الاستثمار في السياحـــة والفــلاحــة ورقـــة رابحـــة
ظلّ دوار طازروت (زاتيمة سابقا) رمزا للتخلف والركود التنموي منذ فترة ما بعد الاستقلال وإلى غاية اليوم، حيث لا يزال هؤلاء يفتقدون لأدنى شروط الحياة الكريمة، ومقوّمات العزّة والكرامة.
دوّار «زاتيمة» هو اختصار لكلمتي زيت وماء، وفقا لما يردّده كبار السن بالمنطقة، والذين يؤكّدون على أنّ واد بوعربي الذي كان الى وقت قريب يحتضن معظم بيوت الدوار، كان يشتهر منذ القدم بمادتي زيت الزيتون وماء الوادي، الذي يستغلّ للشرب والفلاحة أيضا، ولكنّ الأمر ليس كذلك اليوم عقب انتقال جلّ الساكنة الى أعالي الوادي غير بعيد عن أعلى القمة بجبال الظهرة.
ومن أهم الصعاب العالقة التي تؤرق سكان طازروت بجبال الظهرة على الحدود الفاصلة بين تيبازة، الشلف وعين الدفلى اهتراء الطريق المؤدي الى منطقتهم انطلاقا من الطريق الوطني رقم 11 عبر دوار بني وارقشان، ممّا يجبرهم على التنقل الى المناطق الساحلية عبر مدينة أغبال المجاورة على امتداد طريق جبلي مهترئ هو أيضا، غير أنّ درجة الاهتراء تبقى أقلّ بكثير مما تشهده حالة طريق بني وارقشان.
ويشتكي سكان الدوار من تنصّل المسؤولين بكل من بلديتي أغبال والارهاط من مسؤولية صيانة الطريق الرابط بين طازروت وأغبال على مسافة 7 كلم، بحجة أن دوار طازروت تابع إقليميا لبلدية الأرهاط وأنّ الطريق يقع على إقليم بلدية أغبال، لتتواصل بذلك المعاناة التي ألفها سكان المنطقة منذ عدّة عقود خلت من الزمان.
ولأنّ اهتراء الطريق أضحت مشكلة قائمة ومثيرة للقلق، فإنّ تبعاتها تحولت هي الأخرى الى مشاكل عويصة تؤرق مجمل سكان الدوار، وتحد من عزيمتهم على الصمود أمام صعاب الحياة في ظلّ بزوغ فجر الجزائر الجديدة.
ولا تزال تداعيات ذلك تلقي بظلالها الواسعة على التموين بمختلف المنتجات والنقل عموما، وكذا تفعيل آليات الاستثمار في المجالين السياحي والفلاحي.
تقسيم إداري مجحف
يتبع دوار طازروت إداريا بلدية الأرهاط بالناحية الغربية لولاية تيبازة، والتي تعتبر في الواقع أكبر بلدية بالولاية مساحة، إلا أنّها تعتبر في الوقت ذاته من بين أصغر البلديات من حيث العمران، وبالرغم من وجود طريق بلدي يربط البلدية الأم بالدوار، إلا أنّ حالته تبقى جدّ مهترئة وغير صالحة للمرور في العديد من النقاط، بفعل تراكم مظاهر انزلاق التربة وتآكل الزفت بالمؤثّرات الطبيعية المتكرّرة، الأمر الذي يرغم سكان طازروت على التنقل عبر الطريق الولائي رقم 14 مرورا بمقر بلدية أغبال النائية، ولا يبعد الدوار عن أغبال مركز سوى بـ 7 كيلومترات فقط، في حين يبعد عنهم مقر البلدية الأم الأرهاط بأكثر من 20 كلم.
مع الإشارة إلى أنّ العديد من المسافرين من منطقة قوراية وما جاورها نحو الناحية الغربية للوطن كثيرا ما يتنقلون عبر ذات الطريق مرورا بكل من أغبال وطازروت وبني ميلك وصولا الى الحدود الشرقية لولاية الشلف قبل الالتحاق بالطريق السيار شرق غرب.
وأكّد العديد من سكان تلك المناطق النائية المحرومة من مختلف أوجه التنمية، بأنّ التهميش والإقصاء من التطور والرقي لمنطقتهم شمل مجمل الجوانب بالرغم من كونها منطقة عبور بوسعها المساهمة في النهوض بالسياحية والتجارية وحتى الفلاحية بالمنطقة كلها.
