في البرلمان، وعدم إخضاع بيان السياسة العامة للحكومة السنوي للتشريح من قبل نواب الشّعب، حيث لم يكن هذا الإجراء ساري المفعول، ولو بقي النظام السابق، لكان سيتمادى أكثر بالذهاب نحو تعديل الدستور لإسقاط هذه الأدوات».
أما الدستور الجديد ــ يقول أستاذ القانون ــ فقد أنشأ ميكانيزمات جديدة، ستكون لها أثار مستقبلا على عمل الحكومة والأداء البرلماني ككل، حيث أن الوزير الأول أو رئيس الحكومة، سينبثق من الأغلبية السياسية في البرلمان. أما الدستور السابق، فقد كان الرئيس يستشير الأغلبية فقط، وهو ما شهدناه سابقا، حيث لم يتحصل حزب جبهة التحرير الوطني المسيطر آنذاك على زمام الهيئة التشريعية على حقيبة الوزارة الأولى، وأضحت مشكلا يثار وشكلت بعض الصراعات داخل منظومة الحكم سابقا.
ضف إلى ذلك ـ يسترسل المتحدث ــ فإن النواب اليوم لهم استقلالية في الولوج إلى هذا التكتل، وأن يتفاوضوا بعدما كان نوعا من التوافق في السابق لا نعرف له تفاصيل، بينما ما يحدث اليوم هو العكس تماما.
معارضة «عقلانية»
كما أضاف أستاذ القانون بجامعة الجزائر، أن هناك بعدا جديدا سيظهر مستقبلا، يخص المعارضة البرلمانية التي باتت مؤسسة يضمن حقوقها الدستور، كي لا تبقى مهمشة ولا تخرج عن دائرة المهاترات التي لا تفيد المواطن، حيث أصبحت المعارضة «عقلانية»، خاصة وأنها كانت خلال السنوات الماضية، تعمل عن طريق أدوات محصورة في الاستنكار والتنديد، أو حتى القيام بالاحتجاجات داخل البرلمان. أما اليوم، فلها الحق في إخطار المجلس الدستوري، حيث باتت معارضة «عقلانية» داخل البرلمان وهذا كله من أجل أن لا نغرق في التحزّب والصراعات كما نعيشها اليوم.