مرافق عمومية شبه منعدمة
باستثناء المدرسة الابتدائية وقاعة العلاج المبتورة من عدّة نشاطات طبية، يبقى دوار طازروت المنعزل محروما من مختلف المرافق العمومية الأخرى، بحيث لا تزال الملحقة البلدية مغلقة منذ ما يربو عن أربع سنوات، ولا يحوز شبابه على أيّ فضاء للترفيه سواء تعلق الأمر بدار الشباب أو حتى الملاعب الجوارية التي تمكّن الفئات الشبانية من الترويح عن النفس، الأمر الذي أرغم العديد من شباب المنطقة للنزوح والتنقل الى مناطق بعيدة بحثا عن واقع أفضل، وطلبا لحياة أجمل.
وحسب ما علمناه من بعض شباب الدوار، فإنّ الذي مكنّهم من تجاوز الأزمة وتجنب الضغوط النفسية يكمن أساسا في التواصل مع الغير عن طريق الانترنت، خاصة وأنّ المنطقة مغطّاة بالشبكة الهاتفية من طرف أحد المتعاملين الخواص، ما مكّن الشباب من الولوج الى عالم الأنترنت والتموقع ضمن شبكات التواصل لتبادل الأفكار والتجارب مع غيرهم ممّن يحوزون على تجارب ناجحة في الحياة.
معاناة مع الماء والكهرباء
كشف سكان دوار طازروت على أنّ الدوار حظي منذ عدّة سنوات بمشروع إنشاء شبكة لقنوات الماء الشروب، إلا أنّ بعد المنطقة عن مراكز المتابعة واتخاذ القرار حال دون استكمال المشروع الذي لا يزال عالقا، ولا يزال الساكنة هناك يتزوّدون بالماء من المنابع الطبيعية المجاورة، إلا أنّ مياه الينابيع يقلّ تدفقها بشكل ملحوظ خلال فصل الصيف، ممّا يولّد ضغطا رهيبا عليها بالنهار كما بالليل أيضا، لتتواصل بذلك المعاناة مع الماء على غرار ما هو حاصل مع مادة الكهرباء، بحيث تفتقد شبكة الإنارة العمومية لكل أوجه الصيانة ممّا أفرز تعطّلا شبه تام لها، ناهيك عن الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي لأسباب مختلفة.
الأشجار المثمرة وتربية المواشي مهنة متميّزة
قدّر ممثل السكان، عزيز عبادو، عدد أشجار الزيتون بالمنطقة بأكثر من 20 ألف شجرة، منها تلك التي ورثها الساكنة عن العهد الاستعماري والبالغة حوالي 5 آلاف شجرة، ومنها تلك التي تمّ غرسها على فترات متتالية، بحيث تعتبر شجرة الزيتون مقدّسة لدى أهل المنطقة باعتبارها المصدر الرئيسي للاسترزاق بمعية أشجار مثمرة أخرى مكملة كالمشمش، البرقوق، اللوز والتين.
ويتناسب مسارها التقني مع مناخ المنطقة الحار صيفا والبارد شتاء، وكثيرا ما تكتسي الجبال المحلية حلّة بيضاء خلال مواسم البرد بفعل تساقط الثلوج عليها، الأمر الذي يعرقل من عمليات مباشرة النشاطات الفلاحية خلال هذه الفترة، وتبقى الأشجار المثمرة المنقذ الوحيد و الراعي الأساسي لحياة ساكنة طازروت.
كما يلجأ بعض السّاكنة أحيانا الى ممارسة تربية المواشي كالماعز والغنم من منطلق الاستثمار في المساحات الرعوية الشاسعة التي غادرها أهلها للعمل في مناطق أخرى أكثر مردودية وأمانا، ولكن هذا النشاط يبقى حسب الشاب عبد الحق المولع بالترويج للمنطقة كوجهة سياحية رائدة محدودا ومنعزلا، ولا يشهد تجاوبا مقبولا من طرف السكان لصعوبة التكفل بالماشية، في ظلّ انعدام طبيب بيطري، إضافة إلى ارتباطها بمشاكل أخرى متشابكة كالتسويق وجلب الكلأ وممارسة الرعي.
شاهد على معصرة زيت الزيتون
لا تزال آثار معصرة زيت الزيتون التي أقامها الاستعمار بواد بوعربي المجاور قائمة، إلا أنّ انعدام وسائل النقل والتحويل عقب الاستقلال مباشرة حال دون استمرار نشاط المعصرة، قبل أن تتعرّض للتشوه والاضمحلال على مدار عقود من الزمن، ولا يزال يتذكرّها كبار السن ممّن عايشوا الاستعمار بالمنطقة كون زيت زاتيمة اعتبرت حين ذاك كعلامة مسجلة وذات نوعية عالية، وسوّقت كميات هامة منها نحو أوروبا وبلدان أخرى.
غير أنّ أشجار الزيتون الممتدة على امتداد واد بوعربي لا تزال شاهدة على ارتباط سكان المنطقة بالأرض، خاصة وأنّ المساحات المغروسة تضاعفت خلال السّنوات الأخيرة، وأصبحت مع مرور الزمن تشكل مصدر رزق أساسي لمعظم ساكنة المنطقة، خاصة وأنّ مناخ ذات المنطقة لا يتيح للساكنة الاستثمار في مختلف أنواع الخضر على مدار السنة. وما يلفت الانتباه في هذا النشاط إقدام الفلاحين على توجيه منتوجهم من الزيتون نحو معصرات بعيدة بكل من الداموس، حجوط وبوركيكة، في حين أنّ الاستثمار في مجال عصر هذا المنتوج بالمنطقة يعتبر واعدا ومربحا على غرار ما حصل قبيل الثورة التحريرية، إلا أنّ شباب المنطقة متخوّفون من المفاجآت غير السارة التي يخبّئها هذا المشروع.
نزوح جماعي نحو بسكرة
بفعل انعدام مناصب الشغل محليا، وصعوبة الانتماء للقطاع الفلاحي الذي تعترضه تغيرات مناخية قاسية، فقد بادر العديد من ساكنة الحي الى النزوح جماعيا نحو منطقة بسكرة لمباشرة النشاط في القطاع الفلاحي، على مدار عدّة سنوات خلت، بحيث أكّد أولياء بعض منهم على أنّ جلّ الأنشطة المولّدة للثروة محليا أضحت في خبر كان، ولم تعد تستجب لتطلعات شباب الدوار، مما أرغمهم على الفرار والالتحاق بولاية بسكرة بغية العمل ودق أبواب الترقية الاجتماعية، مشيرين الى أنّ أبناءهم متعودين أصلا على النشاط الفلاحي منذ الصغر، غير أنّ العزلة وقساوة الطبيعة حالا دون تمكّنهم من إنشاء مشاريع لهم بأراضيهم.
قاعة العلاج..استطباب بلا فحوص
تفتقد قاعة العلاج الوحيدة بدوار طازروت للعديد من المستلزمات الطبية التي تضمن استطبابا متكاملا للمرضى، بالرغم من ضمان المداومة بها من طرف ممرضة من المقيمين هناك، بحيث تنعدم الفحوصات الطبية تماما سواء تعلق الأمر بالطب العام أو الطب المتخصص، ويضطر المرضى للتنقل الى أغبال أو قوراية لغرض زيارة الطبيب، غير أن الذي يرهق الساكنة أكثر من ذلك صعوبة التكفل بالحالات الاستعجالية، كأن يتعلق الأمر بالتوليد أو حتى بالحالات المرتبطة بالحوادث المؤلمة، في ظلّ انعدام سيارة إسعاف وبعد الحماية المدنية عن المنطقة.
وحسب سكان الدوار، فإنّ الممرضة التي تحرص كل الحرص على التكفل على قدر استطاعتها بعمليات الاستطباب الأولية تضطر للتنقل شخصيا الى المؤسسة العمومية للصحة الجوارية بالداموس للتزود بالمستلزمات الطبية، في حين يفترض بأن تتكفل ذات المؤسسة بهذه العملية لتتفرّغ الممرضة لنشاطها المعتاد، لتبقى بذلك مشاكل الاستطباب والعلاج مطروحة على طاولة القائمين على مناطق الظل بالمنطقة.
ومن الصّفحات الخالدة التي سجّلها تاريخ الجزائر الحديث، كثرة المعارك الضارية التي خاضها المجاهدون خلال ثورة التحرير المجيدة عبر إقليم «زاتيمة» وإقليم عرش بوهلال المجاور، وسقط قرابة الألف شهيد بالمنطقة، كما تأكّد ارتباط سكانها باستقرار بلدهم خلال العشرية السوداء حين لبّوا نداء الوطن ورفعوا السّلاح في وجه الإرهاب.